لا زلت من الحذرين من الخوض في حادثة تمزيق نسخ المصحف الشريف الليلة الماضية في أحد مساجد مقاطعة تيارت، أولا لأن ملابساتها لا زالت غامضة، وثانيا لأنني اطلعت على شهادة من شخص من جماعة المسجد هو الأستاذ محمدُ السالم ولد جدو هو بالنسبة لي عدل، وأعتقد أن الكثيرين اطلعوا مثلي
على ما قدمه هذا الأستاذ كشاهد حضر صلاة المغرب في هذا المسجد قبل الحادثة، وصلاة العشاء بعد حدوثها، وما اظهرته هذه الشهادة من تهافت القصص التي نجست حولها..
ومهما يكن فلا جديد في الأمر، سواء كانت الحادثة مجرد شبهة وغير مدبرة، أو كانت مدبرة ووقعت بالطريقة التي أوردها بها المراهق الذي زعم أنه شاهد وقائعها، وهو بالمناسبة الشاهد الوحيد.. لا جديد إذن في الأمر، وإن كانت المرة الأولى التي تُستفز فبها مشاعرنا كمسلمين، بالعبث بالمصحف الشريف على أيدي مواطنين من أبناء البلد كما زُعم، فليس بالجديد العبث بالمقدسات الاسلامية، وسب وإهانة النبي من طرف الكفار والمنافقين والقصص حول ذلك كثيرة، وليس من المعقول أن يحدث ذلك في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ويخلو منه عصر اليوم، وليس جديدا كذلك أن المسلمين مستهدفون في وجودهم وعقيدتهم ووحدتهم من طرف جهات معروفة، وبطرق مدروسة ومخططات غاية في الحبك.
لسنا إلا جزء من هذا الجسم الإسلامي المستهدف، ولم يؤخر مستهدفونا استهدافنا لقوتنا ولا لاستعصائنا على الإختراق، وإنما من أجل البدإ بساحات أخرى تحظى بالأولوية بالنسبة لهم استراتيجيا، وغسل أيديهم من تمزيقها وتخريبها بأيدي أهلها، وقد غسلوا أيديهم فعلا من تلك الساحات، بعد أن جعلوها تغرق في صراعات ومتاهات سيأخذ خروجها منها قرونا إن هي خرجت منها، وقد جاء الدور علينا، ولا شك أن هناك في الداخل من كلف بتهيئة الأرضية لكي تكون المعطيات جاهزة والعمل أسرع، وقد كنت دوما أضع يدي على قلبي قلقا على مستقبل البلد والمجتمع، من عمل المنظمات الغربية العاملة تحت يافطة العمل الإنساني، والتي نجدها في أعماق البلد تسكن على الفراش مع أناس سذج في الغالب ومحتاجون، تدعي أنها تساعدهم، مرة بزراعة متر مربع من الخضروات لا يسمن ولا يغني من جوع، ومرة بإقامة فرن محسن وغير ذلك من الأنشطة التافهة، وحتى لو كانت ذات قيمة فإن ضررها وانعكاسها على وحدة وتماسك المجتمع أكبر من قيمتها، وتجد أفراد هذه المنظمات يتعلمون لغة السكان و عاداتهم وتقاليدهم بحجة التعارف والتقارب بين الشعوب.. ومن خلال ذلك حصلوا على بنك معلومات عن موريتانيا جاهز الآن لكل من يريد استغلاله، وكنت في بعض الأحيان لا أتمالك نفسي عن مفاتحة السلطات في هذه المناطق التي تتواجد بها هذه المنظمات، معبرا لها عن ريبتي وقلقي من أنشطتها فيقولون لي : دع الناس يعيشون!
خرجت في الليلة التي وقعت فيها هذه الحادثة، بعد أن قرأت الخبر على بعض المواقع وسمعت أصوات الاحتجاجات، فإذا بجموع من المواطنين، صحيح بينها أناس راشدون يهتفون بالتكبير تنديدا بالحادثة وحق لهم ذلك، لكنني لاحظت أيضا أن السواد الأعظم من المتظاهرين هم من المراهقين الذين أعرفهم في الشارع وبآذانهم سماعات الأغاني الراقصة وسراويلهم تتدلى حتى عراقيبهم، وكان السواد الأعظم من المتظاهرين في الصباح الموالي أيضا من هذه الفئة، وكان أول ما خطر ببالي حول هذه الحادثة هو أنها عمل مدبر لا يستهدف المصحف ولا الدين، وإنما إشعال شرارة يكون لها ما بعدها.. بغض النظر عن مدبر هذا العمل داخليا كان أم خارجيا، وكنت أناقش الفكرة مع بعض المتظاهرين والمتفرجين، فوجدت قلة قليلة منهم مستوعبة وواعية للموضوع، أما الغالبية فلا تعرف ماذا يجري، فتبادر لي أن السلطات مطالبة اليوم قبل غد بحملات تثقيف وطنية ومواطنية مستمرة ومكثفة، تجعل المواطنين يعون ما يحاك ضد وحدة وأمن واستقرار بلدهم، فلا يقل ذلك أهمية عن العمل على جبهات أخرى كتوفير الخدمات ومكافحة الفقر..
تصفحت المواقع الإخبارية وفتحت الإذاعات والقنوات، فإذا بالغالبية منها تتحدث عن خمسة قتلى وتارة ستة وسبعة وعشرات الجرحى، وعناوين من قبيل : نواكشوط تحترق، والأمن يفقد السيطرة على الوضع، والمتظاهرون يحتلون مباني كذا..! فازددت قناعة بأنه على السلطات أن تضع حدا لهذا الانفلات الإعلامي المدمر والمتخطي لكل الحدود، فأف لمكانة متقدمة على مستوى حرية التعبير عالميا، إذا كانت ستكلفنا بقاءنا!
تابعت مواقف ساستنا فازددت أيضا قناعة بأن عليهم أن يكونوا " فارهين " سياسيا.. فاعتلاء صهوات مطايا الاحداث، ليس عملا سياسيا بقدرما هو جبن وانتهازية، وإذا لم يأت على ماتبقى من مصداقية فإنه بالتأكيد لن يزيد من منسوبه، خاصة لمن لم يسترح بعد من وعثاء الدوران حول النفس على ظهور مطايا لأحداث أخرى، تبين أنها تنطلق من نقطة لتعود إليها، فلا تجلب الانتهازية لصاحبها إلا الاتهامات له بالإفلاس، إذ لو كان يملك أدوات إقناع أخرى لما لجأ إليها! كما أن البكاء بلا دموع يسمى تباكي.. وحتى لو كان بدموع فإنه لم يجلب لمن لجأوا إليه التعاطف، فقد كان رضوخ حزب الله لقرار مجلس الأمن بتمركز قوات " اليونيفل " في جنوب لبنان، هو ما أوقف الغارات الإسرائيلية في حرب صيف 2006 وليست دموع فؤاد السنيورة، كما كان النفط الليبي هو من حرك صواريخ اكروز لدك طرابلس، وليست دموع عبد الرحمن شلقم.. وللعلم فالمستهدفون لبقاء وأمن ووحدة بلدنا لا يهمهم من يحكمه.