تعيش بلادنا منذ استقلالها في ظل إدارة أجيال متقاربة في العمر ظلت تحتكر الشأن الإداري الوطني في ما يشبه التنظيم السرّي لفئات عمرية محددة، وقد وصل الكثير من تلك الأجيال إلى مرحلة التقاعد متعمدين عدم الاستفادة من حقهم فيه،
ومستخدمين الحيل بِلَيِّ عنق القوانين واستغفال الإدارة، وذلك ما انعكس سلبا على الإدارة الموريتانية التي لاتزال تُغالب تَجاوُزَ تلك المراحل البدائية في التعاطي مع الشأن العام داخليا وخارجيا، وهذا ما يبدو أن الحكومة الموريتانية انتبهت إليه في الآونة الأخيرة، فبدأت بتكليف الشباب وتحميلهم عدة مسؤوليات في الإدارة، من خلال وضع بعضهم في مناصب تمكنهم من المشاركة في تنفيذ مشاريع الدولة، وذلك ما وفق جلّهم فيه، فكان أن قرر رئيس الجمهورية "لقاء الشباب" المزمع تنظيمه في الأيام القادمة، فماهي الفرص المؤاتية للدولة للاستفادة من الطاقات الشبابية المتحفزة على إثر هذا اللقاء؟ وكيف يمكن للشباب أن يثبت أهليته للمشاركة التنموية من خلاله؟
لقد تم التقليل من شأن جيل التعليم في الثلاثين سنة الأخيرة بشكل مستمر، واعتباره جيلا فاشلا لا يصلح لتحمّل المسؤولية، إلا أنه بات جليا أن تلك المبررات ليست إلا دعاوى يطلقها بعض للنيل من حقوق هذا الجيل، وتركه فريسة لخيبة الأمل، خوفا من أن يجد الفرصة التي يثبت من خلالها جدارته وقدرته على الأخذ بزمام الأمور في هذا الوطن والمشاركة في تسيير الشأن العام على أحسن وجه، ورغم ما شاب سنوات التعليم تلك من قصور في تكوين هذا الجيل إلا أن كتلة هامة منه كانت نشازا، ودرست بجهود مضاعفة، فأثبتت قدرتها على العطاء المتميز والإبداع اللامحدود في مختلف المجالات داخليا وخارجيا، فكم من شابة أو شاب موريتاني انتزع في السنوات الأخيرة تفوقا غير مسبوق في المؤسسات العلمية الأجنبية؟ وكم من شابة أو شاب أكّد أن العطاء الموريتاني على المستوى الإبداعي الخارجي لا يقتصر على عطاء السَّلف، فألهب إعجاب الملايين ولفت انتباههم إلى هذا البلد القصيّ؟ وكم من شابة أو شاب أثبت من خلال مشاركته في تسيير مؤسسات محلية أو أجنببية من أي نوع أنه الأقدر على التفكير الإبداعي لتجاوز العقبات المترسّبة بما يمتلكه من وضوح في الرؤية ورغبة في التغيير والبناء؟
إن التفكير في لقاءٍ كـ"لقاء الشباب" ظاهرة صحية تؤكد أن الدولة تسعى إلى التجديد الجذري، ليس في الأجيال بحد ذاتها فحسب، ولكن في طريقة التفكير التنموية التي لا شك أن مشاركة هذا الجيل فيها تضعه على المحك ليقدم رؤيته التي ستكون مختلفة تماما عن ما سبقها، لأنها تمتاح من تجربة واقعية أفرزها الاحتكاك بنمط التغيير البنّاء الذي يجتاح العالم في مختلف المجالات التنموية، وأملتها مضارعة الواقع الوطني الذي يحتاج إلى سواعد مفتولة لم تَكَلّ بَعدُ من تقديم الخدمة لهذا الوطن ولن تَمَلّ حتى تشارك بحيوية أنْجَع وَوَتيرة أسرع، مستفيدة من أخطاء الماضي التي تعمل البلاد جاهدة على تجاوزها بأنماط عملية أكثر فاعلية.
هكذا إذن يمكن لهذا اللقاء أن يكون واجهة تزيل القناع عن نماذج من الطاقات الشبابية الكامنة التي تصلح للإدارة والعطاء والابتكار، ورافعة تنقذ الكثير من العاطلين عن العمل من خلال تقديم بدائلَ تُسهم في إشراك الجميع في البناء دون تعسّف ولا إخلال بحق أي مواطن، فهل يفهم الشباب الموريتاني الرسالة ويغتنم الفرصة؟