قراءة في المرسوم المنشئ للمعهد العالي للقضاء/ أحمد عبد الرحمن سيدن

بعد طول انتظار كشف الاجتماع الثاني للجنة العليا لإصلاح وتطوير العدالة الذي ترأسها صاحب الفخامة رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء محمد ولد الشيخ الغزواني عن جملة من القرارات المهمة من بينها إنشاء معهد للتكوين القضائي، مع التوصية بتعجيل إجراءات المصادقة على النصوص المنشئة له، وهي التوصية التي تم تنفيذها بموجب اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 2025/05/21 الذي صادق على مشروع المرسوم الذي تم نشره فيما بعد في الجريدة الرسمية العدد 1583 بتاريخ 2025/06/15.

وجاء في البيان الصادر عن مجلس الوزراء أن مشروع المرسوم يهدف إلى: إنشاء مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تسمى "المعهد العالي للقضاء والمهن القضائية (م.ع.م.ق)"، مكلفة بالتكوين القاعدي والتكوين المستمر لمهني العدالة كالقضاة والمهن القضائية الأخرى، من كتاب ضبط ومحامين وموثقين وعدول منفذين طبقا لنتائج المنتديات العامة للعدالة التي تعهدت الحكومة بتطبيقها في بيان سياستها العامة وتنفيذا للقرار الذي اتخذته اللجنة العليا لإصلاح وتطوير العدالة في اجتماعها المنعقد يوم 19 مايو 2025.
كما يأتي إنشاء المعهد لتزويد وزارة العدل بهيكل متخصص في التكوين المهني في المجال القضائي، يأخذ في الاعتبار التغيرات التشريعية، والممارسات المعاصرة، وأخلاقيات المهن القانونية والقضائية، مما يساهم في ظهور رأسمال بشري مؤهل وقادر على تحسين فعالية وأداء النظام القضائي.

ويتكون المرسوم المنشئ للمعهد العالي للقضاء من 28 مادة موزّعة على 6 فصول، تتعلق بأحكام عامّة، مهامّ المعهد وقواعد تنظيمه وكيفيات تسييره، الولوج إلى المعهد ومجالات التكوين، أحكام انتقالية وختامية.

أولا: لولوج إلى المعهد

بالرجوع إلى المواد 3 و 24 من المرسوم المنشئ للمعهد العالي للقضاء يلاحظ أنه ترك تحديد كيفية الولوج إليه ومدّة التكوين فيه إلى الأحكام التشريعية والتنظيمة الخاصة بالمهن القضائية التي تشمل مهام تكوينه، من قضاة وموظفي كتابات الضبط وإدارة السجون وإعادة الاندماج والحماية القضائية للطفل.
لكن لم ينص صراحة بشأن التكوين الأولي بالنسبة للمهن القضائية الأخرى، من المحامين والموثقين والعدول المنفذين وغيرهم، حيث فقط اكتفى بالنص على عبارة "وكافة العاملين في ميدان العدالة" .
بينما نص صراحة بشأن التكوين المستمر بالنسبة لهؤلاء الفئات، حيث نص على مايلي:((ويمكن أن تشمل مهامه كذلك:
•التكوين المستمر للمحامين، والموثقين، والعدول المنفذين، ومساعديهم المحلفين، والخبراء القضائيين، وأمناء التفليسة، والمصلحين، والمحلفين، وسائر الأعوان المخولين القيام بأعمال ذات طبيعة قضائية)).
وبالتالي كان عليه استقطاب هؤلاء الفئات ذات الصلة بشأن القضائي فيما يتعلق بالتكوين الأولى، وذلك بالنص عليهم صراحة كما فعل مع بعض الفئات الأخرى بشأن التكوين الأولي والمستمر في المعهد، حيث نص على مايلي:((تتمثل المهمة الأساسية للمعهد العالي للقضاء والمهن القضائية، دون غيره، على امتداد التراب الوطني في تأمين التكوين الأولي والمستمر للقضاة، وموظفي كتابات الضبط وإدارة السجون وإعادة الاندماج والحماية القضائية للطفل)).

ثانيا: توصيات مهملة حول تعيين المدير العام والمدير العام المساعد للمعهد 

تضمنت المادة 11 من المرسوم المنشئ للمعهد العالي للقضاء كيفية اختيار تعيين المدير العام والمدير العام المساعد للمعهد، ونصت على أنه يكون من بين القضاة وكتاب الضبط الرئيسيين، ويكون تعيينه بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير العدل.
وعلى الرغم من توفيق المادة في كيفية اختيار تعيين المدير العام والمدير العام المساعد للمعهد وطريقة تعيينهما، إلا أنها أهملت جوانب أخرى مهمة في تعيينهما تتعلق بأن يكونوا من المتقاعدين أو أصحاب الخبرة الطويلة في المجال القضائي ممن لاتقل خبرتهم عن 20 سنة، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابا على تكوين المصادر البشرية التي تشمل مهام المعهد تكوينها.

ثالثا: إغفال توصيات حول تعيين رئيس قطاع التكوين الأولي وقطاع التكوين المستمر والتعاون

لم يتضن المرسوم المنشئ للمعهد العالي للقضاء توصيات بشأن كيفية تعيين رئيس قطاع التكوين الأولي وقطاع التكوين المستمر والتعاون، ورغم الأهمية لهذين القطاعين في المعهد وانعكاسهما على التكوين للمصادر البشرية، كان من الضروري أن يتضمن المرسوم توصيات بشأن كيفية تعيينهما واختيارهما، ومن الضروري أن يكون ذلك من بين القضاة وكتاب الضبط الرئيسيين الذين لاتقل خبرتهم عن 15 سنة في المجال القضائي. 

وفي الختام ورغم الأهمية البالغة بإنشاء المعهد العالي للقضاء مكلف بالتكوين القاعدي والتكوين المستمر لمهني العدالة كالقضاة والمهن القضائية الأخرى، طبقا لنتائج المنتديات العامة للعدالة التي تعهدت الحكومة بتطبيقها في بيان سياستها العامة وتنفيذا للقرار الذي اتخذته اللجنة العليا لإصلاح وتطوير العدالة في اجتماعها المنعقد يوم 19 مايو 2025، 
نوصي بضرورة إدراج التخصص في نظام التكوين للمعهد العالي للقضاء بالنسبة للقضاة بما يضمن كفاءتهم وفعاليتهم في أداء مهامهم بما يخدم العدالة.

بقلم: أحمد عبد الرحمن سيدن 
محام سابق وقاض متخرج

15. يوليو 2025 - 10:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا