ديمقراطية التعيينات :من الحزب إلي الدولة ..! / الحاج ولد المصطفي

تشبه الديمقراطية في ظل حكم الفرد النظام الملكي ، فالحاكم هو وحده من يسمح لنفسه بالبقاء أما الأشخاص في- أعلي الهرم وأسفله- مجرد أوراق يحركها حيث يشاء ومتي  يريد . إن المتتبع للمجلس الطارئ لما يسمي بالحزب الحاكم والذي تحول بدوره سريعا إلي مؤتمر

 طارئ سوف يخرج بملاحظات لاتبتعد كثيرا عن الطابع العام لممارسة الرئيس لصلاحياته في تسيير الشأن العام وتعين الحكومات ومنح الوظائف في الدولة كلها .إنها ذات الطريقة في تسيير الأشخاص وإن اختلفت التسميات من تعيينات في مناصب الدولة إلي انتخابات في حزب سياسي...!

لم يجرؤ انقلابي أو حاكم لموريتانيا - فيما مضي- علي تسمية نفسه ب"ملك البلاد" ومع ذلك تشبه ممارسة القادة العسكريين في بلادنا تصرفات الملوك وتتفوق عليها أحيانا كثيرة ...

الديمقراطية كممارسة سياسية تتأسس علي الوعي الثقافي والسلوك المدني وهي السبيل الذي اختارته شعوب العالم الحديث  لتحقيق العدالة والمساواة والتنمية والمشاركة الواسعة لقواها الحية....

لكن الديمقراطية الموريتانية في نسختها "الرابعة" تشرف علي إنتاج "ملك الملوك "، فالدبلوماسية الخارجية ركزت جهودها في الآونة الأخيرة من أجل أن يتبوأ ولد عبد العزيز أعلي المناصب علي مستوي القارة: رآسة الإتحاد الإفريقي .في الوقت الذي تحرم فيه البلاد كلها من التصويت في الهيئات الدولية بسبب عدم دفع مستحقات بسيطة، كان يمكن أن توفرها رحلة واحدة للرئيس إلي مقر رآسة الإتحاد الإفريقي لمزاولة مهامه الترفيهية.

والحزب السياسي الحاكم باسم الرئيس يهيئ نفسه هذه الأيام لخدمة مشروع رئيسه الإنتخابي ...لقد دخل هذا الحزب بشكل ديناميكي يشبه عمل الآلة الميكانيكية في اجتماعات مجلسه الوطني ثم مؤتمره الطارئ ..

ساعات قليلة كانت كفيلة بالإطاحة بأول رئيس منتخب لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية يفترض أنه لا يقال إلا من هيئات الحزب القاعدية:

- لم يمضي فترته الأولي...

- ولم يعط الحق للترشح لرآسة ثانية...

- ولم يعلن عن أسباب وجيهة تبرر ترك الرجل موقعه الشرعي ، سوي ما قيل من أن منصب وسيط الجمهورية ربما يشغله تعويضا له عن الخسارة الحزبية ،وكأن معادلة النظام مع أشخاصه الأوفياء معدة سلفا ،فهم يرضون بالقليل عندما يتعلق الأمر بخدمة الرئيس (الملك) !.

إن الأمور الجارية تبيح لنا القول بأن مناخا من التملق بات يقود البلاد إلي مستوي منحط من تقديس الحاكم وخدمة مشاريعه وأهدافه لأغراض نفعية بحتة ...فعندما يسخر الأطر والمثقفون والسياسيون أنفسهم وخبراتهم لتغذية غرور الأفراد وتوفير الوسائل الكفيلة بجعلهم يتصرفون كما يشاؤون دون أن ينتقدهم أحد ..عندها لابد أن نسأل:

كيف يرسم النظام- والحالة هذه- خريطة توزيع الأشخاص وتحديد الأدوار لهم داخل أجهزة الدولة أو في البرلمان أو في الأحزاب السياسية ؟

إن خطة النظام تقتضي إظهار الشخص- مهما كانت منزلته- كبش فداء ينحرعلي مسالخ التملق للرئيس كلما دعت الحاجة لذلك .وقد رأينا القرابين تقدم تباعا في الوزارة من خلال تجريد المقربين ورميهم في الشارع دون مبرر وجيه ،أو تنحيتهم من إدارات المؤسسات لأسباب لا يعلمها حتي صاحبها .وهانحن نتفرج اليوم علي انتزاع الثقة عنوة من رجال خدموا النظام في أوقات صعبة وأضفوا علي تصرفاته الفوضوية المصداقية، بل إن رئيس الحزب (المعزول) كان بمثابة الواجهة الأخلاقية المقبولة والتي لم تكن تناسب طبيعة النظام. وسيمثل اختيار أشخاص أقل أخلاقية وقبولا توجها جديدا في استيراتيجية إدارة الأشخاص ربما لأن القيادات الجديدة ستكون أكثر ملاءمة لنهج جديد يراد للبلاد أن تدخل معه عصر الملكية المقنعة والقبضة الحديدية إقتداء بالسيسي في مصر. وقد بدأت بوادره تلوح في الأفق مع إغلاق جمعية المستقبل ومحاصرة أنصار النظام لتلفزيون المرابطون والحديث الدائر حول مخطط يجري تنفيذه للتضييق علي التوجه الإسلامي عموما والشيخ الددو خصوصا ..

إن المأزق الذي يمر به النظام أصبح حرجا في ظل توجه عارم لأطياف قوية من المعارضة الوطنية ، بدأت تعمل بجد من أجل إسقاطه في الإنتخابات القادمة ،وربما دفعه ذلك إلي تصرفات طائشة اتجاه الأحزاب السياسية الفاعلة في الحراك الجاري: (حزب تكتل القوي الديمقراطية والتنمية والإصلاح واتحاد قوي التقدم وحاتم وغيرها ) وقد بدأ ت  الإعتقالات في صفوف الإعلاميين وظهرت مؤشرات واضحة في تعبيرات وزير الإعلام وقرار حظر جمعية المستقبل الدعوية والخيرية.

إننا أمام شرعية مطلقة يسعي النظام إلي منحها لرئيسه ليتوج نفسه ملكا وقد يدفعه تملق وارتزاق البطانة إلي القيام بمغامرة "دستورية" و"ديمقراطية" جديدة ، لكنها لن تكون في النهاية سوي "ملكية معلنة "...

الحاج ولد المصطفي: [email protected]

7. مارس 2014 - 1:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا