تعد المعارضة الموريتانية وأحزابها من أكثر معالم المشهد الوطني تحولا ،فرغم أن أمالا معقودة عليها من طرف الشعوب والنخب وقادة الحراك السياسي في التغيير والقطيعة مع عهد غياب الدولة واختطافها من طرف العسكر
إنْ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلا أن المفارقة المضحكةَ المبكية َ هي أن التغيير والتحول كان في المعارضة نفسها وطبعا وبصفة "تراجيدية" في حين ظلت المؤسسة العسكرية الأكثر حنكة والأقدر على قراءة "الساحة السياسية " من أحزاب يفترض أن يكون ذلك اختصاصهم .
وحتى لا أقع في فخ من يطلق الاتهامات جزافا على معارضتنا "المقدسة" فإني سأسرد في هذه السطور أهم المحطات في تاريخ المعارضة الموريتانية التي أرى أنها كانت بمثابة الضربة القاضية لها وبالتالي للحلم الذي راود قطاعا كبيرا من الشعب الموريتاني ، في التخلص من حكم المؤسسة العسكرية للبلاد لأكثر من عقدين من الزمن .
أولى هذه المحطات كانت الانتخابات الرئاسية التي جاءت بأول رئيس مدني خالص لسدة الحكم الرئيس سيد ولد الشيخ عبد الله وبقطع النظر عن الموقف من الرجل فإن المعارضة تلقت ضربة موجعة وفي الصميم وكان بطل تلك المرحلة السيد مسعود ولد بولخير ، حين وفي غفلة من زمنه الوارف أدار ظهره لرفقاء الدرب في المعارضة المدنية ليرجح كِفة النظام العسكري وان بطريقة غير مباشرة
وثاني هذه المحطات في الاستحقاقات الرئاسية التي جاءت بالرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز في انقلاب عسكري على أول رئيس مدني منتخب وبدل إدانته من سدنة الخيار الديمقراطي ، كانت المفاجأة حيث حظي قائد الانقلاب الجنرال محمد عبد العزيز بدعم زعيم المعارضة الديمقراطية الأستاذ أحمد ولد داداه ونتيجة لصورة هذا الأخير لدى الغرب حيث يعد الشخصية الأكثر إقناعا بحكم تجربته في الديار ومرة أخرى أحْكم العسكر هذه المرة قبضتهم على البلاد وصاروا يصولون ويجولون بلا رقيب ولا حسيب .
وثالث هذه المحطات موقف المعارضة من الاستحقاقات المحلية والبرلمانية الأخيرة فرغم إن قادة المعارضة بعد وصول الرئيس ولد عبد العزيز استغرقوا جل وقتهم في محاولة اسقاطه مستفيدين مما شهدته الشعوب العربية من حراك أطاح بزعامات ديكتاتورية في عالمنا العربي والاسلامي .
وسط هذا الديناميكية توقع الكثير من المحللين السياسيين والقرائين للمشهد السياسية مقاطعة انتخابات 23 من نوفمبر ورغم أن المؤشر كان يشير إلى ذلك حيث دخلت أحزاب المعارضة في مشاورات وتنسيقات بهدف قراءة المشهد وتقدير الموقف الذي توقع المحللون أنه سيكون مقاطعة الانتخابات المحلية والبرلمانية في 23 من نفمبر .
غير أن حزب التجمع الوطني للاصلاح والتنمية تواصل ذو الميول الاسلامية بقيادة رئيسه الأستاذ محمد جميل منصور فاجأ الجميع وأعلن مشاركته في الانتخابات المذكورة وهو ما جعله عرضة لنيران حلفاءه في المعارضة وخاصة أنصار زعيمها أحمد ولد داداه .
واليوم ونحن على أعتاب استحقاق رئاسي في أقل من ستة أشهر تلملم المعارضة المنهكة من قراءاتها غير الموفقة للمشهد السياسي الوطني – أوراقها لترص صفوفها في كيان جديد أطلقوا عليه اسم "المنتدى " إلا أن تداول وسائل اعلام لأخبار تفيد بأن رئيس حزب تكتل قوى الديمقراطية السيد أحمد ولد داداه قد أعلن تجميد عضويته في المنتدى يجعلني أتساءل ،هل سيطلق الزعيم ولد داداه الرصاصة الصديقة على المنتدى الوليد ؟
وبالمحصلة فعلى المعارضة الموريتانية أن تعي خطورة المرحلة السياسية التي تمر بها البلاد وأن يبذلوا قصارى جهدهم في تحقيق الاجماع وخصوصا أن مكونات المنتدى تعكس صورة نموذجية لعمل سياسي ناضج ،وإلا فأن قادة المعارضة سيخسرون الساحة إلى غير ما رجعة بل والأخطر من ذلك فقد يجدون أنفسهم يوما ما في قفص الاتهام غداة يصحو الشعب ويريد ...
بقلم محمد جبريل صحفي