كلمة الإصلاح هذه المرة تريد أن تتوجه إلى المفكرين الإسلاميين سواء كانوا علمانيين بمختلف مسمياتهم أحرارا أو يساريين أو إسلاميين مفكرين إخوانيين أو سلفيين وما يتفرع عن الجميع تحت أي مسميات .
فجميع المفكرين المسلمين أيا كانت ثقافتهم مطلوب منهم البحث على ضوء ما ننسبه لأنفسنا من الإسلام هل هو إسلام سنجده غدا بين يدي الله صورة طبق الأصل طبقا لما يفهم من الآيات القرآنية التي حفظها الله لنا بين أيدينا واضحة المعاني مفهومة الدلالات مع تبيـين الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالأحاديث الصحيحة الموجهة للإنسانية جمعاء وبعضها موجه لخصوص المسلمين المصدقين فهل نحن متمسكون بهذه العقيدة كما أنزلت جملة وتفصيلا أم نحن مسلمون بالبيئة فقط ؟ .
وقبل الدخول في تفصيل هذا الطلب فأذكر بأني استعملت في هذه الكلمة الإصلاحية لفظة الإسلام تعبيرا عن الدين الإسلامي .
فمعلوم أن حديث جبريل المشهور الذي يسأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه ليعلمهم الدين ذكر فيه الإيمان وأنه يتعلق بالقلب أن تؤمن بالله وملائكته إلى آخره وذكر الإسلام وأنه متعلق بالجوارح أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة الخ وذكر الإحسان وقال أنه متعلق بالإخلاص في الكل لوجه الله تعالى ولكن المولى عز وجل عندما أراد أن يعرف الدين حصره في الدين بتعريف كل من المسند والمسند إليه فقال : إن الدين عند الله الإسلام .
وهنا يقول العلماء أن الإيمان والإسلام عندما يذكر واحد منهما وحده ينوب عن الآخر أما إذا ذكرا معا فمعناهما ما جاء في حديث جبريل عليه السلام أما الإحسان كما هو فهو الإخلاص في الجميع .
ولهذا الارتباط فإني أعبر دائما في الكتابة بكلمة الإسلام أو المسلمين لنخاطب بذلك كل من يعتـقد أنه سيلقي ربه في الآخرة طبقا لما جاء به القرآن والأحاديث الصحيحة .
وبما أنني ولله الحمد ابتعد كثيرا عن فكر تكفير المسلمين فإني أصرح أني أعـتقد أن كل من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وأنه داخل في قوله تعالى (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تـقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا )) .
ومقابل ذلك فإني أعـتقد أن كل من مات يشرك بالله شيئا دخل النار مع التفصيل في نوع ذلك الشرك ، كما أني أعتـقد أن من الشرك الذي يدخل النار عدم الإيمان بأن خطاب القرآن للإنسانية جمعاء وخطابه للمسلمين في أي مجال سواء كان في العبادات أو المعاملات أو علاقة الفرد بالأمة أو الأمة بالفرد ومسؤولية الكل فيما يخصه تجاه كل هذا موجود في القرآن والسنة الصحيحة وسوف يسأل الله عنه الجميع كل فيما يخصه .
ويختـلف وجود اعتـقاده عن عدم تطبيقه فعدم اعتـقاد وجوبه خلل في وجود إسلام المـرء من أصله أما عدم تطبيقه للعجز عن ذلك مع اعتـقاد وجوبه فيدخل في أنواع أعمال المسلمين الذين يختص الله بمعرفة خفاياها.
وهذه المسلمة الإسلامية الأخيرة هي من أهم دواعي هذه الكتابة أو من أهم مطالبة المفكرين الإسلاميين بنقاشها .
لقد أرغمني على الكتابة في الموضوع مقال قرأته في جريدة الأحداث الموريتانية عدد 1014 بتاريخ 11 / 02/ 2014 نقـلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية كتبه د/ السيد بن أباه وعنوانه : " الإسلام السياسي والشريعة والشرعية " بدأه بالتكلم عن دستور تونس الجديد وجاء في المقال ما يلي :
ظهرت أصوات إسلامية احتجت على عدم النص على المرجعية التشريعية للشريعة الإسلامية وعلى إلغاء مبدأ دين الدولة بالاكتفاء بتقرير كون الإسلام هو دين التونسيين مما يتطابق مع دستور اليونانيـين ...الخ الفقرات الموالية حتى يقول : هل تكون حركة النهضة بقبولها التخلي عمليا عن فكرة ازدواجية الدولة والدين في الإسلام قد انفصلت عن المشروع الإخواني الذي صممه حسن البنا في نهاية عشرينات القرن المنصرم .
وقد ذكر الدكتور الكاتب مناقشات قد حصلت مفادها أن هناك من يقول بفكرة أن الإسلام دين ودولة وبين من يقول بفكرة فصل الدين عن الدولة بمعنى كما يقول الكاتب أن الدين من حيث هو دين هداية وإرشاد وفضائل أخلاقية، والدولة ينحصر هدفها في رعاية المصالح المدنية للمواطنين .
وبما أنه ظهر من كتابة هذا الكاتب المسلم أنه ينقل فقط بمعرفة عالية للموضوع وبقدرة علمية فائقة تمكن القارئ من فهم ما يدور بين فرعي المسلمين القائلين بأن الإسلام دين ودولة والقائلين بأن الإسلام دين يتعلق ببعض أقوال المسلم وأفعاله والبعض الآخر من أقوال المسلمين وأفعالهم يسمى العمل داخل تسيير الدولة ولا دخل للدين فيه وتسمى الدولة عندئذ بالدولة المدنية .
وأنا أوضح للجميع أن طلب المناقشة موجه للمسلمين فقط أيا كانت تسمياتهم بمعنى أنه موجه لمن يتيقن أن كل ما جاء في القرآن هو منزل من عند الله وأن ما يفهم من ألفاظه البـينات المحكمات التي لا تقبل التأويل مطلوب من كل مسلم اعتقادها سواء كان الطلب موجه من الله للجماعة كقوة مسلمة حاكمة لنفسها بنفسها أو مطلوب من فرد نحو نفسه أو حول علاقاته بهذه الجماعة طبقا لما في تلك الآيات أو الأحاديث الصحيحة الصادرة عن من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى يعـتقد هذا المسلم أن عليه تنفيذ هذه الأوامر وأنه سوف يسأل عن ذلك أمام الله .
أما من لم يكن أصلا مسلما فطلب النقاش ليس موجه إليه لأن الله تعالى أراد في أزله عند خلقه للإنسان أن منهم مؤمن ومنهم كافر ومنهم شقي ومنهم سعيد .
وذكر أن من خلق منهم كافر لا ينفعه سماع قرآن ولا حديث يقول تعالى: (( وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقـرا فبشره بعذاب أليم )) .
والفرق بين المسلم والكافر أن المسلم قابل للتوجيه والكافر غير قابل لسماع التوجيه يقول تعالى (( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب )) وقال أيضا في حق أولئك الكافرين ((ونـقلب افـئـدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)) إلى آخر الفرق الكثير المنتشرة آياته في القرآن .
أما المناقشة فلابد أن تكون مع المسلم الذي يعـتـقد ما يلي :
أولا : أن جميع ألفاظ القرآن العامة تعنى العموم أي جميع الإنسانية وأن ألفاظه بالوصف تعنى جميع الموصوفين من نزولها إلى يوم القيامة مثل قوله تعالى((يأيها الذين آمنوا ))
كما أن ألفاظ العموم في اللغة العربية تعنى جميع من ينطبق عليه ذلك اللفظ في اللغة العربية كلفظ : كل ، ومن ، وما ، أو اسم الموصول أو ضمائر المخاطب والغائب فرادى أو جماعات مذكرا أو مؤنثا بمعنى أن كلمة يأبها الذين آمنوا تعنى جميع المؤمنين وقوله تعالى((يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)) تساوى قوله تعالى ((كل نفس ذائقة الموت)) إلى آخره.
ثانيا : أن تكون المناقشة من المؤمن أيا كان يدرك أن ذكر القرآن للإنسان يعنى جميع الإنسان ليتيقن هذا المؤمن أن زمن الإنسان كل الإنسان في هذه الدنيا محدود بأجل معلوم وكما أن ضرورياته محدودة ومتساوية في الدنيا كما شاهدنا فهي في الآخرة كذلك.
فالمؤمن أيا كان مسماه في الدنيا والكافر ضرورياتهما هي الأكل والشرب والتمتع في الحياة الدنيا إلى أجل معلوم وهي نفسها ضرورياتهما في الآخرة وهي الأكل والشرب والتمتع بأنواع التمتع في الحياة الدنيا وما يتألم منه في الحياة هو نفس الذي يؤلمه في الآخرة مثل عدم الأكل والشرب والتعذيب الجسدي إلا أنه في الدنيا منقطع وفي الآخرة غير منقطع .
فيجب على المناقش أن يدرك هذه البديهية ويؤمن بها إذا كان مؤمنا بالله وكلماته .
وبعد هذا الإيمان حان أن نذكر لهذا المؤمن خاصة ما ذكره الله في القرآن وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الصحيحة من رقابة الله على جميع أقوال الإنسان وأفعاله حتى يصل إليه في الآخرة فيحاسبه عليها إما حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وإما حسابا عسيرا يدعو بعده ثبورا ويصلى سعيرا .
فمراقبة الله على جميع الإنسان كل الإنسان يمكن أن نطلق عليها للتقريب (أما هي فمعناها الإطلاع المباشر ) جهاز تصنت مثبت على قلب كل إنسان يحصى ما قال وما فعل 24 / 24 يقول تعالى (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )) إلى قوله تعالى (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)) ويقول تعالى (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) ويقول تعالــى ((ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم)) إلى قوله تعالى ((ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم)) .
كما أن هناك آية تبين صفة ضبط قول وعمل الإنسان عند الله وتبين ذلك بما هو معروف في عمل أهل الدنيا يقول تعالى (( وكل إنسان ألزمانه طائره في عـنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) بمعنى أن ما صدر من الإنسان من قول وفعل خير أو شر مكتوب في سجله الخاص به ونوع مصيره سعيد أو شقي معلق في عنـق صاحبه ، والسجل داخل ارشيف سجلات البشر أجمع وعندما يقف أمام الله ، ومصيره واضح في رقبته يخرج له السجل من الأرشيف ويؤمر بقراءته
وهنا يتفاوت مد الإنسان لأخذ سجله أما بيمينه وإما بشماله والنتيجة بعد ذلك معروفة ومقروءة في القرآن .
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الموضوع إلى آخر الحديث .
والحديث : يدلان على هذا المعنى .
والآن نصل إلى ما هو خاص بالمسلمين أفرادا وجماعات حكاما ومحكومين إذا كان إيمانهم طبقا لما جاء في آخر سورة البقرة (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه)) إلى قوله((والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله)) إلى قوله ((غفرانك ربنا وإليك المصير)) .
يقول تعالى في عمل الفرد بصيغة العموم(( من عمل صالحا من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فـلنحيـينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) .
(( إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما أتاهم الله إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا ما يهجعـون )) الخ الآية .
((تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ))الخ الآية .
أما مخاطبة الله للمسلمين حكاما يقول تعالى (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك الله ولا تكن للخائنين خصيما )) ـ وهنا تبنى زنزانة المحامين ـ يوم القيامة إذ انطبق عليهم الوصف .
(( وأن أحكم بيمهم بما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم وأحذرهم أن يفتـنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فأعلم أن ما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم)) إلى آخر الآية .
(( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين )) إلى قوله تعالى(( وإن تلووا وتعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)) وفي آية أخرى (( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )) .
وفي مخاطبة المولى عز وجل للسلطة التنفيذية (( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ، إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ، والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ، الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائـفة من المؤمنين )) .
وهنا أطرح سؤالا : هل تـنفيذ هذه الأحكام موجه إلى سلطة المؤمنين أو سلطة أخرى ؟ .
فغير المؤمنين يقول فيهم تعالى (( وإن تدعوهم إلى الهدى فـلن يهتدوا إذا أبدا))
أما ما هو موجه إلى الشعب مع معاملة حكامه يقول تعالى (( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) أي فإن تنازع الحاكم والمحكومين فانظروا ما أوجب الله على الحاكم في الرعية وما أوجبه على الرعية للحاكم أو ما أوجبه الرسول صلى الله عليه وسلم المبين لأحكام الله في هذا الصدد .
وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: .
ومعلوم عند المؤمنين جميعا وخاصة إذا كان إيمانهم بصدق قوله تعالى (( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثـلهن )) وقوله تعالى (( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه .... )) الخ الآية .
من يؤمن بمضمون هذه الآية الغيـبية كإيمانه بمثلها مشاهدة في قوله تعالى(( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء)) عليه أن يؤمن بمراقبة الله لابن آدم من يوم نفخ الروح فيه إلى يوم يلقاه .
أيشك كل مسلم ولا سيما مفكر إسلامي سواء كان مهندسا في أي آلة تساعد على الحياة أو عالم في أي موضوع من المواضيع المتعلقة بالإنسانية ولاسيما إذا كان يطلق عليه مفكر أو فيلسوف إسلامي أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
أيشك أي مسلم أن هذا المجلس لا ينطبق على مجلس الوزراء أو مجلس النواب أو مجالس المؤسسات ...الخ ألا يدخلون في اسم ما العمومية أو قوم الوصفية .
أيشك أي مسلم ولا سيما إذا كان عالما أن تحركات الرؤساء ومراسيمهم وقراراتهم وكذلك القوات العسكرية وتخطيطاتهم والوزراء كل فيما يخصه لا يدخل في قوله تعالى ((إنا نحن نحيي الموتي ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)). ومن هنا نقول لهؤلاء المفكرين وما زلت أخص المسلمين منهم ولا سيما العلماء في كل موضوع، أن تحركات الوزراء والرؤساء وغيرهم من المسلمين في أي مجال لا يدخل تحت طائلة قوله تعالى (( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون)) أو قوله تعالى (( وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ، وما تكون في شأن وما تـتـلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )) .
أيظن أي مؤمن أن هذا لا يعنى إلا القول والفعل في الصلاة والصوم إلى آخر العبادات.
فما هو الفرق بين قوله تعالى (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون )) إلى قوله تعالى((والذين هم لفروجهم حافظون )) وقوله تعالى((وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا )) .
فإذا كان فقهاء العبادات والمعاملات اجتهدوا في تطوير أحكامها طبقا لما يفهم من عموميات وخصوصيات ودلالات الكلام العربي الذي نزل به القرآن والمصالح المرسلة في القرآن والقياس إلى آخره ونشروا بذلك الفقه حتى أصبح أضعاف عشرات المرات النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة وفي نفس الوقت نسبوا كل ذلك إلى الإسلام طبقا لقواعده المستخرجة من القرآن والسنة وجعلوا فاعله اعتقادا يثاب على قوله وفعله طبقا لقوله تعالى (( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تـبعتم الشيطان إلا قـلـيلا )) .
فكذلك فإن مفكري الإسلام مثل ابن تيمية وابن القيم والأفغاني ومحمد عبدو وحسن البنا –رحم الله الجميع- إلى آخر اللائحة التي أرادت بفكرها وجه الله وترجوا رحمته وتخاف عذابه قد نظروا في نفس آيات الله وأحكامه ومفاهيمها وأنواع الدلالات فيها وجسدوا أفكارهم تلك في كتبهم وتوجيهاتهم وبينوا للناس ما هو مطلوب من الراعي والرعية فكل ذلك بإذن الله ستعود إليهم منفعته طبقا لقوله تعالى (( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم )) .
وبناء على أن هذا مطلوب من كل مسلم المساهمة في هذا البيان والتوضيح والإصلاح فعلى المفكرين الإسلاميين أو المسلمين إذا كانت أعم عند أهل الاصطلاح اليوم أن يتوجهوا إلى الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة حاملين معهم أفكارهم وعلمهم بدلالات الألفاظ وعمومها وخصوصها إلى آخره وعندئذ سيعرفون أن عمل المسلم ليس فيه فرق عند الله بين العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية وتسيـيـر الدولة والتبادل على السلطة إلى آخر أقوال المسلمين وأفعالهم .
فإذا كنا نفرق في أعمال المسلمين في الدنيا بالمسميات فقط فالمسميات لا مشاحة فيها ولا ينبني عليها أجر وإنما الأجر ينبني على النية كما قال صلى الله عليه وسلم : إلى آخر الحديث .
فإذا سمينا أركان الإسلام بالعبادات وما يقع بين اثنين بالمعاملات وما يتعـلق بتسيـير الدولة بالأعمال المدنية أو الدولة المدنية أو السياسة ولكن كل هذا يقع تحت طائـلة قوله تعالى (( وقـل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبـئـكم بما كنتم تعملون )) فهذا لا ضرر فيه ولكن إذا ظن المسلم أن تسيـير الدولة أيا كان لا يمر بمحاسبة الله للمرء عليه فردا أو جماعات فإن معتـقد ذلك سوف يـجد أمامه قوله تعالى (( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحـتسبون )) .
وليس هذا من باب التكفير لأن عنـدي أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا لا أدري ما يفعل بي ولا به يوم القيامة ونرجو لنا جميعا الجنة كما في الحديث .
وهناك كلمات اصطلح عليها الآن تستعمل في الحق و في الباطل فكلمة التكفيريين تستعملها الشيعة في كل من يقاتلهم قتال جهاد أو غير ذلك والإرهاب كلمة تستعملها أمريكا وما شاكلها من طغاة المسلمين في من يقف ضدهم حقا أو غير ذلك وكلمة الشبـشيب بشين أعجمية يستعملها الموريتانيون في جمع المال من الحلال والحرام .
ولكن ما أريد أن أقوله في الأخير أن على جميع مفكري المسلمين أيا كانوا أن يعودوا إلى القرآن جميعا ولو ككتاب مطالعة واكتساب أفكار لا توجد إلا فيه لأن الإنسان حيوان مفكر كما يقول المناطقة والقرآن نزل لأجل الإنسان والإنسان يعرف أنه ميت لا محالة والمسلم يعرف أن أيامه من الدنيا يوم موته ، والقرآن فرق بين موت المسلم وموت الكافر .
فالكافر يقول في موته (( الذين تتوفاهم الملائـكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء فيقال لهم بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فـلبـيس مثوى المتكبرين )) .
وأما المسلم فيقول الله في موته (( الذين تـتوفاهم الملائـكة طيـبـين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) .