وجهة نظر لمن أمعن النظر / سعدبوه ولد سالم فال

altلا مراء في أن المجتمع الموريتاني مجتمع  قوي وذكي ومتكيف إلي حد بعيد حيث استطاع أن يخلق دولة  أو تخلق له في وقت قياسي دون أي  رصيد من التجارب يخوله تأسيسها  فلا تكاد تجد دولة قائمة علي أسس سليمة إلا وكان عمرها يناهز مئات السنين

 ولعل وجود الدولة الموريتانية بشكل مفاجئ هو ما يبرر تلك التناقصات التي تظهر بين الفينة والأخرى فصاحب البادية مثلا وجد نفسة مكرها علي ولوج المدينة فأصطحب معه كل التقاليد والقيم البدوية الأصيلة مؤمنا أنها جزء من حياته مهما حل أو أرتحل وكان أجدر به أولا أن يجد من يؤطره ويعلمه نمط الحياة في المدينة وفي المقابل تهيئ المدينة نفسها له ولأمثاله القادمين إليها إلا أنه "ضعف الطالب والمطلوب" فلا تلك المدينة أنشأت سلفا وفقا لاستراتيجيات واضحة أو وفق معاير سليمة تمكنها من محاكاة المدن العصرية ولا ذلك البدوي ألهم أسلوب العيش في المدينة،  ورغم كل ذلك شكل الشعب الموريتاني مدنا تطورت إلي أن أصبحت دولة ممسكة بيدها اليمني عاداتها وتقاليدها الطيبة وبيدها اليسرى تحاول جاهدة مسايرة الدول المتقدمة في نهجها السياسي والاقتصادي والثقافي ...إلخ

حيث أنها سياسيا أقحمت نفسها في نهج سياسي هو عصارة لثقافات غربية مبنية علي عقائد ومرتكزات لا تمت إلى الإسلام بصلة، فلم تستطع الدولة الذوبان في تلك التوجهات والثقافات بشكل نهائي نتيجة لموروثها الثقافي ولتشكيلاتها الاجتماعية المعقدة ، فلا هي استطاعت تشكيل أحزاب سياسية تنعدم فيها الفوارق الاجتماعية  والجهوية والعرقية وأصبحت في دوامة من المتناقضات تهدد كيانها من الداخل، وإذا تحن نظرنا إلي تجليات النهج الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة نجده يقسم (( إراديا أو غير إراديا )) المجتمع إلي مستويين أو طبقتين :

طبقة تعيش في غني فاحش لا لأنها متعلمة أكثر من غيرها ولكن ربما لأنها أكثر جبروتا ومكرا ودهاء وعلي الضفة الأخرى تجد طبقة تعيش تحت خط الفقر لا لأنها غير متعلمة ولا لأنها تنعدم فيها الخبرات المناسبة ولكن السبب قد يعود إلى كونها لم تكن محظوظة في معرفة أساليب المكر والتضليل والمحاباة، وبخصوص المجال الثقافي والديني فعند إلقائك نظرة خاطفة على المناهج التربوية في البلاد فإنك لامحالة ستجد نفسك في حيرة فلا تكاد تلمس دلالة (الإسلامية ) الموجودة في إسم الدولة في مناهجها التربوية وخصوصا في السنوات الأخيرة فمادة التربية الإسلامية مثلا يساوي ضاربها ضارب التربية البدنية علي العكس من المواد الأخرى الأمر الذي ألقي بظلاله علي عدم ارتباط  النشء بهذا الدين وتمسكه به والذي هو مصدر قوتنا وعزتنا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فمهما إبتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله ) .

فكيف تتوقع من الطفل إعطاء عناية لهذه المادة في الوقت الذي يمكنه تعويضها بقفزة واحدة علي حبل أو سرعة في جري خصوصا أننا في عصر تطغي فيه المادة علي المعتقدات والأفراد في تنافس حميم لإكتساب المال غير مدركين أن صلاح الدنيا والآخرة مرتبط بإرتفاع منسوب الفرد من العلوم الشرعية وتمثلها معا .

ونتيجة لما سبق أصبح الشباب ينقسم تائها :البعض يتلمس طريق الرشاد والفلاح في الغلو والتشدد إلي أن ألقي به ذلك التيه في أحضان الإرهاب وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، اما البعض الآخر فترك الدين الإسلامي وأكتفي بجمع المال ليس مباليا من أين أكتسبه؟!

وتبرز بين هذه المجموعة وتلك مجموعة أخرى أخشي أن تكون الإستثناء الوارد على القاعدة وهي جماعة متمسكة بخط وسطي لا إفراط فيه ولا تفريط آخذة مبدأ "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخراك كأنك تموت غدا"

وهذه المجوعة هي من تمسك بعاداته وتقاليد سلفه الصالح رقم كل المضايقات والضغوط بمختلف أشكالها المادية والمعنوية.

20. فبراير 2014 - 17:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا