إن إغلاق جمعية المستقبل وما رافقها من ممارسات أوضح أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يسلك طريق ولي نعمته الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع خطوة بخطوة . وأفصح - بلسان الحال - أنه ينتهج سبيله
و ويتحلى بسلوكه خاصة أثناء التضييق على معارضيه السياسيين الذين غالبا ما يشدد عليهم الخناق أمنيا كلما فعلوا ذلك سياسيا أي: بعد كل انتخابات مؤثرة تجري في البلاد .
وحين نعود إلى شواهد التاريخ نتذكر أن الرئيس السابق معاوية ولد الطايع قام بحملة اعتقالات واسعة بعد أن استقرت الأوضاع عقب الانتخابات الرئاسية عام 1992م. تلك الاعتقالات التي توسعت واشتدت وطأتها عام 1994. طالت الجميع بمن فيهم الإسلاميين الذين أصبحوا الأكثر عددا داخل السجون، رغم أنهم الأقل عدة في المشهد السياسي الذي كان لا يزال طور التشكل آنذاك.
بعد الانفراج الأمني استمر الانسداد السياسي ووصل إلى حد أن حزب اتحاد القوى الديمقراطية "عهد جديد" اتخذ قرار بمقاطعة انتخابات الرئاسية عام 1997 فاسحا المجال أمام رئيس "الجبهة الشعبية" اشبيه ولد الشيخ ماء العينين حيث حصل على المركز الثاني الذي أوصله مباشرة إلى السجن والترحيل منفيا إلى مدينة لعيون عاصمة ولاية الحوض الغربي بعد إعلان النتائج ببرهة من الزمن.
ولا شك أن ينبوع ذاكرتنا حول الاعتقالات التي طالت الرئيس السابق محمد خونة ولد هيدالة وداعميه من الإسلاميين بعد احتلالهم للمركز الثاني في الانتخابات الرئاسية بتاريخ 7/11/2003 لم ينضب بعد.. حيث خلف ذلك الحدث جراحا نازفة في الذاكرة الجماعية للشعب الموريتاني. حينما حاول نظام معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع ركوب موجة الإرهاب وحالة الهلع التي اجتاحت العالم بعد أحداث 11 سبتمبر. من أجل تسويق خطاب تطرفي مزعوم عن الإسلاميين وفي مقدمتهم العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو حفظه الله.
إن استقراءنا لتلك الأحداث جاء من أجل تفسير طبيعة الاستهداف الذي يتوجه به الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز صوب الإسلاميين هذه الأيام. بعد أن استطاعوا الوصول إلى المركز الثاني خلال الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت في 23/11 و21/12/2013. ثم إن حملة التضييق المستغرب والمدان تأتي بعد أن أحس ولد عبد العزيز بالخطر من النتائج التي حققها حزب "تواصل" في الانتخابات السابقة، والتي زادت هواجس النظام من أي خطوة محتملة قد تتطور إليها النتائج في قادم الانتخابات. كما أنها تندرج في إطار تأثر الرئيس الحالي بسلفه ومحاولته السير على منهاجه – ما أمكن – في إدارة دفة الأمور.
لكن ما لا يدركه الرئيس الحالي أن معاوية - رغم كل سوءاته وسيئاته - كان يملك من الذكاء ما جعله يبقى بعيدا عن مواطن الشبهة المالية التي غرق فيها محمد ولد عبد العزيز إلى أذنيه. كما أن الأول كان يسعى إلى أن يكون متغلبا على المجتمع يرقب حركاته عن كثب ويلاحظ سكناته. بينما سعى الأخير جهده إلى إبادته عبر السير به سريعا في طريق الفناء. عاملا من أجل ذلك على تجويعه وترويعه.
إن الاستهداف للجمعيات الدعوية والتعليمية والخدمية لا يعدو كونه حلقة في سلسلة من الأحداث المتتالية في مسارنا "الديمقراطي" حيث لم نتخلص بعد من منطق الاستعلاء من جهة ونظرة الدونية من جهة أخرى. الأمر الذي يؤكد أن ثمرة الديمقراطية في موريتانيا لم تنضج ولم تستوي على سوقها بعد.
أخلص إلى تلك النتيجة دون استبعاد الظرف الحالي الذي يمر به عالمنا العربي خاصة على الصعيد السياسي.. ودون أن أهمل سمة الشراهة المالية الذي يتحلى بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز. ودون أن أتناسى التغييرات التي طرأت على منظومة المجتمع الموريتاني، وساهمت في إبراز بعض الفوارق التي كانت غائبة عن المشهد أيام الرئيس معاوية . كل هذه العوامل مجتمعة تؤكد أن طبقتنا الحاكمة (الدولة العميقة) لم تتخلص بعد من عقدة المركز الثاني، بل عملت جاهدة على اجترار الأساليب القديمة في التعامل معها بدون إجراء أي تبديل تكتيكي يراعي المتغيرات الإقليمية، أو حتى يتناسب مع الظرفية الداخلية وما طرأ عليها من مسائل جوهرية تستحق التوقف عندها ودراستها بتأمل لاشك أنه سيفيد في استخلاص بعض النتائج التي قد تكون ذا أهمية بالغة عند من يتبصر العواقب أو من يحسب لها حسابها.