يتسرع الكثيرون حين يطلقون حكما نهائيا بأمثَلية الترشيح الموحد للمعارضة؛ مغلقين الباب نهائيا، وبشكل حاسم أمام أي نقاش من شأنه مجادلة فكرتهم أومحاورتها .
وعلى نفس الخطى يسير أولئك الذين قرروا أن لا بديل عن ضرورة فتح المعارضة الباب واسعا أمام الترشيحات المتعددة، باعتبار ذلك الطريق المثالي الأوحد الذي ينبغي لها سلوكه، إن هي أرادت الوصول للتغيير المنشود.
نعم، لكل من الطريقين مغرياته ومنفراته، ومن الصعوبة بمكان لأي منصف موضوعي أن يكون حاسما في انحيازه لأحد الخيارين .
صحيح أن المعارضة حين تقرر الدفع بمرشح موحد فإنها ستبين عن جدية فارقة فقدتها في أذهان وعقول الكثير من المواطنين بعد أن داست عليها الأقدام المغبرة للطائفين بين " مسجد المغرب" و "ساحة ابن عباس " إبان السعي المرتبك واللا مدروس لترحيل النظام .
صحيح أيضا أن توحيدها لمرشحها سيضفي بعدا أخلاقيا آخر على مواقفها؛ باعتباره يمثل نوعا من التضحية بطموحات حزبية أو شخصية لمن سيقررون التنازل لمرشح من خارج الإطار الذي يعملون فيه، وهي قيمة أخلاقية تحتاجها المعارضة لغسل بعض عار الإساءات التي تناوب أحزابها ورموزها على تلطيخ تاريخها النضالي بها منذ العام 2007 وإلى اليوم .
صحيح كذلك أن الشعب الموريتاني يحتاج اليوم لمن يحسبه ندّا وحيدا للجنرال، بعد أن تاه لسنوات بين رموز وقيادات استعصى عليه أن يستخلص من بينها من يراه مقابلا حقيقا لذلك الجنرال .
لكن؛ وبالمقابل، فإننا لن نكون موضوعيين إذا نحن لم نقرّ بأن الولاءات التقليدية من قبلية وجهوية وعرقية وفئوية لها الدور الأساسي والجوهري في تحديد اختيارات نسبة معتبرة من المواطنين، وبالتالي فإن إعطاء الفرصة لترجمة بعض تلك الاختيارات كأصوات للمعارضة في صناديق الاقتراع عن طريق فتح باب الترشح المتعدد هو أمر يخدم التغيير ويساعد في الوصول إليه، وخصوصا حين الإقرار أن الحسم من الشوط الأول أقرب إلى المستحيل، وبأن التكتيك الذكي يقتضي لعب أوراق تجر الأمور إلى شوط ثان يتمتع الصاعدان إليه بنسب متقاربة، بفعل التشتيت الذي قد يحققه تعدد المرشحين .
ومن المشروع أيضا أن يقال بأن المعارضة حين تقدم مرشحا موحدا فإنها ستكون قد حجرت واسعا وضيقت على مناصريها، وكأنها تقول لهم: صوتوا لهذا المرشح أو اشربوا من البحر! فلِمَ لا تعطيهم خيارات أكثر يختارون من بينها، على أن يكون هناك قرار ملزم أوعهد أوقسم - فلا مشاحة في الألفاظ - في أن يدعم مترشحو المعارضة من قد يقدر له الصعود منهم للشوط الثاني، كما فعل السنغاليون حين قرروا جديا الإطاحة انتخابيا بعبد الله واد .
تلك بعض، وليست كل المزايا أو المثالب النظرية التي قد ينبني عليها كل من خياريْ الترشيح الموحد و الترشيح المتعدد. وبالطبع، فإن سيئات كل من الخيارين هي مزايا الخيار الآخر، ولو بصورة نسبية.
لكن لماذا لا نعود مع المعارضة إلى الوراء لاستنطاق التجارب السابقة؟ فلعل ذلك يساعد في استيضاح الرؤية واتخاذ القرار المناسب بشأن توحيد الترشيح من عدمه.
ولربما يساعدها في اتخاذ بعض القرارات المرتبطة ،الأخرى: 1992: تاريخ أول انتخابات رئاسية في سلسلة الانتخابات الخمس التي عرفتها موريتانيا خلال الاثنين والعشرين عاما المنصرمة وهي انتخابات وحدت المعارضة خلالها مرشحها فحققت نجاحا باهرا كان يمكن له أن يحسم أمر الديمقراطية في بلادنا لولا أن سرق النظام نجاحها ذاك بتزويره المشهود وسنكتفي فيما يتعلق بهذه الانتخابات بإبراز نقطتين أساسيتين:
الأولى: أن مرشح المعارضة في حينها السيد أحمد ولد داداه كان شخصية مستقلة ولم يكن عضوا في اتحاد القوى الديمقراطية الذي رشحه، كما لم يكن عضوا في أي من الحساسيات التنظيمة المعارضة التي كانت تنشط في تلك الأيام .
الثانية: أن المعارضة فشلت في الدفاع عن نجاحها واستسلمت للأمر الواقع. والتساؤل المطروح اليوم هو عن أسباب ذلك الفشل وكيف يمكن تجنبها في حال تكرار التجربة - وإن بشكل آخر- من جديد .
1997: تاريخ الانتخابات الرئاسية الوحيدة التي قاطعتها المعارضة فترشح فيها الوزير السابق الشبيه ولد الشيخ ماء العينين مستغلا خلو الساحة أملا منه في الحصول على مكاسب شخصية سرعان ما بددها في أول اختبار؛ ولعل أهم ما يمكن استنتاجه من هذه الانتخابات هو أنها أعطت إشارة واضحة على أن مقاطعة الانتخابات الرئاسية قد لا تكون ذات جدوى إن هي لم تتأسس على رؤية واضحة يمتلك أصحابها كفة راجحة في ميزان القوة السياسي. وبإمكانهم التأثير الفعال على المعطيات .
2003: تاريخ الانتخابات الرئاسية الثالثة من حيث الترتيب والأخيرة في عهد الأسبق معاوية: في هذه الانتخابات دشنت المعارضة حالة تعدد المرشحين حيث ترشح كل من الرئيسين أحمد ولد داداه ومسعود ولد بلخير باسمي حزبيهما، ورشح الإسلاميون والتقدميون والبعثيون وبعض المستقلين الرئيس السابق محمد خونا ولد هيدالة معتبرينه الوحيد القادر على هزيمة ولد الطائع ونظامه.
وفي هذه الانتخابات فشل الخيار الذي انتهجته المعارضة في الوصول إلى الهدف المطلوب بفعل عوامل لعل من أهمها نجاح النظام في استيعاب تناقضات المعارضة وتوصله للخلطة السحرية التي استطاع بها تدجين الغالبية العظمى من المواطنين .
وإذا كانت هناك من ملاحظة أبرزتها هذه الانتخابات وينبغي النقاش حولها فهي أن المرشح من خارج المعارضة السيد محمد خونا ولد هيداله قد حصل على نسبة قاربت ضعف ما حصل عليه معا المعارضان التقليديان السيدان أحمد ولد داداه ومسعود ولد بلخير .
2007: تاريخ الانتخابات الأمثل في موريتانيا ؛حيث تحرر المواطنون جزئيا من سلطة الدولة وعبروا بدرجة كبيرة عن إرادتهم التي كادت توصل المعارض التاريخي ولد داداه لكرسي السلطة لولا الموقف المثير والمستغرب من رفيق دربه المناضل مسعود.
وبغض النظر عن ما يسوقه المدافعون عن قرار مسعود من مبررات وما يدفع به أنصار ولد داداه من اتهامات، فإنه من الثابت والأكيد أن المعارضة في حينها أضاعت فرصة تاريخية للقطيعة النهائية مع الأنظمة العسكرية المستبدة الجاثمة منذ عقود.
ولعل أهم النقاط التي ينبغي الاهتمام بها في ما يتعلق بهذه الانتخابات هي:
1-أن خيار تعدد المرشحين خيار له وجاهته، وربما أمثليته. ويمكنه أن يحقق المطلوب وخصوصا حين يكون هناك حد أدنى من تحرر المواطنين من سطوة الدولة وسلطتها .
2- أن الحساسيات الشخصية قد تضر كثيرا بالبلد وبمستقبله، وبأنه إن لم تحدث القطيعة معها فلا مجال للتغيير.
2009-تاريخ انتخابات اتفاقية دكار:وهي انتخابات أعادت المعارضة فيها تجربة تعدد المرشحين من داخلها وذلك من خلال دفعها للسباق الرئاسي بثلاثة من أهم رموزها ،وهو ما أثبت فشله كخيار في تلك المعركة، بعد أن أظهرت المعارضة تراجعا مخيفا في قدرتها على الاستقطاب ،حيث قاربت النسبة التي حصل عليها مرشحوها مجتمعين ما حققته المعارضة في استحقاقات 1992و2003.
وإذا اكانت المعارضة قد بررت تلك النتيجة في حينها بالتزوير التقني الغير المسبوق، فإن هناك حيثيات أخرى لعبت دورا حاسما في تلك النتيجة، ومنها :
1-أن المعارضة لم تأخذ الوقت الكافي للتحضير لتلك الانتخابات واكتفت بالرهان على ما حققته من مكاسب من خلال مناهضتها للانقلاب.
2-تهافتها على المشاركة في انتخابات نكث النظام كل بنود الاتفاق التي أسست عليها ما فرغ الاتفاق من محتواه فأضحت المشاركة نوعا من العبثية التي تحيل في أحسن الأحوال إلى تشريع الانقلاب .
وعلى كل، ومهما يكن فإن المعارضة هذه الأيام والزمن يحث خطاه نحو تاريخ الاستحقاق الانتخابي السادس في شكله ونرجو ألا يكون كذلك في مضمونه – مطالبة وأكثر من أي وقت آخر بأن تقف مليا مع محطاتها السابقة؛ تستلهم إيجابياتها، تستجلي مكامن الفشل فيها، تعمل على تجنب أخطائها، تتجاوزها برسم خطة واضحة المعالم والأهداف تغيب فيها الذاتية الباعثة على الفشل، وتحل محلها الجماعية الموصلة وحدها لما يطمح إليه الشعب الموريتاني المثقل من قطيعة مع أنظمة الفساد والفشل والاستبداد.
وبالتأكيد، فإن نقطة الترشيحات لن تعدو أن تكون نقطة واحدة من بين نقاط أخرى ،عديدة ينبغي إثارتها في أي نقاش هدفه وصول المعارضة إلى الهدف المنشود الذي طالما حملت لواءه وقدمت في سبيله أكبرا لتضحيات .
ملاحظة :أترك للقراء وللمشتغلين بالحقل السياسي أمر استنتاج الخلاصات النهائية مع اقتراحي عليهم أخذ البعد الزمني وما أضافه من معطيات بعين الاعتبار .