سياسة تجفيف منابع الخير.! / الحاج ولد المصطفي

ليس جديدا علي بلادنا أن تقوم السلطات الموريتانية بالتنسيق مع أطراف دولية معروفة بفرض حصار علي أرزاق الشعب الضعيف بدوافع سياسية واضحة للمراقبين .لقد كان قرار حزب تواصل (الذي يجاهر بمرجعيته الإسلامية رغم أنه حزب سياسي مدني ككل الأحزاب الوطنية الأخري) بالمشاركة في المهزلة الإنتخابية الأخيرة بمثابة "الضربة التي قصمت ظهر البعير" فقد أربكت النظام وأظهرت ضعف نفوذ حزبه

وشخصياته البارزة وأزعج نجاح الحزب النسبي رغم التزوير رأس النظام وألقت نتائجه بظلالها علي مشاريع النظام المستقبلية وفي مقدمتها الإنتخابية الرآسية ، كما أجبرت تلك النتائج النظام علي التعامل مع شريك سياسي مزعج بتوجهاته الشعبوية وأياديه البيضاء علي الناس من خلال جمعيات ومؤسسات خدمية هي جزء من المجتمع المدني و تمثل دعما قويا لجهود الحزب الإنتخابية .فهل ينجح ولد عبد العزيز  في ما فشل فيه ولد الطايع ؟
تعتبر الجمعيات والمؤسسات الخيرية ركنا أساسيا في دعم المحتاجين من خلال توفير المعونات الضرورية للحياة اليومية للمواطنين وهي جزء من المجتمع المدني بمفهومه الواسع والذي يشمل(كل الأنشطة التطوعية التي تنظمها المجموعات من أجل  تقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة). ويجوز في مفهوم المجتمع المدني أن (يجتمع مواطنون خارج دائرة العمل الحكومي لنشر الوعي المجتمعي حول السياسات، أو ممارسة الضغوط بشأنها، أو تعزيزها ومعاقبة صانعي السياسات أو مكافأتهم).
و يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى جمعيات ينشئها أشخاص تعمل لنصرة قضية مشتركة. وهي تشمل(المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية ومؤسسات العمل الخيري ( - حسب أبرز التعريفات المتداولة - أما الميزة المشتركة التي تجمع بين منظمات المجتمع المدني كافة على شدة تنوعها، فهي تتمثل في استقلالها عن الحكومة ،ولعل هذا الطابع الاستقلالي هو ما يسمح لهذه المنظمات بأن تعمل على الأرض وتضطلع بدور هام في أي نظام ديمقراطي يحرص علي مصالح شعبه وتنمية دولته .
إن المبررات التي ساقتها الداخلية لتبرير قرار إغلاق جمعية المستقبل الخيرية تقول إن الجمعية خالفت القوانين من زاويتين إحداهما: تتعلق بمصادر التمويل - دون تقديم معلومات دقيقة حول تلك المصادر- فهل يمكن أن يكون ذلك سببا مقبولا في عرف المجتمعات والدول؟
إن البحث عن المعونات والإستثمارات الخارجية هو ديدن الشعوب والمنظمات والدول ولم يحدث أن سمعنا أو رأينا السلطات تحارب المؤسسات والأشخاص الذين يعرف الجميع أن مصادر أموالهم مشبوهة وأنهم يعملون لصالح جهات تخريبية والدولة المويتانية نفسها تلقت التمويلات من إسرائيل وإيرن والسعودية وهي كلها تمويلات مرتبطة بطموحات إديولوجية لدي تلك الدول( هذا إذا كنا قد تعودنا علي قبول أموال الغرب الإستعماري والصليبي كمصدر مشروع حسب القانون الموريتاني) .ثم يأتي المبرر الثاني والمتعلق بتصرفات تقوم بها الجمعية :لم تشرح الوزارة طبيعة تلك التصرفات لكننا نفهم أن الأمر يتعلق بتوفير الدعم والمؤازرة لمرشحي حزب الإصلاح والتنمية بل إن رئيس الجمعية نفسه نجح في دخول البرلمان علي حساب مرشحين مخلصين للنظام في انواكشوط .
إن جمعية المستقبل الخيرية مارست أدورا إيجابية في تعليم النشء ونشر قيم المحبة والمساواة وعملت كل ما في وسعها من أجل التعامل الشفاف والواضح  وكانت أبوابها مفتوحة دائما وعملها التطوعي مشهود له بالمصداقية والنجاعة،وكانت حاضرة في الكوارث الطبيعية والمناسبات الدينية والإجتماعية والثقافية .كما يعتبر مركز النور الطبي أحد أهم إنجازات المجتمع المدني الموريتاني في مجال الصحة من خلال استقبال مئات المرضي يوميا من الضعفاء والمعوزين وذوي الحاجة ممن لا يجدون لدي مستشفيات الدولة أي عناية أو مجرد استقال وكان قرار إغلاق مدارس تعلم التلاميذ في وقت يشهد فيه التعليم النظامي انهيارا وترجعا وعجزا ملحوظا عن استيعاب الطلاب ..كل ذلك يقودنا إلي اعتبار أن ما يجري نابع من إرادة خارجية كتلك التي عملت علي الإطاحة بالنظام الشرعي في مصر ودفعت البلاد إلي نفق مظلم لاتزال تتخبط فيه بعد أن شهدت ثورة أبهرت العالم وتكالب علي إثرها الأعداء ( من الخارج والداخل) لتتحول ساحات مصر إلي ميادين للقتل والإضطهاد والظلم .
وقد سجلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة تدهورا خطيرا في حالة حقوق الإنسان في مصر من خلال محاصرة العمل الأهلي والاعتداء على استقلال القضاء وحرية الإعلام والحقوق السياسية للمواطن المصري ..
إن ذات المشهد يراد له أن تنتقل عدواه إلي بلاد أخري يخشي العدو المشترك  من خطر نجاح التيار الإسلامي فيها .وليس غائبا عن أذهاننا مايجري من اتصالات حثيثة وتنسيق أمني مع السعودية والجزائر والإمارات العربية المتحدة وهي الدول الراعية لهذا التوجه التخريبي والتآمري في مصر والبلدان العربية الأخري .
لكن النظام الموريتاني يدرك أن فرصة نجاح انقلابه الأول كانت بسبب ذات الممارسات التي أشار بها متربصون وقتها بالنظام وسرعت بزواله وإقصاء رموزه البارزين وهاهي الدائرة تدور علي أوليك الأشخاص من جديد لتوقعهم في نفس الفخ السابق ..ومهما كانت لنا – كمعارضين- في ذلك مصلحة عظيمة إلا أننا لانتمني لبلادنا أن تدفع في كل مرة ثمن التهور والغباء من خيرات شعبها وتماسك لحمتها وانسجام شعبها .
إن الأحزاب السياسية المعارضة كلها أحزاب إسلامية وجمعياتنا ومنظمات الأهلية كلها ذات مرجعية إسلامية واضحة فلا سبيل لعزل هذا الشعب المسلم عن قيم دينه وحضارته وثقافته ولن يكون ذلك مجديا في التمسك بالسلطة والمحافظة عليها ..


الحاج ولد المصطفي : [email protected] 

8. مارس 2014 - 12:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا