كما لم يكن متوقعا من أرض المنارة والرباط أن تنبت إلحادا لم يتوقع كذالك ملحدوها أن ينتفض الشعب المنهك بسبب سلسلة الاستفزازات المنظمة, بتلك القوة التي أربكت صاحب العمامة البيضاء رئيس العمل الإسلامي فغابت إطلالته المعهودة التي عادة ما يردد فيها كلمات من قبيل: تطبيق الشريعة وتوزيع الموجود من العدالة, ويختمها بإعلان الدولة الإسلامية غير العلمانية ذات المسجد الواحد والمصحف الواحد,والرجل الواحد.
وقد يظن السذج من الناس أن سبب حرمانه للشعب من تلك الإطلالة هو استشعاره الحرج من وعود سابقة سار على النقيض منها مما جعل الملحدين يتفاءلون بطول السلامة عند كل تهديد أو عيد من الجنرال.ولسان حالهم يقول:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا@أبشر بطول سلامة يا مربع وانتشاء هؤلاء بالنجاة من العقاب أغراهم بالمزيد من الإيغال في الإلحاد والاستفزاز , لذلك فاحتمال حياء الجنرال من الخرجة الثالثة له في نفس المكان ليعطى نفس الوعود العرقوبية أمر غير وارد, ويبقى الاحتمال الثاني وهو: خشيته – ربما- من أن يسمع "الصيحة" من فوهات حناجر الغاضبين,في عتمة ليل الإلحاد والاستبداد الذي عهده ساكنا لا يزعج طفلا في حضن أبيه,ولا يقطع تفكيرا في صفقة تداعب خيال تاجر أو مقاول.
أما وقد اهتزت أرجاء القصر بما يفزع الشعور ويقطع خيوط التفكير فإن الانسلاخ من جلد الثعلب الوديع الحاني على شعبه أصبح ضرورة ملحة, فكان أن خلع ثوب الواعظين ولبس لأمته وتترس بالحرس والعسس من أولى البأس والقوة في مواجهة الشعب الأعزّل فأمطروه بعارض من فوقه بقنابل مدمعة, ورصاصا مدميا خر له الشهيد -بإذن الله- معذرا إلى الله يتضمخ في دمه وكأني به يقول (ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) .
أما ما لم يتوقعه أكثر المتابعين فى اليوم التالي فهو أن يعتبرها الجنرال فرصته لإشباع غريزة الانتقام لديه من ألد الخصوم السياسيين الذين يعتبرهم مصدر الصداع المزمن وأصحاب الصراخ الأقوى من وطء الجراح إنهم الإخوان المسلمون,الإصلاحيون الوسطيون - سابقا -التواصليون بين هذا وذاك ,المعارضون الناصحون والناطحون معا, فالمهم أنك لن تجد في مفرد اتهم كلها إلحادا في اسم أو صفة لكننا في "غير المتوقع " دائما, فقد كانت أولى خطوات اليوم التالي ليس إلى مقاهي الإلحاد ولا إلى أوكار الظلام بل باتجاه إغلاق باب المستقبل وحجب النور أمام الجاهل ليتعلم والبائس الفقير ليطعم والمريض الضانى ليصح!
و خطوة الإغلاق والمصادرة تلك وإن فاجأت بعض المتابعين إلا أن أكثرهم سذاجة كان يدرك أن معركة الجنرال مع من يعتبرهم رأس الحربة الذي يحول بينه وبين ما يشتهي من استبداد وفساد هي من المعارك المؤجلة وإن حانت تلك اللحظة,فيجب أن تكون في غير هذه المناسبة, وإن كان الوضع يتطلب استعجالا فمن المتوقع أن يكلف الجنرال نفسه عناء تبريرٍ ما, من قبيل رعاية جمعية المستقبل للإرهاب, أو فتح مخازن السلاح التى استولت عليها قوات الأمن في سراديب الجمعية أمام وسائل الإعلام أو الإشارة إلى قربها من كتيبة الدروع, وبيان ما يمثله ذلك من شعور مفزع للمواطنين الذين يحرص الجنرال على صحتهم البدنية والنفسية والعقلية, فكل ذلك كان متاحا للجنرال لو أراد وما عليه إلا أن يفتح باب الخوف والرجاء ويعلن النفير العام والنداء في المدائن أن اخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ,ولن يعدم من أصحاب الألسنة (الملاعق) من يؤجر حنجرته الندية بمقدار غصة حلقوم من سحت, كما لن يعدم من أصحاب الفقه في الدين للدنيا فقيها ناطقا بدرهم أو ساكتا بمنصب.
لكن الجنرال – بادئ الأمر- لم يعبأ بتلك التبريرات ولم ينتظر مناسبة مقنعة ربما إمعانا في غير المتوقع وقد ساعده في عدم انتظار المبرر محدودية التفكير وعدم الحاجة إلى التبرير فى ظل وضع دولي وإقليمي مساند أو ربما مستثمر لديه عرض لا ينتظر المزيد من الوقت.
ولعل هذا ما أغرى عزيزنا بفتح الباب أمام خفافيش الظلام وأدوات البغى والظلم البائعين لدينهم بدنياه الذين لا يعصون له أمرا ولا يبتغون بالعبودية له بدلا -وكما قيل – لو نزلت علي مثل هؤلاء الحرية من السماء لاستظلوا عنها بالمظلات ولو أضاءت لهم الدنيا لأغمضوا أعينهم عن ضيائها فهم يعملون بين يديه وبإذنه فاليتمتع جنرالنا بهم قليلا فإنه لا يدري متى يطرقون بابه رسلا من غيره, وما عليه - وهو في سكرة انصياعهم لأمره - إلا أن يعدهم ويمنيهم ويغريهم بالحاضر بما يعميهم عن المستقبل وسيجدهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ويفضلون عيش حاضرهم ولو في ظلام بهيم على مستقبل من ضياء ونور عميم.
وليشغلهم "الجاني رال" بعدو وهمي غير ذي بأس هو الإسلام الوسط وأهله ومن في المقدمة من المصلحين وليشغل بهم شعبا يكابد تفاصيل الحياة المغلقة الأبواب والذي أصبح أمام سؤال مفتوح: أي داهية سيستيقظ عليها يومه التالي ؟