الاختناق المروري / عبد الودود سيد الهادي

نحن هنا في موريتانيا نختنق،
 وهذا الاختناق بلغ الذروة، وفي كل شيء، فنحن نختنق من درجات الحرارة المرتفعة، نختنق من أسعار المواد الغذائية الأساسية المرتفعة بجنون، من البطالة وانعدام فرص الشغل، من السياسات الارتجالية في شتى الميادين، ونختنق من المحسوبية والجهوية... والقائمة تطول.
لكنني سأتعرض هنا لاختناق من نوع خاص، اختناق لم ينل كفايته من التحليل والمناولة، إنه الاختناق المروري (Embouteillage). تلك اللحظات التي نجد أنفسنا فيها في وضع شبه توقف، نحدق في السيارات المجاورة، ونحلم بعبور أكثر سلاسة إلى الجزء الآخر من المدينة.
 
والاختناق - كما يعرف علميا - هو احتشاد المركبات حتى تسد وتعيق طرق الاتصال.
 وله عدة أنواع وتجليات متعارف عليها:
•    الاختناق المروري الحاد:  
وهو الأكثر شيوعًا ويحدث عندما تتجاوز كثافة المركبات حدًا حرجًا (حوالي 1500 مركبة في الساعة لكل مسار) فلا يتسع الطريق لمزيد من الحركة.
وخلافًا للاعتقاد السائد، فإن القيادة بسرعة أكبر لا تُحسّن انسيابية حركة المرور. بل كلما زادت السرعة، زادت مسافة الأمان التي يجب على السائقين الالتزام بها، مما يقلل من عدد المركبات التي يمكنها السير في وقت واحد وكنتيجة يحدث تباطؤ مفاجئ في حركة المركبة يُسبب تفاعلاً متسلسلاً، فيكبح كل سائق سرعته ليحدث الاختناق.

•    الاختناق المروري الناتج عن حادث:
حادث سير، أو مركبة متعطلة على الطريق، أو أعمال صيانة، أو حتى مسار مسدود... بمجرد أن يُقلل حدث ما من سعة الطريق، يتجاوز الطلب العرض، وينشأ ازدحام مروري.
هذا النوع من الازدحام المروري مؤقت عادةً، ولكنه قد يُسبب اضطرابات كبيرة، خاصةً خلال ساعات الذروة. 

•    الاختناق المروري الفضولي:
وهو ازدحام يحدث على طريق لا توجد فيه أي مشكلة ظاهرة. فعلى سبيل المثال، وعند وقوع حدث على الرصيف أو على القارعة (كشجار مثلا أو خصومة) يلجأ كل سائق إلى التباطؤ لمشاهدة ما يحدث، ومن هنا جاءت التسمية(الفضولي)، فيُجبر السائق الذي يُبطئ سرعته السائق الذي خلفه على التباطؤ، مما يُبطئ حركة المرور بشكل عام.

تقريبا جل المدن الكبيرة في العالم تعاني أو عانت سابقا من هذه الظاهرة، وقد أجريت عدة دراسات تهدف إلى الوقوف على الأسباب الحقيقية لها بغية الحد من تداعياتها.
272 ساعة هي متوسط الوقت الذي يهدره سكان بوغوتا في ازدحام المرور في ساعة الذروة للعام، وفقًا لبيانات جديدة من إنريكس (Inrix: مؤسسة تعتمد تطبيقات مثل Inrix Traffic لتحليل عادات السائقين بغية تقديم المساعدة عن طريق تقديم بيانات حول الوقت الأفضل للمغادرة وكذلك الوقت الأمثل للوصول. وهي الشركة الرائدة عالميًا في مجال خدمات المرور والمساعدة في السياقة عبر الشبكات الحضرية). 
إلا أن العواصم الأوروبية هي التي تتصدر قائمة المدن التي يهدر فيها السائقون أكبر قدر من الوقت في الاختناقات المرورية: إذ يعلق سكان روما ودبلن أيضًا في حركة المرور لفترات طويلة سنويًا (254 ساعة و246 ساعة على التوالي) وهذا يفوق حتى سكان باريس، الذين أضاعوا في المتوسط 237 ساعة في ازدحام المرور إبان ساعة الذروة عام 2024 حسب نفس المصدر.

 تأثير الاختناقات المرورية على سياراتنا
لا تقتصر آثار الاختناقات المرورية على إضاعة وقت السائق فحسب، بل تؤثر أيضًا بشكل مباشر على سيارته ومصروفاته، فالتوقف والتشغيل المتكرر يزيدان من استهلاك الوقود مقارنةً بالقيادة السلسة.
ليس هذا فحسب بل إن الضغط المتتالي والمتكرر على دواسة الوقود والفرامل يُسبب تآكلًا مبكرًا للإطارات وصفائح الفرامل، كما أن توقف السيارة عن الحركة في حين أن المحرك لا يزال يعمل قد يُجهد نظام التبريد.
 باختصار، ستُرهق حركة المرور صبر السائق وسيارته.

ماذا عن نواكشوط؟
لا شك أن نواكشوط عاصمة فتية جدا مقارنة مع غيرها من العواصم المجاورة، صغيرة من حيث الانتشار العمراني، وهي قليلة الكثافة السكانية قليلة السيارات:
 من الصعب تصنيف العواصم بدقة حسب عدد السيارات، إذ تتنوع البيانات ولا تُتاح دائمًا للعامة أو تُجمع بطريقة موحدة، وهذه قائمة بالدول العشر الأوائل حسب عدد المركبات الآلية لكل ألف نسمة، يشمل ذلك السيارات، والشاحنات الصغيرة، والحافلات، ومركبات الشحن، ولكنه لا يشمل الدراجات النارية أو غيرها من المركبات ذات العجلتين (سان مارينو، أندورا، موناكو، أيسلندا، نيوزيلندا، الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، ليختنشتاين، بروناي، كندا).
  في هذا الترتيب المنشور من طرف ويكيبيديا، احتلت موريتانيا الرتبة 174 أي أنها على رأس آخر 18 دولة في العالم، وبعبارة أخرى – حسب هذا الترتيب على الأقل – فنحن لا نمتلك سيارات كافية لإحداث ازدحام مروري.
إذا من أين ابتلينا بظاهرة الاختناق المروري؟ ولماذا كل الحلول السابقة من توسعة للشبكات الطرقية، وبناء الجسور، وزيادة الطواقم الأمنية، واعتماد الرقابة الإلكترونية، لماذا باء كل ذلك بالفشل؟،
إذا تجاوزنا عدم الالتزام بقواعد المرور (التجاوز الخطير، عدم الحفاظ على مسافة الأمان، استخدام الهاتف أثناء القيادة مثلا) والذي قد يُفاقم الازدحام ويُساهم في خلق اختناقات مرورية.
فإن تخطيط هذه المدينة الفتية يلعب دورا محوريا في خلق الازدحام المروري، ذلك أن جل -إن لم نقل كل-المرافق العمومية والخصوصية في العاصمة تتواجد في موقع واحد (قرابة 2 كلم في كل جهة انطلاقا من وسط العاصمة)، مرتادوا هذه المرافق قادمون من مختلف مقاطعات العاصمة (تسعة مقاطعات) وكلما اقتربوا من وسط العاصمة كلما حدث الاختناق، يحدث هذا يوميا عند بداية ونهاية الدوام.  
فلو تم توزيع هذه المرافق على تلك المقاطعات التسع، لساهم ذلك بشكل كبير في حل هذه المعضلة، ولظهر لنا كم أننا لا نمتلك الكثير من المركبات لإحداث اختناقات مرورية. 

 

 

 

 

14. يوليو 2025 - 11:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا