أحلام موريتانيا في مواجهة الدبلوماسيات / محمد ولد سيدي عبد الله

altسعت موريتانيا منذ سنوات إلى استعادة حضورها الدبلوماسي إقليميا وقاريا ودوليا ، وبدت تلك المساعي صعبة بحكم رغبة العديد من بلدان القارة والعالم إلى تحقيق مثل ذلك التألق الذي دفعت موريتانيا بدبلوماسيتها إلى تحقيقه ،

 فمعظم الدول في العالم أدركت الأهمية التي يلعبها الحضور الدبلوماسي في المحافل والهيئات العالمية وانعكاسه على تلك البلدان، بل إن العديد من بلدان العالم تخصص بنودا في ميزانياتها للتحرك والمناورة في هذا الاتجاه دفعا بالدبلوماسية وسعيا في الحضور في صميم العمل الدولي المشترك ، وهنالك العديد من البلدان في العالم نالت الشهرة والمكانة الخاصة بفضل أنشطتها وحضورها الدبلوماسي وبفضل ذلك الحضور بدأت تلك البلدان تتصدر القائمة إقليميا ودوليا .

ولم يكن حصول موريتانيا على رئاسة الإتحاد الإفريقي أمرا سهلا بل كان عملا رائدا حققته الدبلوماسية الموريتانية بجهد جهيد وعمل مضني وتنسيق لطيف ورزانة في الأسلوب وحنكة في التعامل والأهم من كل ذلك الجرأة القوية.

ولكن مستوى التحدي الذي يواجه موريتانيا يفرض عليها أن تكون على مستواه، فالملفات الإفريقية المسجلة لدى الاتحاد الذي استلمت موريتانيا رئاسته 30 يناير 2014 تعتبرمن أكثر الملفات تعقيدا في تاريخ الإتحاد، ومن أبرز تلك الملفات.

* الوضع المتأزم في مصر بعد الانقلاب الذي أطاح بحكم الإخوان المسلمين 30 يونيو 2013 والذي تم على إثره إبعاد مصر عن عضويتها في الإتحاد بعد 51 سنة من الحضور والتألق في هذا الإتحاد الذي نالت رئاسته مرتين ، كما أن ملف "سد النهضة " الذي يعكر صفو العلاقات بين مصر وإثيوبيا، والمشاكل المترتبة على ملف مياه النيل بين البلدان الواقعة على ضفافه ومصر التي تعتبر أكبر مستفيد من هذه المياه وهي أزمات إقليمية قد تدفع بهذه البلدان إلى السعي إلى حشد أكبر كم من البلدان الإفريقية للوقوف أمام حلحلة الوضع السياسي في مصر إفريقيا.

* التوتر الأمني مابين السودان ودولة جنوب السودان الحديثة بسبب منطقة أبيي "النفطية" المتنازع عليها وإصرار قبيلة "المسيرية" العربية في جمهورية السودان على بقاء الإقليم تابعا لجمهورية السودان

*الوضع المقلق في جمهورية مالي والصراع المحتدم بين الطوائف والاثنيات وتفاقم خطر الجماعات الإسلامية المتشددة والتي تشكل بؤرة إرهابية في شمال مالي تهدد الشرق الموريتاني وغرب النيجر وجنوب الجزائر وتهدد هذه الجماعات بلدانا إفريقية أخرى على المدى المتوسط والبعيد.

* الاقتتال ذو الطابع العرقي والديني في جمهورية وسط إفريقيا والذي بدا يلقي بظلاله اقتصاديا وسياسيا على دول الجوار .

* تجدد الأحداث في ليبيا بعد إعلان قائد القوات البرية الليبية السابق عن تدخل الجيش الليبي وانعكاسات ذلك الإعلان مهما كان مستواه على الوضع في ليبيا ، والمساعي الإفريقية والعالمية في ترتيب البيت الليبي من الداخل بعد الإطاحة بنظام العقيد القذافي .

* ملف جبهة البوليساريو التي تعترف بها عدة دول أفريقية من بينها موريتانيا وسعي هذه البلدان إلى أن يحظى الملف بقدر من الاهتمام في هذه المأمورية وهو الأمر الذي تعارضه بلدان أخرى على رأسها المغرب التي بدأت تنشط دبلوماسيتها في الاتجاه المعاكس.

* الحساسيات بين إفريقيا الإنكلوفونية وإفريقيا لفرانكفونية وصلات تلك الحساسيات بخلفياتها الاستعمارية والدول الأوربية ذات الاهتمام بالشأن الإفريقي سياسيا واقتصاديا.

* الوضع الاقتصادي الإفريقي ومؤشرات المجاعة حسب تقارير برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الزراعة العالمية.

* الوضع الداخلي الموريتاني ، ووجود معارضة بدأت تحضر لعقد مؤتمر في 28 من فبراير الجاري للتحضير للقرار الذي تراه مناسبا للتعاطي مع بعض الملفات المطروحة في الساحة الوطنية ومن بين تلك الملفات موضوع الرئاسيات المرتقبة في موريتانيا حيث سيلقي تراس موريتانيا للإتحاد الإفريقي بظلاله على شروط المعارضة الموريتانية الذي ترى أن الفرصة مناسبة لإملاء الشروط على ولد عبد العزيز الذي تعتقد المعارضة أنه سيبدو محرجا وأكثر ديمقراطية بحكم ترأسه للإتحاد الإفريقي وهي شروط قد تكون صعبة وغير دستورية فقد تشترط المعارضة حل البرلمان الحالي الذي قاطعته معظم أحزاب المعارضة وهو ما قد يفكك المعارضة في ظل سعي حزب "تواصل" الإسلامي إلى البقاء على هذا البرلمان الذي نال منه مقاعد معتبرة بسبب مقاطعة المعارضة.

وهو ما يعززه اجتماعها في هذا الظرف بالذات لتصور المشهد الداخلي للأفارقة والعالم وكأن الرئيس عاجز حتى عن تسوية ملفاته الداخلية.

هي ملفات عالقة بدأ الرئيس- فيما يبدو- يفكر فيها بشكل جدي وبدأت جهات أخرى داخلية وخارجية تخطط لإفشال هذا النصر الدبلوماسي الذي حققته موريتانيا ، فقد قرر ملك المغرب محمد السادس القيام بجولة في بعض بلدان إفريقيا لفرانكفونية التي تعول عليها موريتانيا خلال مأموريتها وسيحط الرحال في العاصمة المالية بماكو الثلاثاء 18 فبراير الجاري في جولة ستقوده إلى زيارة كل من غينيا كناكري وكوت د فوار والغابون ، هذه الزيارة التي بدأت أسبوعين بعد ترأس موريتانيا للإتحاد الإفريقي الذي خرجت منه المغرب عام 1984 سيكون لها الأثر السلبي على مساعي موريتانيا في حسم بعض الملفات العالقة ما لم تنشط دبلوماسية موريتانية موازية لتذليل تلك الصعاب .

النصر الذي حققته موريتانيا تحاول بعض الجهات في محاولات يائسة إلى تحويله لنصر للجزائر وكأن موريتانيا ليست المعينة أولا وأخيرا بهذا الانتصار وهذا التألق الدبلوماسي فيصورون المشهد وكأنه مشهد جزائري بامتياز وأن الجزائر سعت إلى تعويض رجلها القوي رمضان لعمامرة الذي عين مؤخرا وزيرا لخارجية الجزائر والذي شغل منصب مسئول الشؤون الإفريقية في الإتحاد لعدة سنوات وعوضته بترشيح موريتانيا للإتحاد ، هي محاولات خطيرة وخطابات تقليدية تغذيها جهات داخلية وخارجية بإيعاز من أطراف لا تريد لموريتانيا أن تكون أهلا لشيء ، امتنعت هذه الجهات أن تصور المشهد كما هو

وتبرز ودور الجزائر كحليف إقليمي وبلد شقيق له بعده الوازن في إفريقيا ودعم موريتانيا مشكورا في ترشيحها .

في نفس الاتجاه بدأت المغرب تجد نفسها معنية بقرار الإتحاد الإفريقي المتعلق بانتخاب موريتانيا رئيسة له ، وبدأت الذاكرة المغربية تعود إلى 2011 حين وقفت في وجه انتخاب موريتانيا عضوا غير دائم في مجلس الأمن أحد أبرز هياكل منظمة الأمم المتحدة واعتبرت المغرب وقتها أن انتخاب موريتانيا عضوا في مجلس الأمن سيعطى دفعا لملف الصحراء الغربية داخل أروقة هيئة الأمم المتحدة لأن موريتانيا من بين بلدان افريقية تعترف بجبهة البوليساريو ، وتناغما مع إستراتيجية المغرب في هذا الاتجاه بدأ الإعلام المغربي يرجع البرودة في العلاقات المغربية إلى تلك الأيام حيث أوردت إحدى الصحف المغربية في 11فبراير2014 ما تعتبر الصحيفة أنها خطوات من موريتانيا في اتجاه تغيير نظرتها لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب وتورد الصحيفة المغربية أن موريتانيا اعترضت على دبلوماسي مغربي "قنصل للمغرب" في موريتانيا ، وأنها قللت من رحلات الخطوط الملكية المغربية إلى نواكشوط ،وطردت مراسل وكالة أنباء المغرب العربي من نواكشوط ، وأن موريتانيا تراجعت عن قرارها بفتح قنصلية بمدينة لعيون التي تعتبرها الجبهة عاصمة للصحراء الغربية وتعتبرها المغرب أحد أهم الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية وفتح قنصلية موريتانية على أرض عيون الساقية الحمراء يعني تراجعا من موريتانيا عن اعترافها بالجمهورية الصحراوية التي تعتبر لعيون عاصمتها المحتلة ، كما ذكرت الصحيفة ما أسمته برفض ولد عبد العزيز استقبال وفد مغربي كان طلب زيارته في مستشفى لبرسي بباريس العام المنصرم حين كان يتلقى علاجات هناك بعد حادثة"أطويلة" وقالت الصحيفة أن موريتانيا سعت إلى تكليف قوات المينوروسو بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء "قوات أممية"، وأن موريتانيا تعاملت مع جبهة البوليساريو على أنها دولة خاصة وان نواكشوط حاليا تعترف بما يسمى " الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية "، وفي نفس الصدد أكدت الصحيفة أن الملك استثنى موريتانيا من جولته الإفريقية المرتقبة في إطار تبريد العلاقات مع موريتانيا والمعاملة بالمثل.

هذا الجو الدبلوماسي استغلته المعارضة الموريتانية في بيانها الذي أصدرته وأعلنت من خلاله فتح منتدى الديمقراطية والوحدة في 28 فبراير الجاري " لمناقشة الأوضاع الجيوسياسية والإستراتيجية في منطقة الجواروالتي تنذر بتحولات لم تتضح معالمها إلا أنه من المسلم أن بلادنا لن تسلم من تداعياتها" على حد تعبير البيان في إشارة واضحة إلى جهة معينه بدأت تتحرك داخليا وخارجيا وعبر الإعلام في مواجهة التألق الموريتاني ، وظهور كتابات لبعض المقربين من المغرب تشي بنظام ولد عبد العزيز وتشوه الحقائق اتضح أنها كانت بفعل نفس التوجه وهو ما أكده الرد الرخيص الذي كتبه مغربي مدعو سعيد بن إدريس عنونه بالمسار الحانوتي والكتيبة الإعلامية رد فيه على مقال كتبته بعنوان مع المسار الحانوتي، دافع فيه الكاتب عن الدكتور الشيخ ولد حرمة وعن المغرب وأساء فيه على موريتانيا ورئيسها بشكل مكشوف ومبتذل .

ومهما يكن مستوى التحدي داخليا وخارجيا فإن ولد عبد العزيز بدأ يدير الملف الإفريقي والملفات الإقليمية بنفس اللياقة التي أدار بها عملية انتخاب موريتانيا رئيسا للإتحاد الإفريقي فقد أوفد وزير خارجيته إلى مصر في مهمة استقصائية وفي نفس الغضون زار وزير الثقافة المصري موريتانيا واستقبله الرئيس الموريتاني الذي أكد له رغبة موريتانيا في عودة مصر في القريب العاجل إلى محيطها الإفريقي كرائدة للعمل الإفريقي المشترك وفي شتى مستوياته وتحمل هذه الزيارات في هذا الوقت إشارة البدء من موريتانيا في إدارة المهمة التي أوكلت إليها من قبل البلدان الإفريقية ، كما يحمل البدء في المشكل المصري مضامين أخرى من بينها رد الجميل لمصر التي أشرفت على توقيع اتفاقية السلام بين موريتانيا والسنغال عام 1992 بعد أحداث 1989 الدامية والبعد الإستراتيجي لمصر في إفريقيا والشرق الأوسط والعالم ،إضافة ثقل المهمة ومعرفة الرئيس الموريتاني بها حيث واجه نفس الأزمة عام 2008

وبعد أسبوعين من ترأس موريتانيا للإتحاد الإفريقي استقبل الرئيس الموريتاني رؤساء الدول في بلدان الساحل لتنعقد القمة في نواكشوط ويختار الرؤساء موريتانيا أيضا رئيسا لهذه المنظمة المحورية ويتقرر لاحقا العمل على مواصلة التنسيق في مابينها ومع البلدان والهيئات الدائنة وينقل مقر الأمانة العامة لهذه البلدان إلى نواكشوط

أما الملفات الأخرى فسترى النور عاجلا هي الأخرى خصوصا تلك المتعلقة بالأمن والإرهاب ، حيث استطاع ولد عبد العزيز في وقت قياسي أن يجد لها حلولا رغم أن موريتانيا كانت قبل ولايته مهددة أكثر من أي بلد آخر في العالم وقد شهدت العاصمة نواكشوط تفجيرات خطيرة ولم تسلم بعض الوحدات العسكرية والمناطق العسكرية في الداخل الموريتاني إضافة إلى اختطاف بعض الرعايا وقتل بعضهم وعلى مشارف مدن كبرى هذا الخطر الذي كانا كابوسا يقض مضاجع الموريتانيين وزوارهم حوله ولد عبد العزيز إلى ذكريات تاريخية وفي أوقات قياسية يعتقد أن ولايته ستكون بداية لاستئناس الإخوة الأفارقة بتجربته وحسه الأمني وهو ما يعني ضرورة تعزيز قوات حفظ السلام الإفريقية حتى تعطي دفعا جديدا للأمن في القارة.

ملفا الأمن الغذائي والجفاف اللذان يعتبران من أكثر الملفات تعقيدا جعلهما الرئيس الموريتاني من أولى اهتماماته واحتكاما على مقولة "ابدأ بنفسك أولا" ألغى الرئيس الموريتاني جميع الديون المستحقة للدولة الموريتانية على المزارعين في أول اجتماع لمجلس وزراءه بعد انتخابه رئيسا للإتحاد الإفريقي في خطوة يفهم منها إيمانه بتشجيع الزراعة من خلال تدخل الدول وذلك لتحقيق أمن غذائي في القارة.

هي ملفات عالقة في غاية الأهمية تولت موريتانيا إدارتها وهو تكليف وتشريف ، وتحد كبير بدأت موريتانيا تحسد عليه وتتحرك دبلوماسيات أخرى عكس التيار في محاولات يائسة لخذل ذلك الطموح الذي يعتبر وساما لكل الموريتانيين الذين هم مطالبون بالانسياق وراء هذا النصر الكبير لنحقق جميعا ذلك الحلم الكبير وننجح جميعا في تأدية واجبنا تجاه الجار والأهل والدين.

محمد ولد سيدي عبد الله

[email protected]

18. فبراير 2014 - 16:37

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا