مازال شعبنا يئن تحت قبضة الاستبداد، تحت نظام سياسي واجتماعي يعيش دون فرص متساوية، وهذا هو عين غياب العدالة.
فهل بات الوقت في صالح الإصلاح، أم أن تغيير النظام المستبد القائم، مازال بعيدا ودون رجاء في نظر البعض؟.
وذلك هو السؤال الذي يتردد قبل حلول الرئاسيات وإبان منتدى المعارضة، الذي قد لا يفضي إلى نتائج هامة، بل يقد يعني مزيدا من استهلاك الوقت فحسب.
إن استمرار نظام العسكر الأحادي التوجه، يعني استمرار الفقر في خانة الأغلبية واستمرار الغنى الفاحش في وسط مافيوي ضيق موال للرئيس، حيث أن أغلب فرص التوظيف والمنفعة في يد الدولة، والدولة لا توظف المعارضة في المواقع الهامة ولا تمنح الفرص المالية لمن هو محسوب على المعارضة، وبوجه خاص الراديكالي منها، وهذا الأسلوب مكرس للظلم في أعلى صوره، ويجعل من نخب المعارضة وشبابها وشعبيتها المعروفة (لأن البعض يسر بها ولا يجرؤ على الجهر)، معرضة للمزيد من الإهمال والفقر والعقد النفسية والاجتماعية بسبب التمييز السافر المتصاعد.
هذا إلى جانب تغييب الشرع الإسلامي من التطبيق، وإن كان ما ذكر آنفا بعض صور تغييبه، فأين النظام الذي يضمن لنا تطبيق شرع ربنا دون تجزئة ودون تجاهل للواقع المعاصر، الذي يتطلب تفكيرا ونهجا حكيما، يحرص على الثوابت المبدئية ولا يتنكر للمستجدات والتحولات في حياة الناس في أيامنا الراهنة.
ومن بعد الانتخابات الأخيرة واقتراب الاقتراع الرئاسي واستمرار تشرذم المعارضة وضعفها البين والمتابع للمشهد السياسي المحلي يرقب أمل الانعتاق من الواقع التسلطي الاستبدادي المزمن، وهل ستكون الرئاسيات المنتظرة -إن حصلت في وقتها- فرصة للخلاص من عزيز وطابع حكمه العسكري الانتقائي، أم سينجح –بهذه أو بتلك- وتكون له فرصا مضاعفة للتحكم في رقابنا، وجلدنا بصور ربما تكون أكثر جرأة على الظلم وتجاهل كافة الحقوق والحرمات؟.
إن المتأمل في حصيلة الانتخابات البلدية والبرلمانية يلاحظ أن النظام فقد الأصوات والموالاة في الكثير من القلاع المهمة داخل الوطن، وفي عاصمة ولاية اترارزة بشكل خاص، على مقربة من العاصمة، واستمر وضع العاصمة الذي لا يخضع تقليديا للأنظمة، وكذلك فقد بعض النواب في العاصمة الاقتصادية وكاد أن يفقد بلدية نواذيبو نفسها، وفقد بلدية النعمة على الحدود مع مالي، وفقد كرو ذات الصلة بقطاع التجارة المهاجرة، خصوصا في بعض الدول الإفريقية، وتواصل فقده للطينطان في الحوض الغربي، وغير ذلك.... فهل هذا يعني انكشاف انتخابي ملحوظ، إن استغل في الاقتراع الرئاسي، فربما يؤدي إلى إقحام ولد عبد العزيز في دور ثان، قد يكلفه فقد كرسيه الرئاسي إلى الأبد؟، وذهاب عسكر موريتانيا إلى الأبد كذلك عن دفة الحكم، خصوصا بعد اتفاق الشركاء في تونس وإصدار دستور توافقي أشادت به كافة المدارس الديمقراطية في العالم، واستمرار محاولة الليبيين ولوج المسرح الديمقراطي السلمي، وكذلك تصاعد فشل التجربة السيسية في مصر، وبوجه خاص في ميدان الاقتصاد والأمن.
إن قاطرة السياسة صعبة التقييم والتكهن بالمصير، خصوصا مع تأثرنا بمجريات الأحداث في العالم، وخصوصا في وطننا العربي،الذي يعيش ربيعا يترنح بين محاولات الإجهاض وفرص الانتصار والتغلب على العراقيل، وقد لا يستبعد تفوق رغبة الشعوب في الحرية وتسيير شأنها بشفافية، على كل الأساليب والمعوقات، مهما بدت قاسية أو مخيبة لآمال البعض في الانعتاق من عهود الاستبداد والأحادية والاستحواذ.
إن نظام عزيز هو نظام العسكر والثكنة، وليس نظام الديمقراطية والحرية، وكل المكاسب الحالية هشة، ولو كانت متنزعة، فقد تتحول في لحظة إلى النموذج السيسي، وبوجه خاص إن نجح عزيز بنسبة عالية تدحر الخصوم الانتخابيين والسياسيين بامتياز، فوقتها قد تتمحض القبلية، وقد تستهدف منابر الحرية الهشة الراهنة، بصورة مباشرة بعد ما يحصل الآن من حرمان المتمرد منها، وقد يحل حزب تواصل ويدخل البعض السجون، إن لم يقتلوا في الطرقات لا قدر الله، أو يعتقلوا -على الأقل ظلما وعدوانا- بحجة الإرهاب.
ففرنسا والغرب عموما لا يريدون الحرية، مطية لأحكام إسلامية عربية، ولو كانت تقبل أي تلك الأنظمة الإسلامية المتوقعة، التعايش مع الغرب وتلامذته وعملائه في الداخل.
إن مجرد تحقيق نسبة معتبرة لصالح المعارضة انتخابيا في المناسبة الرئاسية القادمة، ولو لم ينجح أحد رموز المعارضة المترشحين قد يعني درءا -ولو نسبيا- لبعض هذه المخاطر غير المستبعدة، فإن ما نعيشه الآن من سكون أو استقرار هش في الوضع السياسي والأمني، وتحسن حرية التعبير، هو بسبب نشاط المعارضة المحلية وجرأة بعض الأقلام المناضلة، إلى جانب تأثير العوامل الخارجية الضاغطة لصالح الشعار الديمقراطي الفج، وليس منا أو عطاء من الحكم العسكري الانقلابي العزيزي.
ولو تسنت له الفرصة، في ظل دعم غربي وخليجي (أو بعضهم) لحكمه وحكم السيسي في مصر، فسيصب كل ذلك في دائرة حصار الربيع العربي، وقد يفتح مزيدا من الفرص للتضييق على العمل الديمقراطي،و ذي الطابع الإسلامي.
أما المنتدى فقد يكون خيرا من عدمه، لكنه ليس الأكثر فعالية في دحر مخاطر نظام الاستبداد والاستحواذ، وإن كان جزءا من الخطة والمواجهة.
ولندرك أن نضال إخواننا في مصر وتونس وليبيا من أجل تكريس أنظمة ديمقراطية ودستورية تعددية هو الباب الأكثر أمانا للتعايش السلمي الإيجابي، بين جميع مكونات المجتمع العربي والإسلامي عموما، فلا ينبغي أن نضيع أي فرصة لرفع سقف الاهتمام بنضال شعوب العالم، والعالم العربي والإسلامي بوجه خاص من أجل الحرية والانعتاق من عهود التضييق الحالية وأنظمتنا الظالمة، المكرسة لمنفعة الحاكم وأشياعه على حساب أغلبية المغبونين والمقهورين في بلداننا النازفة المستغلة.
إن العالم قرية متقاربة الأوضاع والأحوال، ويتأثر بعضها ببعض بسرعة، تحت ضغط كابل الانترنت والقمر الصناعي والفضاء المفتوح أمام التأثير والتأثر المتبادل، المجسد للعولمة وغياب الحواجز.
فلنصرخ ولنعبر عن مأساتنا ومعاناتنا المزمنة، تحت قهر بعض عسكرنا وبعض قومنا، لصالح ثروات مكدسة في الخارج وكراسي سلطوية مغتصبة في الداخل، ولا أحد من المتغلبين الميسورين يلتفت إلى آهاتنا وآلامنا، فمن يرضى بالذل سيستمر في القيد، ومن يرفض الهوان يكسر الجمود يوما ما، ويتذوق طعم الحرية في لحظة الانتصار والانعتاق، ولا وجه للاستسلام والخنوع والخوف والذل الأبدي.
إن كل المضحين بصدق، ببعض مصالحهم، معارضين محليا بوجه خاص، من أجل هذا الشعب المقهور المغبون جديرون بالتحية والتعاون، عسى أن نصل يوما إلى شاطئ الأمان.
وإن المعارضة حرية بالتفكير في الجواب على السؤال، ماذا نريد؟، فهل المعارضون يريدون فحسب إبعاد عزيز عن كرسي السلطة، والجلوس محله وتذوق المنافع المفترضة في ساحة القيادة والرئاسة؟، إن هذا الهدف تافه وضيق الأفق.
بل الأنسب لمعارضتنا، أن تتصور مخرجا عمليا واقعيا، ببرامج واستراتيجيات محددة، تقنع المتلقي، أي المواطن الموريتاني، المضلل بشعار "رئيس الفقراء" وتوزيع القطع الأرضية والسمك الهزيل النوعية، وغير ذلك من الأساليب الدعائية والانتخابية، مثل محو بعض ديون المزارعين في روصو بعد سقوطها برمتها في يد المعارضة، وأعني كسب المعارضة المعاهدة من خلال حزب الوئام لمقاعد روصو النيابية وبلديتها، فلجأت السلطة للبحث عن أي مؤثر لكسب ود الناخب في روصو، قبل حلول موعد الاقتراع الرئاسي الحساس، فكان أحد الحلول محو بعض الديون عن بعض المزارعين.
وستتنوع الرشا والمغريات والتخويف كذلك، قبل حلول اللعبةالرئاسية، التي قد تتمخض عن أزمة، ولو نجح مرشح العسكر، لأن الوعي بدأ يدب تدريجيا، في عقول الناس، ولا عودة لأيام القهر والاستغلال بسهولة، ونرجو أن يتم ذلك بعيدا عن الانتقام والعنف، فذلك هو السبيل الأمثل، التغيير دون اعتداء أو إخلال بالسلم الأهلي.
إن أملنا أن تتعزز فرص الانعتاق لكن خطر نجاح عزيز قائم وراجح، ولكن بذل الجهد في اتجاه التغيير السلمي يبقى ملحا ومهما، مهما كانت النتيجة الانتخابية المتوقعة حسب سياق عدم حياد الإدارة وتكدس عوامل الغلبة في يد القائم على الحكم، وكلما كانت نسبة المعارضة أفضل، كان الأمل أكبر في حصول تغيير جذري أو تحسن فرص التغيير السلمي المنشود، ولو لاحقا.
ولا غرابة في تشديدي على السلمية، فنحن بحكم وعينا ومسؤوليتنا، وليس جبننا فحسب، نحرص على السلم وعدم الدخول في النفق المظلم المعلوم المصير، الدماء والتمزق والكراهية والحواجز النفسية الدائمة، الداعية للافتنان المستمر، والتجربة السورية خير دليل للأسف البالغ، رغم أحقية الشعب السوري في الحرية والانعتاق، إلا أن الدم والقتل أتى على عافية دولة بكاملها، والسعيد من اتعظ بغيره، فلا للعنف ولا للاستسلام للواقع، وكان بين ذلك قواما إن شاء الله.
إن نضالنا السلمي الحازم سيخلصنا يوما من براثن الدكتاتورية العسكرية، المكرسة لمنفعة البعض على حساب السواد الأعظم، والمكرسة لنظرية القوانين وعدم تطبيقها، وشيوع المحسوبية والانتقائية، وتقريب أشياع الحاكم وبعض أهله إن لم يكن كلهم، وهذا مذهب لا يتم معه العدل المأمول المطلوب بإلحاح، ولا يستساغ ظهوره في هذا الجو، ومن أجل هذا رفض كثيرون واقع هذه الأنظمة المتعاقبة، التي ظلت وفية للتلاعب بالشعارات، بعيدة عن العدل الحقيقي.
ولقد دفع الكثير من الأحياء والأموات أثمانا باهظة مرة، في دينهم وصحتهم وعقولهم وأبدانهم، وكافة مجالات حياتهم، جراء هذا التغييب المستمر لنظام فرص متقاربة على الأقل، إن لم تكن متساوية.
وسيبقى الحريصون على الحرية، والذين ذاقوها -ولو بعضا لا كلا- منافحين بقوة وصلابة وصرامة من أجل أن تكون مشاعا بين الناس، مصداقا لمقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي ذهبت مثلا: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".