ملاحدة موريتانيا على خطى تيري جونز اللعين! / دداه محمد الامين الهادي

altمنذ أن أقدم القس تيري جونز على حرق المصحف الشريف والأحداث تتداعى، خاصة أن المسلمين هبوا في أنحاء العالم أينما وجدوا، وحرقوا الأعلام الأمريكية، ثم خلدوا إلى النوم في أسرة الخنوع، لكأن العالم الإسلامي من أدناه إلى أقصاه

 لا يمتلك من القوة إلا ما يزحف به على القماش، موغلا في الرمزية، والسخرية من ذاته، وهو القدر بما حباه الله من قدرات على الضغط على قوى الشيطان بكل الوسائل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

وإذا كانت موريتانيا نددت آنذاك، ثم عادت أدراجها، فإنها سرعان ما ولجت موضوع المساس بالمقدسات من بابه الواسع فما حدث فيها ليس تهويدا للمسجد الأقصى، ولقبة الصخرة، ولمعظم معالم بيت المقدس بالحفريات المقيتة، التي يبحث أصحابها عن هيكل حبر اليهود قيافة، إن ما حصل هو أن موريتانيين شناقطة وجهوا معاولهم إلى دين الهدى، وبدا الأمر في البداية مساسا بالفروع، المنقاة –حسب الجاني- من الأصول بالشطب، والمسح، وسرعان ما تمكن الجاني من تبرير فعلته بمحاربة مخلفات الرق، وبالهجمة المنصبة على كتب النخاسة، وبرغم الجموع الغفيرة، وتوعد صاحب الحظيرة لبيرام ولد أعبيد، فإن العدالة أخذت مجراها المعتاد في بلاد لها حساباتها في كل شيء، وترى في العالم الحر تهديدا لكل من يقف في وجه الحريات العامة، بما فيها حرية تغيير المعتقد، والحرية الجنسية.

لقد خرج بيرام إلى منزله الآمن بين الموريتانيين الثائرين، وانتهى سيناريو الهبة الشعبية عند حد القصر، وحد حرق القماش الملون، ليكون الموضوع فاتحة للملحدين الموريتانيين، ليبرزوا للعيان، هازئين بالنصوص، أو لنقلها صراحة كافرين بالنصوص، ولا نعرف تحديدا كيف مات الإسلام في ضمائرهم-إن كانت لهم ضمائر أصلا-؟ ...

وهذه المرة استأنف ولد أمخيطير ليسب سيد الوجود "ص"، مدعيا من حمقه على أشرف البشر ما يعجز اليراع واللسان عن قوله، جاهلا أن مشكلته ليست مع أفضل خلق الله، فالرسول "ص" ليس من عبد البشرية، ولا من تركها عرضة للربا، والسفاح، والإبادة، وعنتريات وأوابد الجاهلية، بالعكس، فلقد حرر العقول، والأجسام، وساوى البشرية في النصيحة، وتعليمها أمور دينها، حتى غدا بلال، وصهيب، وسلمان، وزيد ... -وهلم جرا- من سادة القوم، وانتهت أيام الرايات الحمر، وربا النسيئة، وأكل القرابين، والتطير، وطواف العاريات، واستعباد الناس، ونكاح المقت، ومعاقرة الخمر، واتخاذ الضعاف مطايا، وأكل الجيف باسم اللات والعزى وهبل، والجهل المطبق، والاحتكام للقوة والسلطة والبأس ... إلخ.

جاءت فعلة ولد أمخيطير ليصبح العلم الموريتاني رمزا مقيتا في عوالم أخرى، أخذتنا جميعا بفعلة سفيه، فمزق العلم الموريتاني تحت أقدام الباكستانيين، وغيرهم، ولا يهم ما دام المصاب أجل من قضية علم، فقد صعدت الإساءة درجة، من المقدس إلى الأقدس، ليقبع ولد أمخيطير في السجن في انتظار الملاص والخلاص، وكيف لا وقد سبقه إليها بيرام ونجا ؟ ...

ولد أمخيطير كان فاتحة للملحدين لينزعوا اللثام عن رؤوسهم، وليتباروا في الفيس بوك، والمنتديات الأخرى في خزيهم، وعارهم، معتبرين الإلحاد بطولة، والإنحلال فضيلة، متخذين من اللادين دينا، ومن التشبه بالأنعام في حياتها، ومسلكياتها ملهما، ومرشدا، "وإن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا".

ومن صعد قمة لا بد أن ينتهي إلى أعلاها، ومن هبط حفرة لا بد أن يصل غورها، مادام مجدا في طريقه، وهذا هو حال أصحاب الإساءات، فما لبثوا أن غرتهم الحياة الدنيا، ومتاعها الزائل، وبقاء سالم، "وما سالم عما قريب بسالم"، فأرخوا للشهوانية الملحدة العبثية زمام المبادرة، وقرروا البدار، وهذه المرة إلى كلام الله، إلى أطهر شيء، وأقدسه، إلى المصحف الشريف/ الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه"، إلى الكلام المعجز لفظا ومعنى، إلى الكتاب الذي أعجز أهل اللغى، وحير البلغاء، إلى الكلام الذي ما وقف العلم على قاعدة في القرن الواحد والعشرين، ولا قبله إلا وجد القرآن سبقه لها، فأصبحت العقول والقلوب المستنيرة أسيرة تتعجب، وتنهل من المعين الذي لا ينضب، ألا وهو "الإعجاز العلمي للقرآن"، فالبصمة في القرآن/ والجبال الأوتاد في القرآن، وشق القمر في القرآن، ونظام الغربان ودفنها لميتها في القرآن، وحقيقة الخلق في الأرحام والتخليق فيها في القرآن، والشقوق التي تتنفس منها الأرض في القرآن، ورجع كل ما يصعد إلى السماء إلى الأرض في القرآن، وحقيقة المطر في القرآن، ويقين الموت في القرآن، والطهارة في القرآن، وهدي القرآن في القرآن، وبرغم أن القرآن من حروف واضحة، متوافرة "ا ل م" مثلا، فإن العقلاء والبلغاء والحواسيب عاجزة عن الإتيان بحرف أو سورة من مثله.

لقد دعا القرآن إلى تدبر القرآن، ولكن الحجة قائمة على السواد الأعظم، فلما غلبتهم شقوتهم –هؤلاء الجاهلين- طفقوا إلى عوالم الضلال والانحلال، والحقيقة أنهم لو رجعوا إلى كلام الله لوجدوا فيه من الجمال، والحق، والإعجاز، والحلاوة، والطلاوة ما يغنيهم عن حياة الغابة، والمشاعية، وذئبية الإنسان، ولكنهم سقطوا في فخ قوى الشيطان، وعبثية الهوى، ولم تستطع عقولهم المريضة أن تفصل بين جوهر القرآن المكنون وصفائه، وبين ركاكة واقع كثير من المجتمعات، التي خلطت عملا صالحا بآخر طالح، وأعادت للجاهلية شيئا غير قليل من مجدها الضائع، فعاد نظام السادة، وازدهر البنكنوت والكهنوت، وانتشرت الرذيلة، وصمت الكل على المنكرات، وذهب الفيء والقيء إلى جيوب من يفترض أنهم عسس وحرس الأمة الإسلامية، فشاع الغلول، والفسوق، وطوعت العدالة لتخدم النفوذ والمال، واستشرت خيانة الأمانة، وائتمن الخونة، وضاعت الفضائل كما ضاع الأيتام على موائد اللئام، وصار الحق يقاس بالقربى، والمحسوبية، والرشوة، وهذا واقع لا يرضاه القرآن.

لقد كان القرآن ولا يزال خير ناصر للمظلومين، وسيبقى، وإن زل المتمكنون في الأرض بقوتهم، وصدوا عن كتاب الله، وخرجوا على تعاليمه، فهذا لا يعطي للناس الحق في المساس بالحق، فإنما أصابهم قد أصابهم من نفوسهم، ومن ظلمهم لنفوسهم، والقرآن أطهر من أن يظلم، ولو أن ملاحدة الأنترنت تأملو في جانب من جوانب خلق الله ألا وهو الشبكة العنكبوتية، التي استفاد مصنعوها من أوهن البيوت بيت العنكبوت لكان لهم شأن آخر غير ما هم فيه من دناءة وانحطاط، ولكن على قلوبهم-والعياذ بالله- أقفالها، وفي آذانهم وقر.

وعود على بدء لنلاحظ أنه في المرة الأخيرة كان التعدي على القرآن، وكان الجناة متخفين، جاؤوا تحت جنح الظلام، وذهبوا تحت جنح الظلام، وتركوا المصاحف مدنسة وراءهم، وتركوا إشارات استفهام بحجم كرة الأرض، بل بحجم الكون أجمع؟ ترى من هم؟ ترى لماذا وصل الحد حد المساس بالهدي السماوي؟ من يقف وراء الملحدين؟ أي جيوب تغذي وحشيتهم وظلاميتهم في عالم الربح والرأسمال؟ من شجع التراتبية في الإساءة على صعودها سلم المقدسات من الفقه إلى الرسول "ص" وإلى كلام الله؟ هل نحن على الطريق الصحيح عندما نربي النشء على التحصيل والفرنسة بدل الدين ولغة القرآن؟ أين القيم؟ وما قيمتها بالنسبة لجيل الأنترنت والعولمة حيث يعيش الطفل في عالم حر بلا حدود يتراسل مع الآخر الملحد والكافر والدهري والوثني والشيوعي والرأسمالي والطبيعي والحيواني والشهواني؟ هل بدأ جيل الإهمال ينضج مؤذنا بنهاية بلاد شنقيط بلاد المنارة والرباط؟ هل تقاعسنا في الضرب على عنق بيرام وولد امخيطر كان كافيا لتتوالى الإساءات الموجهة للدين والحرمات؟ أم أن ما يحدث طبخة نضجت في أفران الغير من يهود وملحدين واستفادت من حرية الانترنت نشرا وإعلاما، ومن انشغال الآباء في التحصيل وضخت سمها في الجسد الموريتاني؟ هل ستقدم السلطات الموريتانية على تنقية الأجواء من هذه العصابات أم فات الأوان؟ هل نحن نحن أم اندس بيننا مندسون؟ هل ينتظر الغرب خطوة شجاعة لقطع رؤوس الفتنة في موريتانيا ليبدأ زحفه-كما يتصور المثبطون والمرجفون-على بلادنا بحجة عدم احترام مواثيق وصكوك واتفاقيات وابروتوكولات حقوق الإنسان، التي تسمح بحرية المعتقد والجنس وتبديل الدين؟ ومتى صادقنا على تلك المهازل ولماذا ؟؟ أليس ما يحصل نتيجة حتمية لانشغالنا بالجمع والالتقاط على حساب الدين والقيم؟ وهل ستستغل هذه الأحداث سياسيا لقلب النظام؟ ...........

إن كل الإحتمالات مطروحة، ونحن في عالم لا يعرف المستحيل، وقد يكون هو الشرارة التي ستفتح الباب على مصراعيه للساعة، فالعلامات الصغرى تجلت بحسب العلماء، ولم يبق إلا المساس بكلام الله، وماذا بعد ذلك؟ ...

ثمة ما يفترض بنا أن نملكه ألا وهو القيام بالواجب درءً للفتن، ونصرة لدين الله، فعلى الحكام والمحكومين كل من مكانه أن يسهم إيجابيا في كل ما من شأنه أن يسد الأبواب في وجه الحركات الهدامة، والعبثية الظلامية، التي نشرت الالحاد في معقل تاريخي ومهم من معاقل الإيمان والإسلام، بل الإحسان.

4. مارس 2014 - 21:46

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا