في إحدى المرات وأنا أفتش في المذياع وجدتني فجأة ودون سابق إنذار أتابع حلقة على أثير إذاعة صحراء ميديا الحرة حول لقاء الرئيس والشباب المرتقب .تلك المناسبة التي باتت شبه معلومة لدى الكل لكونها نالت نصيبا وافرا من التعبئة
عبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، شأنها في ذلك شأن سائر المناسبات المماثلة. وبما أن اللقاء خاص بالشباب حصرا، فقد كان ضيوف الحلقة من فئة الشباب، وأعضاء في إحدى اللجان المكلفة بتنظيم اللقاء .
ما لفت انتباهي حقيقة، ودعاني لأن أكتب هذه السطور، هو تلك الحماسة الزائدة والدفاع المستبسل اللذين أظهرهما الشباب عند نقاشهم لفكرة اللقاء وتحليلها، وبحثا لها عن الأدلة والحجج المقنعة. باذلين كل ما أوتوا من قوة فكرية وبدنية في سبيل تسويقها وتبريرها، معلقين عليها الكثير من الآمال، ويستحثون الشباب ويستنهضون هممهم للمشاركة الفاعلة فيها ودعمها بكل السبل ، باعتبارها لفتة كريمة من لدن سيادة الرئيس لصالحهم وفرصة لا ينبغي تفويتها. لقد كانوا على -حد قولهم- يعملون بجد، ويصلون الليل بالنهار من أجل أن يكون اللقاء بأحسن الأحوال. ولم يكن يساورهم الشك حول النتائج الايجابية المنتظرة منه .
إن فكرة لقاء الرئيس بالشعب عامة أو بفئة منه بعينها ،كالشباب مثلا، تعتبر سُنة حسنة وبادرة طيبة. بل وأداة إستراتيجية فعالة، طالما هدفت إلى التواصل بين هذا لأخير وبين مواطنيه والدخول في حوار مباشر وصريح حول هموم الوطن ومشاكله وعن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية التي تواجهه ، مما يتيح اتخاذ القرارات والإجراءات الصائبة ويسمح بوضع الخطط والاستراتيجيات التنموية وفق أسس سليمة تنبثق من رؤية واضحة المعالم. لكنها حين تنحرف عن مسارها الصحيح لتتحول إلى مناسبة للحشد والاستهلاك، وهدر المال والطاقات، فإنها تصبح خالية من أي محتوى أو مضمون. وهنا يكمن الخلل و يتوطن الداء .
لعل الوقت ما يزال مبكرا للحكم بصورة موضوعية على لقاء الرئيس والشباب المنتظر من حيث النجاح أو الفشل، غير أنه من المعلوم بداهة بأن التجارب كي تصبح قابلة للتعميم وإعادة الإنتاج ينبغي أولا أن تتكلل بالنجاح وتعطي نتائج واضحة وملموسة على أرض الواقع تكون حافزا لتقبلها والتفاعل معها بصورة ايجابية. ومن هذا المنطلق يصبح من واجبنا أن نتعلم الدرس ونستفيد من التجارب السابقة. خاصة وأن اللقاءات باتت كثيرة ومتنوعة ومختلفة في زمانها ومكانها، لدرجة أصبحت تدعو فعلا للتأمل والنظر حول الأهداف والغايات الحقيقية منها. كما وتثير بإلحاح التساؤل حول مدى جديتها، وهل إن كان ما سنجنيه منها سيكون بمستوى تطلعاتنا وآمالنا.
لقد دأب الرئيس محمد ولد عبد العزيز منذ انتخابه رئيسا لموريتانيا على تنظيم لقاءات اتخذت من الشعب شعارا، فانتظم لقاء بنواكشوط ولقاء في أطار وفي النعمة كانت كلها للشعب وباسم الشعب.. وبالامس القريب كانت نواكشوط على موعد مع لقاء آخر. وإن يختلف في شكله وحيثياته عن لقاءات الشعب التي سبقته، بيد أنه في نهاية المطاف يظل واحدا من اللقاءات العديدة التي انتظمت هنا، و اشرأبت لها الأعناق، لعل وعسى أن تأتي بجديد ينهي رحلة معاناة آلاف الشباب مع البطالة والتهميش والحرمان، ثم إن الرئيس باركه بل لربما كان أوعز به لأحد رجاله، إنه ذلك اللقاء الذي جمع - تحت شعار :منتدى الكفاءات والخبرات الوطنية المغتربة- كافة المغتربين ذوي الكفاءات الذين توافدوا على العاصمة، بعد أن تم استقدامهم من بلدان أجنبية مختلفة ضمنت لهم سبل العيش الكريم واحتفت بقدراتهم وكفاءاتهم العلمية المختلفة ، واضطروا للعيش في كنفها - رغم اكراهات الغربة وعذاباتها- متخذين منها بديلا عن التسكع في حضن الوطن، والعيش في انتظار غد أفضل تحمله انتخابات تٌجرى وحكومة تشكل ولقاء لن يكون حتما بأفضل حالا من سابقيه. ضمن رحلة سيزيفية لا نهاية.. ولما كان الشباب صمام أمان وقوة للأوطان لا ينبغي بأي حال الاستمرار في تهميشه وحرمانه ونسيان دوره في مجتمعه، فقد كان لابد من عمل شيئ ما لصالحه، ليتجسد ذلك الشيء في أن يحظى بلقاء من لدن الرئيس، وها نحن اليوم على أعتاب ذلك اللقاء .
إننا لا نريد أن نكون سلبيين ولا أن ننظر إلى كل ما يجري نظرة سوداوية، لكننا بالمقابل لا نريد لشبابنا أن يعمل دوما من أجل لا شيئ، أو أن يدخل ضمن لعبة لا يدرك بما فيه الكفاية مداها وكنهها. ببساطة اننا لا نريدهم أن يكونوا "كمثل الذي ينعق بما لا يسمع .."، كي لا يكون ذلك سببا لأن تنطفئ جذوة الحماس المتقدة في نفوسهم ويتحول أملهم بفعل ذلك إلى سراب.
إننا نهيب بهم أن يقدموا المثل في الحرص على تغليب مصلحة الوطن على ما سواها ، وأن يملكوا القدرة والشجاعة على قول ما عجز عنه الآخرون، ألا وهو قول "لا " حينما يتعلق الأمر بمصلحة هذا الوطن الغالي.