عودة الألق / الشيخ ولد بلعمش

لربما كان آخر عهدنا بالمعافاة الدبلوماسية ذلك النشاط الخارجي المرن لحكومات المختار ولد داداه فالرجل على قلة اليد يومها و إحداق المخاطر و ربما الغليان الداخلي أحيانا لم يرض باستقالته من الدور الذي حكمت به الجغرافيا و التاريخ على بلده و كان لمصطلح همزة الوصل سحره و معناه و قبوله .

و لم يكن لخصوم الرئيس المختار حينها مطعن أو نكران لدوره الإقليمي و الدولي إذا استثنينا مطالب استجاب لها الأستاذ في النهاية تتعلق بمراجعة اتفاقيات موريتانيا الناشئة حينها مع فرنسا و الحقيقة أن ذلك الحكيم كان يخطو بتؤدة إلى نفس الهدف بينما يصر الشباب على كسر الصنم فورا و لو أدمت شظاياه أناملنا.

شريط مختصر من ذاكرة الجمهورية الأولى رنوتُ إليه فانواكشوط اليوم تستضيف أول قمة لدول الساحل و لموريتانيا شرف التأسيس و الاجتماع.

و منذ يومين انقادت لها رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي و من قبلُ رئاسة الاتحاد الإفريقي.

مواقف ثلاثة من الصعب المرور عليها دون تأمل مبتغاه دعم الإرادة و فتح نقاش خلاصته دون شك تصور واضح للممكن فعله و ما كان ينبغي أن يفعل منذ عقود.

اليوم ها نحن نعود من جديد في أكثر حقب التاريخ اضطرابا و تعقيدا فأي دور يمكن أن تلعبه حكومتنا و كيف؟ و كيف نكون كمعنيين بالشأن قوة دفع لا قوة عطالة ؟

عبثي قول بعضهم إن كل ما أحرزناه من فتوحات ديبلوماسية ما كان ليتم لولا دورية الرئاسة في المنظمات الإقليمية و القارية فمعلوم أن ذلك الشرط ليس كافيا لوحده و لا يمكن الميل إلى أن تزامنَ تطلُّعِنا إلى هذه الأدوار جاء عن طريق الصدفة.

فوجود إرادة موريتانية للعب دور هام يبدو لي حقيقة و ذلك أمر يمكن فصل تقييمه عن أي جدل حول الشأن داخلي.

إن من أخطر الظواهر عندنا عدمُ التمييز بين ما هو لمصلحة الوطن و ما هو مغنم لطرف سياسي .. و تكاد تلك الظاهرة تصبح ماركة مسجلة خاصة بنا.

أعني بذلك أنه يليق بنا الاعتراف بالإيجابي دائما حتى لو كان الخصم صانعه ثم من قال إن اختلاف التصور و الاجتهاد خصومة ؟

إن الطيف المعارض حين يستحي من الاعتراف بإنجاز ديبلومسي للحكومة فإنما يحشر نفسه في الزاوية و يعطي انطباعا برفض كل إنجاز ليس من صنعه حتى و لو كان في مصلحة الجميع.

جدير بالعائلة الموريتانية أن تفهم قدرها و مصيرها المشترك الذي لن تضمنه إلا بعقول سياسية مستبصرة و إرادات جمعية راشدة.

إن رمزية توازي الدورين العربي و الإفريقي المرتقبين لموريتانيا ليست حسب رأيي إلا نتاج رؤية سليمة تعي ذاتها و تمتلك خطة للتأثير.

إن ذلك مبعث اطمئنان على أن قرارا واعيا قد اتخذ بالسير خطوات واثقة حددت وجهتها و سرعتها.

و بديهي أن انعكاس أخْذِ ما أوتيناه بقوة على ثقة العالم بنا سيكون له أثر بالغ في استفادتنا من تعاون الكثيرين معنا و هو ما سيمس في النهاية جانب التنمية.

أعتقد أن هنالك الكثير من المهمات بانتظارنا ليس أقلها الالتفات إلى حضورنا الثقافي في غرب إفريقيا أو محاولتنا الدائمة التغلب على أزمات قارتنا الملتهبة فلكل مجتهد نصيب.

و سيكون مشرفا للنخبة الموريتانية قراءة ما يجري إيجابيا و كسر الحاجز النفسي بين أطيافها لتشكيل مناخ محلي مشجع كمدخل لإسداء النصيحة بل حتى المشاركة في الإنجاز.

فثمرة ذلك الجهد المنتظر ستكون في المآل خيرا لشعبنا و سمعةً لبلاد حريصة على عودة الألق.

18. فبراير 2014 - 16:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا