عبقرية الفكرة / سيد الأمين ولد باب

altبعد أسابيع من الإعلان عن عزم رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز ، الدخول في حوار مع الشباب ، من خلال لقاء هو الأول من نوعه في  تاريخ البلاد ، وبعد ان امتلأت المواقع الالكترونية والصحف الورقية بالكتابات حول الموضوع

 ، ظهر للعيان موقفان متباينان منه : موقف سلبي يهون من شأن الحدث ، وموقف مؤيد ومعجب به ، وبين هذين الموقفين ، لم يجد الحدث من يميط اللثام عن أهدافه الحقيقية وغاياته السامية ، فبقي  مجرد حملة سابقة لأوانها ، أو بادرة خير أو فرصة للتجديد  أو فرصة للحوار ، ولكن مع ذلك أي هدف أسمي من مضامين هذه العبارات ؟.

ليس من الغريب في ظل هذه الأجواء السياسية المليئة بالتجاذب ، أن تتضارب المواقف وتختلف حول موضوع ، هو في الأصل محل إجماع وتأييد من طرف الجميع  ، نظرا لأهميته .. لكن  هذا الإختلاف لم يذهب بعيدا ـ كما يظن البعض أو كما يظهر ـ فالذين يهونون من شأن الحدث ، لم يجدوا من نقد يوجهونه إليه سوي أنه جزء من حملة الرئاسيات القادمة ، وهذا غير صحيح ، إلا إذا كان لقاء الشعب المماثل  الأشهر الماضية في مدينة النعمة ، جزءا من هذه الحملة ، أو كان مهرجان المدن التاريخية (نسخة ولاتة ) جزء ا من هذه الحملة .. ثم إنه لو افترضنا  جدلا أن هذا اللقاء هو مجرد حملة انتخابية ،فهل يعني ذلك عدم أهميته ، ألا يعتبر الإقرار بذلك دليلا كاملا علي أن الحدث له أهمية بالغة ؟

تعلمون جيد أن ما يستخدم في أي حملة ، هو أمر مهم لما يدفع إليه من كسب أصوات الناخبين ، وهذا يعني أن الرئيس الذي يعكف منذ وصوله إلي السلطة، علي إنجاز ما يهم الشعب والوطن   في مختلف المجالات : السياسية والاقتصادية والإجتماعية ، والفكرية  والدينية ... سعيا منه إلي الوفاء لأمته وشعبه ، أو حتي لمجرد نيل رضاهم ، بغية التصويت له مستقبلا ، إنما يقوم ـ حسب من يهون من شأن لقاء الشباب اليوم ـ بحملته الرئاسية التي تفصله عنها خمس سنوات قادمة ،فإذا كان كل أمر مهم للبلد يقوم به رئيس الجمهورية ، في مأموريته هو حملة سابقة لأوانها ، فما العيب إذا في لقاء الشباب؟ ، لا عيب فيه ، إنما العيب يكمن في عدم ذكر أنه حملة سابقة لأوانها ، خوفا من الاعتراف بأهميته ، التي لا تنتظر أن تكون بادية للعيان ، سوي أن يٌربط الحدث بظرف لا مجال فيه لغير الأعمال الهادفة والبناءة والجذابة.

 

هذه هي حقيقة ما سيؤول إليه الموقف المناهض أو المقلل من شأن حدث بمستوي لقاء رئيس جمهورية بشريحة الشباب من شعبه الذي خصه عامة بلقاء مماثل ، وهي سنة حميدة ، دأب عليها حكماء الإغريق .. وقليل من قام بها في العصر الحديث .. لذلك فإن التهوين من شأنه ـ كما لاحظنا سابقا ـ ليس إلا اعترافا ـ منتزعاـ بمدي قيمته وأهميته، وقديما قال الشاعر : إذا أراد الله نشر فضيلة طويت *** أتاح لها لسان حسودى .

 

أما تلك التي لم تٌطو بعد ؛ لأنها ظاهرة بينة.. فيتم الاعتراف بها ، هذا هو ما حصل .

إذا كان موقف المعارضين لكل فضيلة وكل عمل خير ، قد اعترفواـ من حيث لا يشعرون ـ بأهمية لقاء الشباب ، فإن الذين يقرؤون الأحداث بموضوعية ، ويحاولون إعطاء الحدث ما يستحق ، يمكن أن أقول بأنهم قد هونوا من شأن الحدث ومن حيث لا يشعرون ـ أيضا ـ ذلك أنهم واقعون دون علم تحت سيف الموضوعية المسلط عليهم ، لدرجة أنهم قد يضحون ببعض الحقائق ، ويتجاهلونها ، حتي لا يظن ظان بأنهم غير موضوعيين ، فيكتفون بذكر بعض الحقائق ، ويغفلون البعض  .

لقد أغفل الكتاب الموضوعيون بعضا مما يستحق هذا اللقاء ، علي الرغم من أن مبررات ذكره قائمة وماثلة في خطاب المستهزئين ، لقد اكتفي هؤلاء بأهمية اللقاء لا بعبقرية الفكرة ، حيث ركزوا علي: ما سيطرق في هذا اللقاء من مواضيع مهمة ، وما سينجر عنه من مكاسب كثيرة ، وهو ما يعني الاشادة باللقاء وما بعد اللقاء ، في الوقت الذي يحتاج الأمر إلي الاشادة بالفكرة ذاتها وبدراستها والإشادة بصاحبها وتقديره في وقت يواجه فيه ، سيلا من الشتائم ، وموجة من العداء لا يفتر أصحابها عن ما يجر إلي التقليل من شأنه ، وتشويه عمله السياسي ، بل وحتي محاولة عزله ...

فإن كنتم ترون أن مايقوم به الرجل ...هو عين الصواب ، وأن سياسته تخدم الوطن وكافة الشعب الموريتاني ، وأنه حقق للشعب الموريتاني ، من الإنجازات ما لم يتحقق في البلاد طيلة خمسين سنة مضت ... إذا كنتم ترون ذلك ، فلماذا تدخرون من كلمة الحق ، ما يعزز مكانته ويعضد موقفه ، ويشكل دفاعا مباشرا عنه ، لَمًا كان العداء مٌباشرٌ به وموجه إليه دون غيره ؟

لا أريد هنا أن أعاتب .. ولا أن أتهم أحدا بالتقصير ، فقد أجاد وأفاد كل من كتب مبينا أهمية لقاء الشباب . أبدعوا جميعا في قول الحق بأسلوب رائع ومميز ،لدرجة أنه لم يعد ممكننا أن يضاف إلي ما قالوا في الموضوع .. إلا بجهد يربط الحدث بما سبقه من أحداث ضمن السياق التسلسلي للأفكار البناءة التي يتبناها النظام ،ويسعي إلي تطبيقها ، ولاشك أن هذه الإضافة لا تقلل من شأن ما سبقها إذ ليس للمضاف أكثر من قيمة المضاف إليه .

إن الوقوف علي عبقرية فكرة (لقاء الشباب) ، يحتاج العودة إلي لحظة مجيئ صاحبها إلي السلطة ، وتذكر ما قال واستصحاب ما فعل منذ ذلك الوقت .. حيث سيظهر بشكل جلي أن عبقرية الفكرة المذكورة ، تتنزل الآن في مكانها المناسب ضمن أحداث متسلسلة ، كل منها تظهر في وقتها المناسب : بالتسلسل العلي  أو بالتزامن الضروري  أو بإملاآت اللحظة .

أما الأخيرة فمثالها :حوانيت أمل وبرامج التدخل ..وأما الثانية فمثالها : الاعلان عن تجديد الطبقة السياسية تزامنا مع الإعلان عن الحرب علي الفساد ، وأما الأولي فمثالها ، هو ما نريد أن نبين من خلاله ، عبقرية الفكرة التي طغت عليها أهمية تجسيدها.

وقد يتساءل البعض : ما الفرق  في التقييم والتقدير بين الفكرة وتجسيدها ؟...لاشك أن تجسيد الفكرة السليمة له أهمية بالغة في مختلف الميادين ،و في ميدان العمل السياسي بالخصوص ، لكن في هذا الميدان الأخير تكون الناس بحاجة إلي استمرار وبقاء مصدر الفكرة البناءة ـ كحاجتهم إلي الثروات المتجددة ـ أكثر من حاجتهم إلي قطف ثمار هذه الفكرة أوتلك ، مما يعني أنه إذا كان مصدر الفكرة السليمة مهدد ..فلا يكفي أن نرتع في ثمرتها ، ولا أن تقتصر علي الاشادة بها .

إن إعلان رئيس الجمهورية لحظة وصوله إلي السلطة ، الحرب علي الفساد ، وإعلانه  بشكل متزامن الاقدام علي تجديد الطبقة السياسية ،يعني تماما أن شريحة الشباب كانت حاضرة في ذهنه ، لدرجة أنه جعل من الشباب العصي السحرية التي ستقوض كل مظاهر الفساد الذي استشري في البلاد منذ زمن غير قريب .

هذا الأمر واضح جدا ، من اعتبار الرئيس أن القضاء علي الفساد ، لابد له من تجديد الطبقة السياسية ، خصوصا إذا تذكرنا أن تجديد الطبقة السياسية ، ليس شيئا آخر أكثر من تأهيل الشباب ليحل محل الكثير من الفاعلين السياسيين الذين إن لم يحترموا العمر الوظيفي ، ويتركوا العمل السياسي ، سيتركونه رغما عنهم بعد أن جاءهم نذير الشيب والهرم .

فتجديد الطبقة السياسية مثلا  هي فكرة متزامنة مع الحرب علي الفساد ، مما يعني أن الأخيرة تتم تدريجيا وبشكل متناسب طرديا مع ما تحقق في الأولي ، وبما أن الاستعداد السياسي الطبيعي في الشباب يحتاج إلي وقت لاكتشافه ، وبما أن الأمر يحتاج كذلك إلي تهيئة إضافية من أصحاب الشأن للقدرات الكبيرة لدي الشباب ، كان لابد أن تدوم هذه الحرب لبعض الوقت ،قبل انتصار الخير والحق علي الشر والفساد .

هكذا نظر الرئيس إلي الشباب يوم قدومه إلي السلطة ، وبما أن الفساد متوغل في مختلف جوانب الدولة ، لم يقتصر الرئيس علي الاهتمام بالشباب في ميدان العمل السياسي فقط ، بل سعي إلي تعزيز قدراته في مختلف أنشطة الحياة .. سواء منهم حملة الشهادات ، أو أؤلائك الذين لم يسعفهم الحظ في متابعة الدراسة والحصول علي شهادات.

فقد قرر الرئيس منح قروض ميسرة لحملة الشهادات ، ممثلة في تمويل مشاريع متوسطة مدرة للدخل ، وقد استفاد من هذه القروض حتي الآن عدد كبير من الشباب ـ حملة الشهادات العاطلين عن العمل ـ وفي نفس الوقت يقول المستهزئون ما الذي سينفع به الرئيس الشبابَ من خلال هذا اللقاء ، والبطالة مستشرية فيه .

وكأنهم لم يعلموا بتلك الجهود التي بذلت للتخفيف من البطالة في صفوف الشباب ، وكأنهم لم يعلموا أن حملة الشهادات العاطلين عن العمل استفادوا طيلة السنوات الماضية ، من توزيع الأراضي الزراعية عليهم ،ودعم استغلالهم لها بالتمويل المادي وبالتوجيه والتأطير من قبل خبراء متخصصين ، وبتسويق منتجاتهم الزراعية وسط أجواء من التشجيع والتأييد .

وكأنهم لم يعلموا أنه منذ مجيئ الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلي السلطة ، تم القضاء علي المقاعد الداخلية في غير مسابقات الصحة والتعليم ،والقضاء ، إفساحا للمجال أمام حملة الشهادات العاطلين عن العمل ، لدخول سلك الوظيفة العمومية ، حيث مرت مسابقات ، بحجم: 500 و250 و20 ... مقعدا ولم يكن فيهم مقعد واحد لمن هو في الوظيفة العمومية.

أما تشجيع التكوين المهني وتوسيع دائرته ، فإنه يجمع الإهتمام غير المباشر بطاقات الشباب وبمقدراتهم الكامنة ، والاهتمام بأؤلائك الذين لم يبق لهم إلا مواجهة مصير مظلم بعد أن لم يتمكنوا من متابعة دراستهم .

أما الاهتمام غير المباشر بطاقات الشباب ، فيتمثل في إقناع الشباب بالتوجه من البداية إلي ما لا يٌحتمل الفشل فيه: إلي الدراسات المتخصصة في الحرف والمهن المختلفة ، إلي التكوين المهني ، الذي يفتح المجال واسعا أمام الشباب للتكسب والاستثمار ..فهذه الميادين لا تعرف الفشل ، ذلك أن النظري فيها متلازم مع التطبيق ، فالمعرفة الدقيقة لابد أن تحصل ، ثم إن الحاجة إلي الخبرات والشهادات المتحصل عليها من تلك الدراسات.. لن تعرف الصدود ، فإذا ضاقت عنها الوظيفة العمومية ، لن تضيق عنها حاجة السوق والأعمال الحرة .

أما بخصوص الذين لم يسعفهم الحظ في الحصول علي شهادات حتي الآن .. فإن خيار التكوين المهني يفرض نفسه ولكنه نعم الخيار.

وبهذا يكون اهتمام الدولة بالتكوين المهني نابع من مدي اهتمامها بالشباب ، وبمقدراته البدنية والذهنية ،سعيا لإشراكه أو جعله الرافعة التي ستنهض بالبلاد من حضيد التخلف ..إلي قمة التفوق والازدهار .

إن اهتمام رئيس الجمهورية بشريحة الشباب ليس جديدا بادئا مع هذا اللقاء ، وليس سياسة ظرفية متزامنة مع انتخابات أو غيرها ، بل هو استراتيجية واضحة ، ينتهجها الرئيس منذ وصوله إلي السلطة إلي غاية تمكين الشباب من أخذ زمام المبادرة .. لأن تركها بين أصحاب السوابق ، في ظل غياب تام للشباب عن المشهد .. يعني  القضاء علي مستقبل البلد ، هذا المستقبل الذي لم يكف السيد رئيس الجمهورية في مرنامجه السياسي عن إرساء دعائمه ممارسة في البنية التحتية ، وفكرا في تأهيل من يأمل السير علي خطاه في ذلك وهو بكل تأكيد الشباب (أنتم الأمل ) سواء في مركز القيادة أوفي موقع المتابع والمراقب .

هكذا وبعد أن أرسي السيد الرئيس قواعد الدمج الفعلي للشباب في الحياة النشطة في مختلف الميادين .. بحيث لم يعد يحتاج الأمر لأكثر من بروز استعددات داخل الشباب في أي جانب حتي يتم دمجهم حسب طبيعة تلك الاستعدادت . أصبح من اللازم تجاوز تلك المرحلة إلي ما بعدها ، إلي مرحلة تأكيد أن الاهتمام بالشباب هو أمر عام واستراتيجية معتمدة ، اقتضت في أول الأمر الشروع في خلق طرق لتحسين مسوياتهم المادية والعلمية ، وتقتضي الآن بعث روح الاطمئنان وإظهار مدي أهمية هذه الشريحة في البلد ، حتي تثق في نفسها وتستعد لتحمل المسؤولية .

وهنا يكون الباب مفتوحا لكل الشباب حتي أؤلائك الذين يتسللون خلسة إلي المساجد ليمزقوا نسخا من المصحف الشريف ، ويلقوها في المراحيض ، بأمر مباشر أو غير مباشر من زعماء المعارضة ، من أجل إثارة غضب الشعب وتحريك الشارع ، لتندس المعارضة في صفوف الغاضبين لدين الله ،ويركبوا موجة غضبهم كما فعلوا في بلدان الربيع العربي !!.

إن لقاء الشباب برئيس الجمهورية ، هو حدث يفهم منه أن اهتمام الدولة بالشباب ليس حكرا علي من أبدي الاستعداد للإستفادة من خدماتها ، بل إن الدولة تهتم بجميع الشباب حتي أؤلائك الناشطين في المعارضة ،أن تعاولوا إن كنتم تريدون خيركم وخير البلد ، فالدولة مستعدة لكل ذلك ، لا تكابروا ولا تعميكم خلفيات حزبية أوفكرية ، عن طريق الحق. تفضلوا أعرضوا أفكاركم بكل أمانة وتجرد من كل خلفية مشوشة ، وانظروا هل ستستجيب الدولة لمطالبكم المشروعة الهادفة والبناءة ؟.

وانظروا أيهما خير :أن تستجيبوا لنداء الوطن ،وأن تستخدموا طاقاتكم ، لخدمته في ظل قيادة تقدم لكم الدعم المادي المشار إليه آنفا والدعم المعنوي الظاهر في إشراككم في تسيير البلاد من خلال تبادل الرأي والمشورة مع رئيس الجمهورية أهذا خير؟ أم أن تستمروا في الجمود وعدم الكشف عن رغباتكم ، وعدم استعدادكم لتحمل المسؤولية ، أو أن تستمروا في إثارة الشغب بإحراق المصاحف وفعل المنكرات ، ليلا والتظاهر في اليوم التالي مع المنددين بهذه الافعال الشنيعة .

يريد رئيس الجمهورية أن ينتشل الشباب كل الشباب من شتي صنوف الضياع ، والإستغلال السلبي : السياسي أوغيره ،لينعم البلد بخيره ـ إذ الخير كله في الشباب ـ إلا من أبي فيقيم الحجة عليه .

هكذا الشباب في مخيلة الرئيس ، لابد أن تصير إليه الأمور ..ولذلك فلابد أن يكون مؤهلا لما ينتظره ، من مهام جسام ستلقي علي عواتقه ..فكان  لقاء الشباب بالرئيس أمرا لابد منه ، ليس فقط لمصلحة الشباب والدولة في الظرف الحالي ، بل أكثر من ذلك لتهيئته نفسيا وفكريا لأن يكون علي استعدادا لتحمل مسؤوليات البلد في قابل الأيام .

سيد الأمين ولد باب

3. مارس 2014 - 15:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا