القوة الناعمة أجدى من نرجسية غشوم / عثمان جدو

في هذا العالم المليء بالصراعات والتحديات المختلفة، تتنافس كبريات الدول وما يتبعها من جيوش وكيانات إلى السباق نحو حيازة آليات التدمير، والقضاء على الآخر في دوامة مطاردة المصالح، وإثبات الذات، وإشباع الغرائز السياسية التسلطية، وتحقيق الأطماع التوسعية بمفاهيمها المختلفة، فلا تفكير لجل القادة خارج دائرة حيازة أسباب القوة والتفوق العسكري؛ كل بما أوتي من قوة وسمحت به ظروفه المحيطة، وأعانته عليه تحالفاته، أو تفاهماته، أو تبعياته، في هذا العالم الذي هذه بعض ملامحه التي تجسدها الدول العظمى، والقوى المهيمنة وتنكشف كثيرا من خلال تصرفات بعض القادة الذين منهم؛ بل بالأحرى في طليعتهم في هذا المنوال الرئيس الأمريكي اترامب الذي عرف كثيرا بتعاليه على جلاسه ونرجسيته التي لا يوازيها سوى النهم في جمع المال والسعي في حيازة المزيد رغم ما أوتي منه.
لقد تابع العالم كثيرا من مواقف الرؤساء والزعماء والقادة المحرجة التي يوقعهم فيها اترامب خلال لقاءاته معهم وكيف كان للباقة وحذاقة بعضهم تفوق في النهاية على سلطوية ونرجسية هذا الرئيس الذي يقود أكبر قوة في العالم؛ تهيمن على اقتصاد العالم وسياسته، ولها النفوذ العسكري؛ لكن يد الله فوق أيديهم.
وبالرغم مما بذل هذا الرئيس من إنهاء حروب في جغرافيات محددة مثل التوقيع على إنهاء الحرب القديمة الطويلة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في واشنطن، وقبل ذلك توقيف الحرب التي كانت ستكون مدمرة ولها عواقب وخيمة على السلام في العالم والتي نشبت بين باكستان والهند، طبعا بذل اترامب جهدا في إنهاء هذه الحرب من خلال اتصالات هاتفية محدودة مع زعماء وقادة البلدين، وتمكن من إنهاء الحرب بين إيران وربيبه المدلل إن جاز هذا التعبير مع أنه دعم طرفا خبيثا ظالما وغضَّ الطرف عن تجاوزاته واعتداءاته المتكررة على سيادة الدول، وأغمض العينين وأكثر عن جرائمه في غزة العزة والكرامة؛ ولم يتألم إن كان في قلبه مكان لذلك وهو يشاهد أشلاء النساء والأطفال في مشاهد يومية متكررة عرَّت قبح العالم؛ وماز الله بها الخبيث من الطيب، فمن كال في قلبه مثقال ذرة من إحساس بشري سيتألم لا محالة للمدنيين العُزَّل في مستشفيات غزة، وفي بقايا دورها، وأثر شوارعها، وأطلال أسواقها، وسيبلغ به الألم والتأثر مداه وهو يشاهد أجساد الأطفال مُقطعة بفعل آلة الغدر والقهر؛ حتى أن الأمر بلغ من الفظاعة بأن يرفع جنين قطع رأسه وهو في بطن أمه!! أي وحشية هذه؟ أي عداء؟ أي ظلم؟ أي قهر؟، لقد اسمع هذا المشهد كل حي، وتفاعل معه كل صاحب ضمير مهما كانت نسبة الإنسانية فيه ضعيفة، ونقيض ذلك يُجسد المقولة: ما لجرح بميت إيلام.
لقد تابعنا مرارا فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وهو يندد ويطالب بإنهاء المعاناة في غزة وتوقيف آلة الحرب المدمرة التي تطحن أجساد الأبرياء؛ من ذلك ما كان أيام توليه قيادة القارة الإفريقية ومنه ما كان في مناسبات دولية أخرى، عبر عن ذلك تعبيرا مسطورا تارة، ومنطوقا تارات أخر، وعلى نهجه سارت الخارجية الموريتانية مرات عدة، وهذا جهد بلادنا ولا ينبغي أن نخدع أنفسنا بحديث الذات أن لنا جهدا فوق المطالبة والتنديد؛ ولقد يُعذر باذلُ مبلغِ الجهد.
أما بخصوص صدى اللقاءات الجارية حاليا بين فخامة رئيس الجمهورية وبقية المدعوين من القادة الأفارقة مع الرئيس الأمريكي وأعوانه فإن ما تناهى إلى مسامعنا من حيثياتها وكواليسها يحسب حسابا جيدا بضارب كبير؛ حسب منطق الامتحانات التي يجريها طلاب الباكلوريا حاليا، فلقد حاز فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كامل الاحترام والتقدير في الخطاب والمعاملة والاعتبار أكثر من أي رئيس إفريقي حاضر في هذه اللقاءات المشهودة والمتابعة من العالم بأسره، وما كان ذلك بمحض الصدف؛ فالأشياء لا تقع من تلقاء نفسها، بل إن طبيعة فخامة الرئيس الغزواني الهادئة، ونجاحه في زرع السلام والتآخي إبان توليه رئاسة القارة الإفريقية حيث كانت بين يديه ملفاتها التي ذللها معتمدا على إطفاء الحرائق الدبلوماسية، وتجفيف منابع الخلاف، وردم كل ما من شأنه إنبات شوك الحروب أو إيقاظ جذوة الفتن، كل ذلك كان له رصيدا ناعما حرَّك مشاعر الدبلوماسية المؤثرة في العالم تُجاهه، احتراما وتقديرا، وهو ما ظهر على لسان اترامب الذي لا يجامل وإن اقتضت اللباقة الدبلوماسية ذلك، بل يتعدى بالألفاظ، ويهين بالإشارات، ويستفز بالحركات.
لقد نجح الغزواني في كسب وُدِّ قادة العالم بالقوة الناعمة التي تقهر نرجسية كل سلطان غشوم، وتسلح بأمن وأمان بلاده، وهدوءها السياسي الذي عمل على تجسيده منذ توليه مقاليد الحكم؛ وزاد المجتمعين معه زهوا به أن بلاده أصبحت تدخل نوادي تصدير الغاز مشاركة وإضافة؛ لا بسطا ليد المتسول، لينضاف ذلك إلى الإمكانيات الهائلة والمقدرات التي حبا الله بها بلادنا؛ والتي حتما سيكون لها التأثير والنجاعة الأفيد في ظل قيادة منفتحة على قوى التحكم والتأثير في العالم دون ذوبان زائد أو تفريط مخل.
أخيرا يمكن القول بكامل الثقة أن ما يحاول عبثا بعض المرجفين والمشوشين على النجاحات الدبلوماسية المشهودة من خلال نفث سموم الافتراء حول إمكانية نقاش استئناف علاقات بلادنا مع كيان الغدر والخيانة أو الانتظام  فيما يعارض قول الباري جل وعلا في حصر الدين القويم عند الله في الإسلام أمر في غاية الزور والبهتان؛ وحري به أن لا يخرج إلا من فيي من يخرج من ضئضئ من قابلوا نبي الهدى والسلام بفحش القول وعظيم الشنآن.

 

11. يوليو 2025 - 16:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا