عندما يسقط الثور تنهال عليه السكاكين من كل جانب. وفي ظل ما تعيشه الأمة العربية في الوقت الراهن من ضعف وتشتّت وتمزق واختلاف في وجهات النظر. ومنذ أن بدأ مسلسل تدمير البلدان العربية الواحد تِلوَ الآخَر، أصبحنا نسمع أصواتا تطالب بحذف كلمة(عربيّ)
من أسماء بعض التجمعات العربية الإقليمية، ومنها(اتحاد المغرب العربيّ)، على سبيل المثال. فهل لهذا التوجّه مُسوِّغات(مبرِّرات) موضوعية، وما هي الأسباب والأهداف الكامنة وراءَه ؟ !. إنّ العالم العربيّ، من المحيط إلى الخليج، واقع حيّ ماثل للعيان، له جغرافية محدَّدة وتاريخ موثَّق، وتمثله اثنتان وعشرون دولة مستقلة معترَف بها في الأمم المتحدة وفي غيرها من المنظمات الدولية. وتوجد في العالم العربيّ مئات، بل آلاف المؤسسات تحمل هذه الصفة(عربيّ أو عربية) ضمن أسمائها. فهل من الحكمة أو من المعقول أن نكون نحن في بلدان المغرب العربيّ نَشازًا، بحيث نغيِّر اسم هذا الاتحاد الذي ما زالت شعوبنا تأمل في أن تدبّ الحياة في أوصاله ما دام اسمه موجودا، أم أننا قبل هذا- وذلك أضعف الإيمان- ينبغي لنا أن ننسِّق، فيما بيننا، ومع إخوتنا في الأقطار العربية الأخرى، للنظرفي مدى جدوائية حذف صفة(عربيّ) من أسماء جميع المؤسسات العربية(الجامعة العربية، الخليج العربيّ، اتحاد الأطباء العرب، الصيادلة، النقابات، إلخ. والقائمة طويلة). لا أعتقد أنّ الأمر يستحق مجرد التفكير فيه. اللهم إن كنا نريد التغيير من أجل التغيير، وذلك عبث نربأ بأنفسنا عن الخوض فيه. إنّ المهمّ والمستعجل والملحّ، في الوقت الراهن، هو تفعيل هياكل الاتحاد، وفتح الحدود، وتيسير حركة الأفراد والبضائع، ورفع تأشيرة الدخول، والسماح لمواطني الاتحاد بحرية الإقامة والعمل والتملّك، إلخ. هذا هو ما يخدم شعوبنا في القرن الحادي والعشرين، وفي عهد التكتّلات العالمية الكبرى. وليس معقولا ولا مقبولا أن نهتم بالشكل ونترك الجوهر.
يجب على العقلاء من أمتنا العربية أن ينتبهوا جيّدا لهذا النوع من الدعوات التي تفرِّق ولا تجمع. إننا بحاجة ماسّة، في هذا الوقت بالذات، إلى ما يجمعنا. ومن حسْن حظنا أنّ ما يجمعنا أكثر بكثير ممّا يفرقنا. ثمّ إنّه لا مشاحَّةَ في الاصطلاح، فوصْف غير العربيّ ب"العربيّ" لن يجعله عربيّا، إن كان يجد غضاضة في ذلك ! والعكس صحيح. فهذا الوصف ليس عرقيا ولا عنصريا، بقدر ما هو هُوِّيّة لهؤلاء القوم(العرب) يعرَفون بها ويميَّزون بها عن غيرهم. إنّ العرب ليسوا إقصائيين، بل إنهم يفتحون صدورهم لغيرهم، مذهبهم في ذلك: من تكلم العربية فهو عربيّ. فليسمح لنا إخوتنا الذين يطالبون بتغيير اسم اتحادنا هذا، أن نطالب نحن(كل من يتبنّى هذا الرأي) بالإبقاء على الاسم الذي اختاره قادة بلداننا وباركته شعوبنا ورحّبت به. وذلك في إطار: الرأي والرأي الآخَر. وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، واضعين نصب أعيننا أنّ الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية. يضاف إلى ما سبق- وكم من آخِر في رتبة التقديم- أنّ أكثر من 90 في المائة من عالَمنا العربيّ مسلمون(وترتفع هذه النسبة في بلدان المغرب العربيّ)، وأنّ نبينا وشفيعنا محمدا-صلّى الله عليه وسلَم-عربيّ، وهو خير البرية. وهذا وحده كافٍ لاحتفاظنا بهذه الصفة المشرّفة"عربيّ".
(للموضوع صلة بمقالي السابق المنشور إلكترونيا، بعنوان: اتحاد المغرب العربيّ ومسؤولية الحكومات والشعوب. منشور في مدونة"اللغة العربية أمّ اللغات").