موريتانيا والولايات المتحدة: شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة / محمد فال يحي احمدنلله

تتجسد الرؤية التنموية الطموحة لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني اليوم واقعا حقيقيا حيث تضع الانفتاح الاقتصادي، وتنويع الشركاء في صلب أولوياتها لإرساء أسس تعاون وتبادل عالمي مستدام، اذ تتقدم بلادنا بثقة نحو بناء شراكات دولية متميزة،  وفي مقدمة هذه الشراكات، تحتل الولايات المتحدة الأمريكية موقعًا استراتيجيًا بارزًا نظرًا لما توفره من فرص استثمارية ودبلوماسية وأمنية متقدمة تعزز آفاق التنمية الوطنية ، وتتميز العلاقة بين واشنطن ونواكشوط بوضوح المصالح المتبادلة وواقعية التوجهات، إذ ترتكز على مبدأ الشراكة القائمة على ربح متبادل، حيث تسعى بلادنا إلى تعزيز مسار التنمية وتسريع وتيرة النمو، بينما تنظر واشنطن إلى نواكشوط كشريك موثوق ومحوري، يمتلك موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في منطقة الساحل والصحراء، مما يجعل هذه الشراكة نموذجًا قويًا للتعاون المبني على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

يُقود هذا الحراك الاستراتيجي اليوم باقتدار وحنكة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي جعل من الانفتاح على الشركاء الدوليين أداة أساسية لتعزيز مكانة بلادنا الاقتصادية والجيوسياسية، وتمثل الزيارة التي يقوم بها فخامة الرئيس الي واشنطن محطة مفصلية في الجهود الرامية لترسيخ حضور بلادنا كفاعل على الساحة الدولية، من خلال مقاربة شاملة تُوازن بين بناء اقتصاد تنافسي حديث يقوم على تنمية رأس المال البشري، وتعزيز التعاون الأمني والسياسي مع القوى الكبرى، حيث يقود الي جانبه و فدًا رفيع المستوى يضم وزراء ومستشارين ورجال أعمال، بهدف ترجمة الإرادة السياسية إلى شراكات ملموسة تدعم مسار التنمية الوطنية، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الاقتصاد الوطني في قطاعات حيوية

وفي هذا السياق، سنحاول في هذا المقال أن نستعرض، من منظور استراتيجي، أهم النقاط التي تُحدد طبيعة الاحتياجات المتبادلة بين واشنطن ونواكشوط، وكيف يمكن توظيف هذه المصالح المشتركة في بناء شراكة استراتيجية متوازنة تعود بالنفع على الطرفين.

 

أولاً: حاجة موريتانيا إلى الولايات المتحدة

 

شريك اقتصادي واستثماري موثوق

تسعى بلادنا بشكل استراتيجي إلى تنويع شركائها الاقتصاديين لتقليل مخاطر الاعتماد المفرط على أسواق محدودة أو مهيمنة مثل أوروبا والصين، التي رغم أهميتها، قد تكون عرضة لتقلبات سياسية وجيواقتصادية تؤثر سلبًا على استقرار العلاقات التجارية والاستثمارية، و في هذا الإطار، تُعد الولايات المتحدة الأمريكية شريكًا اقتصاديًا ذا وزن عالمي يفتح أمام بلادنا آفاقًا واسعة للاستفادة من سوق عملاقة تضم مليارات المستهلكين، وشبكة ضخمة من الشركات متعددة الجنسيات التي تتمتع بخبرات تقنية واستثمارية رائدة عبر مختلف القطاعات، علاوة على ذلك، تتمتع الولايات المتحدة بمؤسسات تمويل دولي قوية، مثل مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC)، التي تلعب دورًا محوريًا في توجيه الاستثمارات الضخمة نحو مشاريع البنية التحتية الحيوية والطاقة المستدامة في الدول النامية، بما يشمل تمويل شبكات الكهرباء، مشاريع النقل، و الطاقات المتجددة، حيث يمكن ان تتيح هذه المؤسسات لبلادنا الحصول على دعم مالي وتقني يمكنه دفع عجلة التنمية الوطنية، وتحفيز النمو الاقتصادي عبر استحداث فرص عمل جديدة، وتحسين الخدمات الأساسية.

ويأتي هذا التنويع في الشراكات الاقتصادية أيضًا ليعزز من قدرة بلادنا على دمج نفسها في سلاسل القيمة العالمية، ويمنحها إمكانية الاستفادة من التقنيات الحديثة والمعرفة المتقدمة التي ترافق الاستثمارات الأمريكية، ما يرفع من مستوى تنافسيتها الإقليمية والعالمية، هذا التوجه لا يسهم فقط في تعزيز صمود الاقتصاد الوطني أمام التقلبات الخارجية، بل يفتح أيضًا المجال لإصلاحات هيكلية وتطوير قطاعات واعدة، مثل التكوين التقني، والزراعة، والطاقات النظيفة، عبر تبني نماذج شراكة مستدامة ومتوازنة تخدم مصالح بلادنا طويلة المدى.

 

نقل المعرفة والتكنولوجيا

يُعد بناء قدرات الشباب وربط التعليم بسوق العمل أولوية محورية في الأجندة الوطنية ، إذ يمثل الاستثمار في الكفاءات ركيزة أساسية لبناء اقتصاد حديث ومتنوع، وتتمتع الجامعات الأمريكية ومراكز الابتكار، مثل وادي السيليكون (Silicon Valley) وغيره من الأقطاب البحثية الرائدة، بخبرات متقدمة في تطوير الأبحاث الزراعية والصناعية والتكنولوجية، ومن شأن إرساء شراكات أكاديمية ومهنية مع هذه المؤسسات أن يسهم في تحديث القطاعات الحيوية داخل بلادنا، ويعزز قدراتها على ربط مخرجات التعليم مباشرةً بالأسواق الإقليمية والعالمية، وفتح آفاق جديدة أمام رواد الأعمال الشباب في مجالات الابتكار والتكنولوجيا.

 

دعم دبلوماسي وسياسي

من الناحية الدبلوماسية، يُعد توطيد العلاقة مع واشنطن ورقة قوة مهمة لبلادنا، ليس فقط داخل مجلس الأمن والمنظمات الدولية، بل أيضًا في كسب ثقل أكبر داخل المؤسسات المالية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتعزز هذه الشراكة مكانة نواكشوط كطرف موثوق به في إدارة ملفات معقدة تخص منطقة الساحل والصحراء، من أمن ومكافحة الإرهاب والهجرة العابرة للحدود، إلى دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة، كما يُتيح الانفتاح على الولايات المتحدة توسيع دوائر التعاون مع حلفائها الاستراتيجيين في أوروبا والعالم العربي، خاصة من خلال المبادرات التنموية والأمنية المشتركة، وكذلك مع بلدان القارة الإفريقية التي تتشارك مع بلادنا نفس التحديات والفرص، مما يمكّنها من أن تكون همزة وصل حقيقية بين فضاء الساحل الإفريقي وفضاءات المغرب العربي والخليج العربي، ويعزز موقعها الجيوسياسي كلاعب مسؤول وفاعل في محيطها الإقليمي والدولي.

 

تعزيز الأمن والدفاع

في منطقة الساحل والصحراء، حيث تنشط جماعات مسلحة وإرهابية عابرة للحدود وتستفيد من الفراغات الأمنية وضعف التنسيق الإقليمي، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا اليوم لبناء شراكة أمنية فعالة مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، وتكتسب هذه الشراكة بعدًا جديدًا في ظل التحديات العالمية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية، وما رافقها من إعادة تشكيل موازين القوى العالمية وسباق النفوذ في مناطق استراتيجية، إضافة إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وما لذلك من انعكاسات على الأمن الطاقوي وسلاسل الإمداد العالمية.

في هذا السياق، تجد بلادنا نفسها معنية بتعزيز قدراتها الأمنية والاستخباراتية ليس فقط لحماية حدودها ومواطنيها، وإنما أيضًا لتأمين سواحلها الأطلسية التي أصبحت أكثر أهمية في ظل تزايد الأنشطة البحرية غير المشروعة والتدفقات غير النظامية، حيث تملك الولايات المتحدة خبرات متقدمة في مجالات التدريب العسكري، وأمن الحدود، والمراقبة البحرية، والدعم اللوجستي، وهي خبرات يمكن أن تشكل عنصرًا حاسمًا في تمكين الجيش والأجهزة الأمنية الموريتانية من رفع جاهزيتها وحماية الاستقرار الوطني والإقليمي في مواجهة التهديدات المستجدة والمتشابكة.

كما أن انخراط بلادنا في شراكات أمنية مدروسة يعزز موقعها كركيزة استقرار ضمن المنظومة الإفريقية والعربية، ويمنحها دورًا أكبر في التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ومنع التمدد المحتمل لأي قوى أو شبكات تستغل النزاعات العالمية لإعادة التموضع في منطقة الساحل والصحراء.

 

الوصول إلى السوق الأمريكية

يمثل السوق الأمريكي اليوم فرصة حيوية لتسويق المنتجات الوطنية الموريتانية، ولا سيما في مجالات الصناعات الحرفية ، والمنتجات الزراعية، والمنتجات البحرية التي تتمتع فيها بلادنا بمزايا تنافسية معتبرة، ففي ظل التوترات الجيوسياسية الأخيرة والتحولات في سلاسل الإمداد العالمية، باتت الأسواق الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تسعى بشكل متزايد إلى تنويع مورديها وتقليل الاعتماد المفرط على بعض المصادر الآسيوية، خاصة في المنتجات البحرية التي تأتي منها نسبة كبيرة عبر شبكات طويلة ومعقدة قد تتأثر بالأزمات العالمية أو سياسات الحماية التجارية.

وتملك بلادنا أحد أغنى الشواطئ بالثروات السمكية على مستوى إفريقيا، مع إمكانية توفير منتجات بحرية عالية الجودة وتطبيق معايير استدامة وصحة غذائية يمكن أن تفتح الأبواب أمامها للدخول إلى السوق الأمريكية بصفة مورد بديل موثوق، ومع تطوير سلاسل القيمة المحلية وتعزيز قدرات التخزين والمعالجة والتعبئة، يمكن للمنتجات البحرية الموريتانية أن تنافس فعليًا في قطاعات الأسماك الطازجة والمجمدة والمعلبة، مما يرفع القيمة المضافة ويعزز مداخيل آلاف الأسر.

إضافة إلى ذلك، فإن تطوير قنوات تجارة إلكترونية موجهة خصيصًا للأسواق الخارجية، بما فيها السوق الأمريكية، سيتيح تسويق هذه المنتجات بشكل مباشر ويضمن وصولها إلى المستهلك النهائي بأقل كلفة، وهو ما يعكس رؤية حديثة للاقتصاد الوطني تقوم على الابتكار والتصدير الذكي.

 

ثانيًا: حاجة الولايات المتحدة إلى موريتانيا

في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن الشراكة مع موريتانيا تخدم أهدافًا استراتيجية تتجاوز العلاقة الاقتصادية التقليدية.

 

الموقع الجغرافي الاستراتيجي

تقع بلادنا عند تقاطع جغرافي فريد يربط شمال إفريقيا بغربها، وتشرف على واجهة بحرية أطلسية تمتد لأكثر من 700 كيلومتر، ما يمنحها أهمية جيوسياسية خاصة في تأمين أحد الممرات البحرية الحيوية ، ويجعلها هذا الموقع حلقة وصل طبيعية بين بلدان المغرب العربي وفضاء الساحل والصحراء، ونافذة استراتيجية نحو الأسواق الإفريقية جنوب الصحراء، كما يعزز موقع بلادنا أهميتها في مراقبة التحركات الأمنية في منطقة الساحل، التي تشهد تحديات متزايدة بفعل الأنشطة الإرهابية، الهجرة غير النظامية، وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات العابرة للحدود، هذا الامتداد الساحلي والحدودي يمنحها دورًا محوريًا في جهود تأمين الحدود البحرية والبرية وحماية الممرات التجارية في المحيط الأطلسي، وهو ما يفسر اهتمام القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بتعزيز التعاون الأمني مع نواكشوط ودعم قدراتها كدولة استقرار ومراقبة في محيط مضطرب.

وبفضل هذا العمق الجغرافي، يمكن لبلادنا أن تتحول إلى منصة لوجستية وتجارية متقدمة تربط الأسواق الإفريقية بالفضاءات الأطلسية والأوروبية والأمريكية، بما يعزز موقعها كمحور استراتيجي للتجارة والأمن معًا.

 

الموارد الطبيعية والفرص الاقتصادية

تمتلك بلادنا واحدًا من أكثر المخزونات المعدنية تنوعًا ووفرةً في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؛ إذ تحتل موقعًا متقدمًا عالميًا في احتياطات الحديد عالي الجودة، إلى جانب ثروات كبيرة من الذهب، والنحاس والفوسفات والحديد، والمعادن الثقيلة مثل اليورانيوم والتيتانيوم والزركون، والتي تكتسب أهمية استراتيجية في الصناعات التكنولوجية والعسكرية الحديثة، وتعزز هذه الثروات مكانة بلادنا كمورد موثوق للمواد الخام التي يحتاجها الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التوجه نحو إعادة تشكيل سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على أسواق قد تشهد توترات حادة مثل بعض مناطق آسيا أو أوروبا الشرقية.

وعلاوة على ذلك، تُعد احتياطيات الغاز الطبيعي، خاصة في حقل السلحفاة-آحميم المشترك مع السنغال وحقل بير الله وبندا وشنقيط وغيرهم، من الأصول الاستراتيجية التي تفتح أمام بلادنا آفاقًا لتكون مورِّدًا موثوقًا للغاز والنفط  نحو أوروبا وأمريكا في مرحلة التحول الطاقوي، وهو ما يتماشى مع سعي الولايات المتحدة لتعزيز أمنها الطاقوي عبر شركاء مستقرين وبيئة استثمارية واضحة، ولا يقتصر الأمر على الموارد التقليدية فقط؛ إذ تتمتع بلادنا بإمكانات هائلة لتطوير مشاريع الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى موقعها الواعد في خارطة إنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي بات يُنظر إليه عالميًا كمصدر طاقة بديل يُقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تجد في بلادنا شريكًا استراتيجيًا لدعم انتقالها نحو اقتصاد منخفض الكربون، عبر الاستثمار في البنية التحتية، ونقل التكنولوجيا، وتطوير مشاريع إنتاج وتصدير الهيدروجين النظيف.

إن تنويع واشنطن لمصادر إمداداتها من المواد الخام والمعادن الاستراتيجية والطاقة النظيفة يُعد ركيزة أساسية لحمايتها من التقلبات الجيوسياسية ومخاطر الاحتكار أو تعطّل خطوط التوريد التقليدية، وهو ما يجعل من بلادنا لاعبًا صاعدًا في تلبية هذه الحاجة، خاصة مع توفر عوامل الاستقرار السياسي والإطار القانوني المشجع للاستثمار طويل الأمد.

 

سوق ناشئة للاستثمار بفرص تنموية متنوعة

رغم محدودية عدد السكان نسبيًا، تُعد بلادنا سوقًا بكرًا واعدة في عدة مجالات حيوية مثل الطاقة والزراعة والبنية التحتية، وهي قطاعات تتوافق مع التوجه الأمريكي المتزايد نحو تحفيز شركاتها للعمل في إفريقيا، خاصة في إطار مشاريع الطاقات وتعزيز الأمن الغذائي، ففي قطاع الزراعة مثلًا، يوفّر حوض نهر السنغال ظروفًا مثالية لتطوير زراعات مروية حديثة، حيث يمتد على طول المناطق الزراعية الخصبة جنوب البلاد، ويُمثل رافدًا حيويًا لدعم الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الغذائي، فضلًا عن فرص تصدير الفائض إلى أسواق إقليمية وعالمية، كما دشّن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، قبل مغادرته إلى واشنطن، سد فم لكليتة الذي يُعد من المشاريع المائية الكبرى لدعم الزراعة المروية وتوفير مخزون مائي مستدام لفائدة المزارعين، بما يعزز مرونة الإنتاج في مواجهة التغيرات المناخية، وتُضاف إلى ذلك برامج توسعة المساحات الصالحة للزراعة، والاستثمار في نظم الري الحديثة، وتطوير سلاسل القيمة الزراعية.

أما على مستوى الطاقة، فتجمع بلادنا بين مشاريع الغاز الطبيعي (مثل حقل السلحفاة–آحميم) والإمكانات الضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يجعلها مرشحة لتكون مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة بما في ذلك مشاريع الهيدروجين الأخضر، وفي جانب البنية التحتية، تحتاج البلاد إلى استثمارات ضخمة لتطوير الموانئ والطرق والسكك الحديدية وربط المناطق الزراعية والمعدنية بمراكز التصدير، وهو ما يفتح آفاقًا مهمة أمام الشركات الأمريكية العاملة في هذه المجالات الحيوية.

كل ذلك يجعل من بلادنا سوقًا ناشئة تحمل فرصًا جذابة للاستثمار النوعي طويل الأمد، وتتماشى مع رؤية الولايات المتحدة لتنويع شراكاتها الاقتصادية في إفريقيا وتعزيز حضور شركاتها في المشاريع الكبرى ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.

 

شريك موثوق في ملفات إقليمية ودولية

تؤدي بلادنا دورًا مهمًا كوسيط هادئ في عدد من النزاعات المعقدة في المنطقة، مثل الوضع في مالي الذي يُعد أحد أخطر بؤر التهديد الأمني في الساحل، والأزمة الليبية التي تؤثر مباشرة على استقرار شمال إفريقيا وجنوبها، وبفضل حيادها النسبي وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، تحظى بلادنا بقبول إقليمي يجعلها شريكًا موثوقًا في جهود التسوية والحوار، وتُشكّل هذه الأدوار قيمة مضافة للولايات المتحدة في إطار التنسيق الأمني والسياسي، إذ تحتاج واشنطن إلى شركاء موثوقين محليين يمتلكون القدرة على التواصل الفعال مع الفاعلين في الميدان، خصوصًا في مناطق الهشاشة الأمنية، كما يعزز صوت بلادنا في المحافل الدولية — كالاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية — حضور القضايا المرتبطة بمنطقة الساحل، سواء تعلق الأمر بالتنمية المستدامة أو مكافحة الإرهاب أو مواجهة التحديات المناخية ، ومن خلال انفتاحها المتوازن على محيطها العربي والإفريقي، يمكن لبلادنا أن تُشكل جسرًا لدعم المبادرات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون لتعزيز الأمن الإقليمي وإيجاد حلول سلمية للنزاعات الممتدة، بما يجعل من نواكشوط شريكًا استراتيجيًا مسؤولًا وفعّالًا ضمن منظومة الأمن والاستقرار في غرب إفريقيا والساحل والمغرب العربي.

 

آفاق الشراكة: مقاربة واقعية قائمة على المصالح المشتركة

لقد أدركت بلادنا، بقيادتها الرشيدة، أن بناء شراكة استراتيجية مع قوة عالمية كبرى مثل الولايات المتحدة لا يعد مجرد ترف دبلوماسي، بل هو رافعة أساسية لتعزيز قدراتها الاقتصادية والسيادية على حد سواء، فواشنطن اليوم ترى في نواكشوط شريكًا موثوقًا ومستقرًا في منطقة تعج بالأزمات الأمنية والسياسية المتشابكة، ما يجعلها حليفًا استراتيجيًا لا غنى عنه في جهود تحقيق الاستقرار الإقليمي، وفي ضوء هذه المصالح المشتركة، تُفتح أمام الطرفين آفاق واسعة للتعاون في مجالات لدعم جهود تأمين الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الساحل والصحراء.

غير أن نجاح هذه الشراكة الاستراتيجية بين بلادنا والولايات المتحدة لا يقتصر على توقيع الاتفاقيات أو التصريحات السياسية، بل يتوقف بشكل جوهري على قدرة المسؤولين  على التفاوض بفعالية اكبر، وتحويل هذه الفرص الواعدة إلى برامج ومشاريع عملية ملموسة قابلة للتنفيذ في اقرب الأوقات، هذه المشاريع يجب أن تخلق قيمة مضافة حقيقية، تعكس تطلعات الشعب الموريتاني في تحسين جودة الحياة، ورفع معدلات التشغيل، وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني على مواجهة التقلبات والأزمات العالمية المتلاحقة، مثل الاضطرابات في الأسواق العالمية، والتغيرات المناخية، والتحديات الأمنية الإقليمية، فمن هذا المنطلق، تكون نواكشوط مركز استقرار إقليمي، وقاعدة انطلاق قوية لمرحلة جديدة من النمو والازدهار، ليس فقط داخل بلادنا، بل في عمق فضاء الساحل وغرب إفريقيا، حيث يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في دفع مسارات التعاون الإقليمي والتنمية الاقتصادية، وتعزيز الأمن والاستقرار، بما يخدم مصالحها الوطنية ويحقق تطلعات شعوب المنطقة بأسرها.

 

 

14. يوليو 2025 - 11:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا