من المعلوم جدلا أن الطبيب لا يمكنه إعطاء الدواء للمريض إلا بعد معاينته والكشف عن الأسباب الكاملة وراء مرضه ليكتب له الوصفة التي تناسبه حتي يشفى من دائه، لكن المرض إذا كان مزمنا وأنتشر في أعضاء الجسم فإن الدواء يكون من جنس المرض ،
أي بمعني أنه لابد أن تتناغم الجرعات والإجراءات مع حجم التأثر ولو كلف الأمر بتر أعضاء جسم المصاب هذا إذا كانت الإصابة بدنية ،أما إذا كان المرض اجتماعيا و فكريا بامتياز والمصاب جلل فأنى لنا معرفة الأسباب ؟ وإيجاد الدواء الملائم ؟
إن وطننا غال فيه ولدنا وعلي أديمه تربينا ولا نريد به بدلا وأحن عليه من الأم على ولدها، إلا أننا ونحن نراقبه من الداخل تعترضنا جملة من التساؤلات لعل الجواب عليها يكون بمثابة تشخيص لما يعاني منه وطننا الحبيب ومن أبرز هذه التساؤلات:
ماهي الظروف التي نشأت فيها دولتنا مقارنة مع الدول الأخرى ؟ وماهي نسبة المثقفين والسياسيين آن ذلك ؟ وهل وضعينتا قابلة للإستمرار على هذا النحو؟
إن نشأة الدولة الموريتانية حدثت بشكل مفاجئ لذا كان يجب أن تتأخر لبعض الوقت حتي يشتد عضدها ويغلظ عودها وتنضج فكرة المواطنة لدى أغلبية أفرادها لأن مفهوم الدولة لم يتضح لدى الموريتانيين إبان الاستقلال فلم يصل مستواهم الفكري حين ذلك إلى أن الدولة أعم من الجهة والقبيلة والعرق فحلت الجهة مكان العرق والقبيلة والعرق مكان الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
ولعل الطبيعة البدوية للشعب الموريتاني وحداثة انتظامه في شكل دولة جعلت الأوراق تختلط عليه وكان من الأجدر به الانتظام وراء ( إنما المؤمنون إخوة ) صدق الله العظيم .إلا أن اختراق الحضارة الغربية لنسيجه الاجتماعي في وقت لم يكن محصنا جعل المتاجرة بتفكيك كيان هذا المجتمع الواحد، هدفا لأعدائه سهل المنال، وفي المقابل نجد شعوبا ودولا تجاوزت تلك الاعتبارات الضيقة وسما بها موروثها الحضاري والثقافي إلي أن فهمت معنى الدولة وجسدت ذلك المفهوم على أرض الواقع ، وقد يعود السب إلي أن هذه الشعوب شهدت تنظيمات في أزمنة سحيقة خلقت لديها إيمانا بمفهوم الدولة والوطنية الشيء الذي ينعدم في مجتمعنا.
ومهما يكن السبب ورغم ثراء ساحتنا الثقافية من علماء أجلاء طرقوا كافة أبواب المعرفة إلا أننا لا نزال في نفس المربع، فهؤلاء العلماء اشتهروا بنشر العلوم الشرعية في اصقاع المعمورة إلا أن نظام الحكم وطريقة تسيير مؤسسات الدولة لم تحظ بقدر وافر من الدراسة والتمحيص الأمر الذي جعلنا في مزدوجتي فتل:اتجاه يريد التطبيق الحرفي لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والبعض الآخر يفضل التمسك بالفكر السياسي المستورد على الطريقة الغربية مع بعض التحريف ولم يتسن لنا بعد كدولة تمثل أحد هذه الاتجاهات فلابد من إيجاد مستقبلات على مستوى أذهان وعقول المستهدفين ولن يتأتى ذلك إلا بتنقية تلك الأذهان والعقول من رواسب بعض العقليات والعادات وذلك مع مرونة في التصرف تمكن من الحركة في كل اتجاه . فنحن في أمس الحاجة إلى تصحيح بعض المفاهيم ومراجعة شاملة لمنظومتنا الأخلاقية أكثر من أي وقت مضى، سبيلا إلي خلق تنظيم قوي يجعل كياننا قابلا للإستمرار، فالدولة في مفهومها الصحيح لابد لها من مقومات ثلاث هي السلطة والإقليم والسكان، فالأولان موجودان بشكل فعلي، أما السكان فوجودهم نظري وعابر، وأغلبيتهم لسان حالها يقول:" خذ خيرها ولا تجعلها وطنا" ، وهذا لعمري كارثة يندى لها الجبين، فما هكذا تكون المواطنة ولا هكذا يكون المواطن، فالمواطن الصالح يجب أن يمتلك إحساسا بالمسؤولية اتجاه وطنه ليثبت مواطنته من خلال تفانيه في الخدمة وسعيه الحثيث للمصلحة العامة كل من موقعه، فإذا لم يكن كذلك فإني أجيز تسميته بالمواطن السلبي أو مواطنا من الدرجة الثانية أو الثالثة. ومن نافلة القول أننا لن يتاح لنا الوقوف على استقامة ما دمنا في ارتباك فكري مذهل يتخلله حب الذات وتطغى فيه المصالح الخاصة على العامة ويهبط فيه منسوب المواطنة إلى أدنى المستويات هكذ كانت المعاينة وعلى هذا النحو تم التشخيص فهل يا ترى من طبيب مختص؟