ماذا بعد لقاء الشباب المرتقب بالرئيس؟ / سيد محمد ولد أحمد

 سيد محمد ولد احمدسأتحامل قليلا على أصحاب هذه الفكرة وليعذروني على ذلك فلا هدف لي غير التنبيه، هذا إن لم يكن صاحبها الأساسي هو مفكر الجمهورية (رئيس الجمهورية)، المعروف بإبداعاته المتتالية، لكني أكاد أجزم بأن صاحب هذه الفكرة هو أحد العفاريت الشباب الطموحين – أو جماعة منهم -، وأتمنى أن تكون النوايا سليمة بعيدا عن المطامح الضيقة التي تحرك الناس في هذه الأيام بلا أدنى فائدة تعود على هذا الوطن المنكوب بأبنائه..

سؤال يطرح نفسه: "هل سيؤدي لقاء رئيس الجمهورية إلى دخول الجنة؟" إذا كانت جنة الدنيا بغير ما أحل الله فبعدا له من لقاء.. الشباب المنظم متحمس للقاء، وجمل من نوع "لقاء خارق"، "لقاء غير معتاد"، "لقاء مجنون"، تصم آذان المتتبعين لتلك الحلقة من برنامج "مساء الغير" على التلفزيون الموريتاني..

دارت بخلدي تساؤلات أطرح بعضها بعجالة: إذا كان تطبيق فكرة أرصفة العاصمة نواكشوط وإنارتها لتشرفنا أما الزائرين الأجانب المتكاثرين في هذه الأيام، ظل حبيس الخيال، وكذا تطبيق فكرة إمتصاص نسبة الربع على الأقل من العاطلين عن العمل التائهين في متاهات العوز والحيرة، وتطبيق فكرة إصلاح التعليم من خلال معرفة متطلبات الرقي الحقيقية وبناء المقررات على أساسها، فما يصلح لغيرنا قد لا يصلح لنا – وهذه فكرتي التي أنادي بها، واكرر استعدادي للعمل على تحقيقها بعيدا عن النفاق -، وكذا تطبيق فكرة الأمانة في إدارة المصالح الحيوية والإبتعاد عن دس المقربين والمعارف والمستوطنين فيها، وكذا فكرة تجهيز المستشفيات والرقابة عليها وعلى من يديرها، وتخصيص صندوق أو تبرع على غرار التبرع للمنتخب المهزوم، في كل آخر أسبوع لتحل البركة ويجد المرضى والمحتاجين ما ينفعهم وينفع المحسنين إليهم يوم لا ينفع مال ولا بنون، وكذا فكرة، وفكرة....

إذا كانت كل هذه الأفكار وأمثالها مما يفرض نفسه بقوة، لم يلق أي تطبيق فعن ماذا يتحدث هؤلاء المتشدقون؟

إن النهوض بهذا البلد غير ممكن بالكلام وحده بل بالفعل، وللفعل أهله من أهل الأمانة والصدق، والأفضل أن يكون الحديث مع الرئيس في المقهى حيث الأضواء والسيارات، على غرار السهرات التي يقيمها كل عام في إحدى المدن ملتقيا بمن لا هم لهم سوى لقائه والتبرك من الدولة التابعة له، وهو في رأيي أفضل بكثير من أولئك المنافقين الذين لو صدقوا لربما تحقق شيء غير هذا الجوع والبطالة، والقبح الظاهر في المدن والسرائر..

لفت انتباهي قول أحد القائمين على فكرة اللقاء أن صاحب من يقدم فكرة مبدعة سوف يحصل على قبولها ومتابعتها من أجل التنفيذ. قلت لنفسي: فقط!

طبعا سيتابعها أهل الإختصاص في استغلال الرئيس، هذا إن كان الرئيس نفسه قابلا للإستغلال، ولا أعتقد، وإلا فأسألوا المنافقين الكبار الذين خيب آمالهم..

مأخذ آخر على الفكرة: وجود أهل الإختصاص – وإن كان جلهم من أهل النفاق، بلا مبالغة في الوصف، والمقصود بالنفاق هنا: إبطان التمصلح وإظهار الجدية والنصح في العمل -، فمثلا يوجد عندنا أشباه بني قريظة الساكنين لشعب التعليم، وأشباه بني نضير الساكنين لبادية الصحة، وأشباه الكفار من الجيش الساكنين للثكنات.. إلخ

نعم قد تكون أفكار شاب ضائع لا علاقة له مباشرة بالمجالات المعنية للتنمية أفضل من أفكار المنافقين السابقين، لكن ذلك نادر جدا، والمشكل ليس في طرح أفكار جديدة بل في تنفيذها.. المشكل ليس في الطرح بل في التنفيذ..

وبدل أن يكون العنوان الأبرز للقاء الرئيس هو "التنفيذ"، كان "الطرح"، لأن التنفيذ هو المشكلة الأساسية التي تقف كالعظم في الحلق أما الفريق الرئاسي بأكمله بدء بالحكومة وانتهاء بالموالين والمعارضين..

لقد وصلت الملفات المشاركة إلى أكثر من 4000 ملف، كما وصل عدد المشاركين في ماراتون مدينة نواذيبو إلى 2000، وعدد المشاركين في آخر مسابقة حكومية إلى 6000، حقا لقد شبت نواكشوطة عن الطوق ولم تجد لقبحها من ينفعها، أصبح العيش فيها صعبا خانقا، النسبة الغالبة فقيرة، عاطلة، محتاجة، وكل سراب يلوح في القائلة يجذب المحتاجين إليه، فليعلم الرئيس أن الذين سيلتقيهم لم يأتوا لمجرد طرح أفكارهم عليه بل طمعا في خيط أمل يتعلقون به، كطمع كل من يضع ملفه في مسابقة حكومية ظالمة بلا أدنى أمل في النجاح، ولا يستبعد أن تكون النسبة الكبرى من المشاركين في اللقاء من فصيلة العاطلين عن العمل وعن كل مقومات الحياة الكريمة بسبب أفكار فيلق الرئيس وتطبيقاته الفاشلة حتى اليوم..

إن الواضعين لملفاتهم في هذه المسرحية يشبهون القائمين عليها المنظمين لها، يحتاجون جميعا لأفكار تبنيهم قبل بناء دولتهم – ولا أقصد الصادقين منهم -، وأنا مستعد للإهدائهم هذه الفكرة مجانا، فأقول: "توكلوا على ربكم بدلا من الرئيس"، فالرئيس أعقل من أن يخدعه فاشلون أمثالكم، وقصدي بالفشل هنا هو ما دفعكم إلى مثل هذه الفكرة "لقاء الرئيس!"، لقد التقى الشعب به ثلاث مرات، وكذلك المرضى، والوزراء في كل أسبوع، فهل حدث تغيير ملموس في الواقع المعاش؟

إن مجرد فرز 200 من بين 4000 فكرة جائعة يعتبر أمرا شبه مستحيل – بعيدا عن الإقصاء الظالم- قبل فترة اللقاء المقررة في الشهر القادم، وإذا افترضنا أننا رسينا على 5 أفكار، وعرضناها أمام الرئيس والتلفزيون، وشربنا القهوة معه، فما الضامن لتنفيذها إذا نجح ولد داداه في الإنتخابات الرئاسية القادمة؟ أم أن عدوى النفاق انتقلت حتى إلى الشباب!

ومع ذلك يبحث القائمون على الفكرة عن المزيد من الملفات بإعتبار أن الإنترنت ليس الوسيلة الوحيدة للإتصال بالشباب المتعوس، ولا ينقص إلا أن تخرج دوريات منادية في الطرقات: حي على لقاء الرئيس، حي على..

سيد محمد ولد أحمد [email protected]

18. فبراير 2014 - 16:45

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا