لا يمكن فهم ما يجرى فى موريتانيا اليوم من طعنات متتالية تستهدف هوية المجتمع وتماسكه منفصلا عن السياقات والفضاءات االعامة للمشهد الموريتاني منذ أن نفذ الجنرال محمد ولد عبد العزيز انقلابه على أول رئيس مدني مدشنا بذلك قطيعة مع أصالة موريتانيا الدينية والقيمية الناظمة لمجتمعها.
و لعل موريتانيا الأعماق التى بشر بها الجنرال محمد ولد العزيز هي ما بدأت مخاضاتها بهذه الطعنات الموجهة لهوية المجتمع الدينية ولتماسكه وهي التى عبر عنها ذات يوم فى إيحاء دلالي بما يؤسس له من صياغة لموريتانيا " العزيزية" القادمة بمجتمع مجتث الجذور مقطع الأوصال نزع من أمشاج وثنية ما قبل دخول الإسلام لهذا الصقع لا ثوابت تعصمه ولا مرجعيات يحتكم إليها هي فعلا موريتانيا تسودها فردانية مقيتة منفلتة من الدين والعقل والعرف و تعيش عالما افتراضيا لا تحسن التزحلق مع إحداثياته ولا السباحة فى بحره اللجي الذى تسوطنه أسماك القرش وتهجره الدلافين، تتلقف الأمواج سفينه التائه بلا شراع ولا رسو ينهى سفره السزيفي .
قراءة لحادثة إحراق كتب الفقه المالكي قبل سنتين تكشف أن للدولة يدا وذراعا وقدما راسخا فى ما يجرى مع أن هذه الحادثة لم تكن سوى وخز إبرة من يد مخدر يقيس استجابة خلايا الجسم الموريتاني لعقاره الهجين المميت لعصب الإحساس يشهد لهذه الفرضية تصريحات حامى العمل الإسلامي _ كما يحلوا لفقهاء البلاط أن يسموه_ فى استقباله لجموع الجماهير التى خرجت نحو القصر منددة بالفاعل والفعل حين استقبلها مفتعلا التأثر منتقيا الكلمات المؤثرة فى العواطف الغاضبة بقوله إن موريتانيا دولة اسلامية وليست علمانية ثم يسدل الستار على المشهد وتفتح زنزانة السجن عن البطل لتمنح له الأوسمة الدولية احتفاء بفعله الذى لم يسبق له فى دولة دينية نصانية بعد احراق التتار لمكتبة بغداد ويحصد الجنرال نتائج كبيرة من سحب البساط من معارضة كادت اعتصاماتها ومسيراتها أن تطيح بحكمه .
و يأتى حدث آخر أكثر تأثيرا وأشد وقعا اختار له بطله الأين و المكان المناسبين و الحصن الأقوى حين تبرع للوبي الصهيوني بأساطير تنضاف للأساطير التى أسسوا عليها دولتهم ليخرج الرئيس من أسوار قصره مكررا نفس الكلمة _ موريتانيا دولة اسلامية_ و يصرف الأنظار من جديد عن خطاب المعارضة الفاتر الرافض للانتخابات المشككة فى نزاهتها محاولا توجيه الحراك الجماهري المطالب بتطبيق الشريعة فى الفاعل الذى أخذ ينحو منحى تنظيميا ما لبثت الأجنحة الأمنية أن تخطفته وحجمت دوره فى أعمال الشغب والنهب وصرفت أنظار المجتمع عن أهدافه التى بدأت نبيلة فى أيامها الأول.
و تتسارع وتيرة الأحداث باستهداف واستفزاز المشاعر الدينية من صفع العلماء بالملأ وما حادثة الإعتداء على الشيخ الدوو ببعيدة عما يجرى ومنفصلة عن الرسائل التى يراد توصيلها بضرب المجتمع فى هويته الدينية التى هي الموحد لمكوناته ولن ينتهي الاستهداف بحادثة تدنيس المصحف البارحة التى صنعت بأعين النظام وإن شكك فيها وزير اعلامه وقلل منها الوزير الفقيه وخرج عن النص الخليلي الذى حاول الاستنجاد به دون جدوى .
فهنيئا للشاب الذى سالت دماؤه الزكية دفاعا عن المحظرة الشنقيطية وعن المصحف الشريف فى وقت يتملق هؤلاء للجنرال بتدشين قناة المحظرة وطباعة المصحف ولم تقشعر جلودهم لتدنيس المصحف وإذلالهم الشناقطة فى محيطهم الاسلامي والعربي .
دون استحياء حتى بلغ بهم الحال أن خلعوا ثوب الإنسانية ولم يترحموا على الشهيد الذى سقط دفاعا عن المصحف الشريف .
فيا صاحب العمل الإسلامي وباعث مشاريعه العملاقة للأول مرة فى تاريخ الجمهورية الإسلامية الموريتانية وأنت رئيسها يساء على الرسول وتدنس المقدسات الإسلامية فى بلاد شنقيط .
فما السسبب فى هذا أيها الوزير الفقيه.