خاصية رجال أعمال عزيز / عبد الفتاح ولد اعبيدن

altرجال الأعمال يفترض عندنا أن يحرصوا على زكواتهم وأداء ضرائبهم-إن كان فائض الربح يسمح بدعم بيت المال بعد أداء الغني لزكاته- دون أن تستغل الدولة نشاطهم الاقتصادي لفرضهم على توجه سياسي معين أو ابتزازهم، مثلا ضريبيا، لضمان ولائهم المطلق لمختلف

 اهتمامات الحاكم، ومن ناحية أخرى ينبغي على التجار خصوصا كبار الملاك منهم أن يتحسسوا مصالح المجتمع ويحرصوا على المشاركة في توجهاته الإيجابية حسب الاستطاعة، وخصوصا سد خلة المحتاجين والسائلين، قال تعالى جل شأنه: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" وفي التصور الاقتصادي الإسلامي القرآني، تحرص هذه الرسالة الإسلامية الخاتمة الحكيمة طبعا، على ضمان توزيع للأموال والثروات لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منا فحسب، قال تعالى في هذا الشأن: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" سورة الحشر، وإن إقتضت حكمة الله لحكم أرادها سبحانه وتعالى أن يظل دوما في المجتمع البشري تفاوتا بين أرزاق الناس، ليكون منا أغنياء وفقراء ومتوسطين، فدعوة الشريعة مستمرة للأكثر حظا أن ينفقوا على الأقل حظا وهكذا، حرصا على سد الحاجة ودفع البغضاء والكراهية بسبب الحرمان والإهمال.

مع دعوة مستمرة أيضا للعمل والاعتماد على النفس وترك السؤال والتسول "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" سورة التوبة، "وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا" سورة القصص.

هذه هي الرؤية الإسلامية، ولو باختصار لموضوع علاقة الغني والفقير وأهمية أن يقوم الأقوى بأداء دوره بغض النظر عن توجيه الفقراء في أمر نشاطهم الاقتصادي، وضرورة أن يسعى المعوزون إلى رفع مستوى وتيرة العمل والاستقلال والعصامية. ورغم تناقص هذا التكافل الاجتماعي الملح، إلا أن مجتمعنا دون تنبيه من الأجهزة الرسمية أو تأثير منها سيظل قيوما ولو بنواقص وثغرات عدة، بهذا الدور الإنساني الإسلامي المطلوب المرغوب، فديننا وقيمنا وشيمنا تحث على التعاون والكرم والإيثار، مهما أضرت العولمة والثقافة والمسلكيات الرأسمالية الوافدة المتغولة -الداعية عمليا ونظريا للانفرادية والتوحد- بهذا الطابع التقليدي المفيد، والقول بأنه يكرس الكسل لا وجه لصحته، لأن هذا الباب له أهله المحتاجون الضعفاء ولا ينبغي حرمانهم، وثقافة العمل والاستغناء الذاتي لها أولويتها على السؤال الذي لا يباح إلا لمحتاج لا يجد بديلا أو مخرجا مشرفا سوى اللجوء إلى الآخر، لسد خلته، و إلا سقط جوعا ومرضا، مقدمة للموت أو الضياع، الذي قد يكون في أحايين كثيرة تمهيدا للفساد النفسي والأخلاقي، مما قد يقود إلى الخطر على ممتلكات المترفين في قصورهم، بل قد يقود إلى انفجار واسع يذهب سكينة المجتمع برمته واستقراره الهش.

واليوم نتعايش مع نظام ضعيف الصلة بالمجتمع ولا يولي إهتماما جادا لحاجات الفقراء، رغم شعار "رئيس الفقراء"، وفي هذا المكتوب نركز على صلة رجال أعماله بالسواد الأعظم المنهك اقتصاديا ومدى اهتمامهم بالمعاناة التي يتخبط فيها أغلب الموريتانيين.

فولد عبد العزيز أطلق العنان لرجال أعمال معروفين من بني جلدته، وحصنهم من الضرائب المرتفعة وسهل هلم انسيابية الإجراءات الإدارية، مما ضاعف أموالهم وفتح لهم الباب واسعا، يوما بعد يوم، للثراء والاكتناز السلبي، ورفع هاماتهم وأصواتهم على بقية سكان هذا الوطن المخطوف، وفي الوقت ذاته سك مجموعة واسعة من السماسرة الذين يخدمونه شخصيا ويحفظون أمواله في شكل عقارات وبنوك جديدة وحسابات في الداخل والخارج خصوصا، فأصبح هؤلاء السماسرة معروفون بالأسماء والألقاب، ولا يعرفون تعاونا مع الناس، بقدر ما ينفذون ما يخدم ولي نعمتهم ومصالحهم الضيقة، وأبواب مكاتبهم ومنازلهم مغلقة، شديدة الحراسة والتحصين، لمنع كل غريب من الولوج، ولو أمكن منع الهواء والاستغناء عنه لما ترددوا.

إن خلق طبقة خاصة من رجال الأعمال الكبار الموالين للرئيس يدل على فساده، وعدم منطقية حديثه أو حديث حكومته، بعضا أو كلا، عن محاربة الفساد، ولو فكر وزير في الاستفادة من رجل أعمال لألقي في السجن، وحالة محمد الأمين ولد الداده خير شاهد، فأكل بيضة موريتانيا وثرواتها خاص بالرئيس ومن يصطفي من أقاربه وعسكره لا غير، وبالدرجة الأولى، وإن وجد بعد ذلك بعض المأذونين، فتعطى أسماءهم بعناية ودقة.

وإن قارنا الوضع بما جرى  في زمن الرئيس معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع، للاحظنا فروقا في كلا اللعبتين، اللتين كرستا الفساد وإن بألوان مختلفة.

فولد الطايع أتاح لرجال الأعمال الفرص جميعا للاستفادة من الدولة ومشاريعها وصفقاتها العمومية، ولا يمكن القول أن أبناء عمومته استفادوا وحدهم دون غيرهم، فمتى ظهر ولد بوعماتو وأهل قده وغيرهم من مختلف المشارب والقبائل والجهات، حتى ظهر رجال أعمال مقاولين وسط الزنوج وشريحة العرب السمر، وإن كان بعض أبناء عمومته كانوا أكثر شطارة من غيرهم، إلا أنهم ليسوا وحدهم المتاح لهم ذوق الصحن الكبير، وقد تكون رشاوى بعض أبناء عمومته، وأعني هنا معاوية للإدارة الهشة مع تأثير اسم الرئيس في تسهيل مهامهم قد أعطتهم فرصا أكثر من غيرهم، إلا أن ذلك لم يمنع إشراك غيرهم في لعبة استنزاف المال العمومي، على شكل صفقات وشراء تجهيزات وبناء طرق وحفر آبار أو بناء مدارس أو غير ذلك، مما استفاد منه الجميع فعلا وحقا وواقعا.

أما منذ انقلاب 3 أغسطس 2005، فقد ظلت الدائرة ضيقة، تضيق مع الزمن ومع تزايد شره الرئيس وخاصيته للحصول على المال واكتنازه وصرفه بحذر شديد.

وإذا كان شريف ولد عبد الله وعبد الله ولد نويكظ رحمه الله وعبدو محم، على سبيل المثال لا الحصر، قد استطاعوا الحصول على بعض الحظوظ المالية أيام معاوية، ولو بتفاوت، دون أن يمنعهم ذلك من إغلاق مكاتبهم ومنازلهم على السواء، فمثلوا دعما ماليا حقيقيا ملموسا لنظام معاوية، وساعدوا في تخفيف حوائج الناس من مختلف المشارب بامتياز، فإن رجال أعمال عزيز -في المقابل- وسماسرته الحاليين قد اهتدوا إلى أقفال شديدة الإغلاق وصعبة الفتح وإلى حراس لا يعصون أوامر من عودهم على دفع الزائر وذوي الحاجات، مهما كانت طبيعتها أو خلفياتها.

فلا نكاد نجد منهم صاحب مال مشهور يفتح بابه للجميع، ويتعاطي مع حوائج الناس، وإن كان لكل قاعدة شذوذ ولو نادرا، إلا أن هذا هو الطابع المهيمن، الأمين في وصف أغلب مجموعة رجال أعمال عزيز، مما دفع أحد الكتاب إلى وصف النظام العزيزي الراهن بالجمع والمنع.

وإن أجمعنا على التنديد باصطفاء من يحكم، لجماعة خاصة به، يعطيها ويسهل لها على حساب بقية التجار بوجه خاص، وعلى حساب المجتمع والحق بوجه عام، إلا أننا من باب التعامل يلزمنا القول بأن جماعة عزيز من رجال الأعمال قد أخفقت وعن عمد في خلق ديناميكية إيجابية في التواصل مع أهل موريتانيا وأهل الحوائج منهم، فلماذا يشرع لهؤلاء أخذ بيضتنا والاستئثار بمالنا العمومي ومع ذلك يغلقون عليهم دورهم ومكاتبهم، أي غلول وحرمان أشنع من مرحلة عزيز هذه؟.

لمثل هذه الأسباب رغم الطابع العسكري غير الشفاف لنظام ولد الطايع مازال كثيرون يحنون لأيامه في الحكم، على الأقل من باب المقارنة، عندما يشترك كلا النظامين في العسكرتيريا والديكتاتورية المقنعة بالديمقراطية الهزيلة، ويختلفان في بعض أوجه المنفعة التي تبقي الناس أحياء على الأقل أو بعضهم.

ومع استمرار هذا النظام المكرس لأعلى درجات القبلية والحرمان والتلاعب بحرمات الدين والدولة والمال العام، سيكون من الأفضل للبعض باطن الأرض أو الهجرة بعيدا عن واقع الذل والمضايقة الشديدة في المعاش (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، وإلا فلنصبر ولنحرص على النضال السلمي من أجل تغيير واسع وسريع بإذن الله، فلكل مأساة نهاية، لقوله تعالى: "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" سورة الشرح.

بعد سرقة الحكم سرق المال وسبي الشعب، فأصبح تحت رحمة سجن كبير عنوانه الحرمان والذل وفبركة الانتخابات وإشاعة قيم التزلف للأقوى، الذي يحظى برضوان السلطان الغاشم، وأعطي بعض ما لا يستحق من المال العام، وكأننا في غابة بامتياز، وينبغي أن نعلم أن حكمنا لن يتولى عن قهرنا إلا بقضاء وقدر محتوم، فالشعب ضعيف والوعي في الحضيض والكل جائع ماديا أو معنويا أو هما معا، ويبتغي لقمة فحسب، ولا يريد مزيدا من الورطة، ولقد بات الاستسلام والخنوع هو خيار الأغلبية، كما كان دائما هكذا في ثقافة البيظان خصوصا، فهل تمحضت الورطة والمأزق؟، أم مازال للفجر أمل في البزوغ من جديد؟.

بلى، سنخرج برحمة من الله من هذا الظلم والظلام، ولكن لابد أن نمد أيدينا إلى أسباب الخلاص والانعتاق، ولو بسلم وحذر من ورطة أكبر وأخطر.

لقد مثل رجال أعماله وسماسرته المثل الأعلى في الغبن والمنع والجمع، فهل نقول يوما بصوت واحد، رحم الله معاوية وحاشيته ما أعدلهم.

وإذا كانت سفينتنا تسير إلى الخلف، ليصبح أمسنا خير من يومنا، تأكيدا على ضياع الأمل في التغيير والمستقبل، فذلك خطر واقع معيش، ينبغي أن نتأمله ونحاربه قبل أن يستفحل ، فقد تجري الرياح بما لا تشتهي سفنهم، فيتغير الحال ويأخذ حكام موريتانيا الجدد المرتقبون غير المستبعدون على سنة الله في التبديل والتغيير "إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" العبرة من الواقع الحالي، فيفتحوا الأبواب قبل النوافذ ويعملون على وجه التطبيق، أن الناس لا يعطوا الانقياد أو -القبول النسبي به- إلا بالعدل بينهم واحترام مشاعرهم وهويتهم ومبادئهم ورموزهم.

وبالمناسبة أقول، بئس الصنيع، حين نتبع عرض المصطفى صلى الله عليه وسلم بعرض العلماء، عبر الاعتداء على العلامة الداعية الورع الصادع بالحق الشيخ محمد الحسن ولد الددو حفظه الله، آمين.

وعود على بدء، أقول لقد بذل أولئك دورا تنفيسيا عن صاحبهم، رغم أخطائهم ونواقص تجربتهم، أما أصحاب الحاكم الانقلابي الحالي، فقد لجأ حتى بعضهم إلى القضاء وبرشاوى دسمة، لإقحامي وتوريطي على أفدح منحى في السجون والمتابعة الدولية عبر الانتربول، حسب ما صرح به عارف بملفي مع ولد بوعماتو، قال لي العارف: "لقد دفعت رشاوى دسمة ليحل بك ما تعرف".

كما استخدم ولد عبد العزيز بشكل مكشوف سلاح السجن والضرائب والحرمان من المشاريع والصفقات، لإخضاع مناوئيه من رجال الأعمال وإن قلوا، إلا أنهم كانوا صاحب وزن قبل الضربة الشهيرة المخزية التي وجهت إليهم بعد انتخابات2009 إثر دعم المرشح الرئاسي أحمد ولد داداه.

فهل بات المال وتطويعه وحبسه عن مستحقيه من الفقراء، هو الوسيلة الأمثل لقهر إرادة الناس دون تمييز.

20. فبراير 2014 - 17:26

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا