لست بصدد الحديث عن أخطاء إقتصادية رقمية و لا حوادث فساد جدلية , و لا تعبير سياسي يعكس الخلاف التقليدي بين الطبقات السياسية , فالأمر يا سيدي الرئيس خطير و الخطب جلل , فقضية التعليم من أكبر الإشكالات التي التي لا يمكن تجاوزها , و لا إخفاؤها و لا تصلح للإستخدام السياسي الآني أو المرحلي .
التعليم هو الدولة , هو الأمة , هو الشعب و التاريخ , التعليم هو الهيبة و هو الدين الحنيف , التعليم وعاء الحضارة , مصنع الإنسان , صاقل العقل مهذب السلوك , و لا يجوز أن يكون دمية يتسلى بها حدثاء المناصب و الهمم , ولا كرسي إستراحة يجلس عليه كل مدفوع , و لا طرفا في معادلة الولاء المطلق للشخوص الزائلة و لا نقطة عبور نحو التقاعد , و لا حربة لطعن آمال الشعوب في تحقيق ذاتها و الحصول على جيل راشد.
لا يخفى على أي كان في العالم بأسره ما يعنيه التعليم و مكانة التعليم , و قدرة التعليم في تطوير حياة الشعوب و تقوية بنية الدولة و تحصين المكتسبات , إذ أن التعليم هو رافعة الأمم نحو الرفاه الإقتصادي و إقامة العدل و تحقيق السلم الإجتماعي و الإنسجام الأخلاقي.
لهذه الاسباب أخطأت مرتين يسادة الرئيس:
أخطأت منذ أشهر حينما عينت على التعليم رجلا لا يعرف عن التعليم إلا مشروع "باسك" الذي لا علاقة له به إلا ما كان من تلاعب بالتدخلات التي تضيع فيها مئات الملايين , من خلال الإختلاس و التلاعب , و قد كنا نعتقد أن تفكيك مملكة "ولد باهية" و "ولد لوليد" , كائنة و ستكون من أجل التعليم و إصلاحه لا من أجل توطيد أواصر الفساد و الضياع , فقد جاء الوزير الخطأ في مكان الوزير الخطأ و استمر في المصالح غير الصالح.
إن تعين السيد "با عثمان" وزيرا للتهذيب أيام الإنتخابات البلدية و النيابية لم يكن سوى فتحا للنار على هيبة التعليم المنهارة أصلا و الإجهاز على أنقاضه بالزج به في حسابات السياسة المقيتة التي لا تعرف للعلم حرمة و لا لشرف الرسالة هيبة , حيث قام الوزير الخطأ بإستغلال إستكانة و ضعف المديرين الجهويين بتسخير إدارات التعليم للمقايضات السياسية على أساس الولاء الإنتحابي , الشيء الذي جعل تلك الإدارات بمثابة فروع حزبية ترعى إكتتابات أشبه ما تكون بالجريمة المنظمة برعاية الدولة و على مرآى و مسمع من الجميع , يمتزج فيها الحزبي بالطائفي و الشرائحي بالعنصري حتى بلغت تبعات ذلك حد التلويح من بعض المدرسين بتنظيم عصيان مفتوح بسبب إحساسهم بهوان مهنتهم التي صارت متاحة للمارة و المتسولين.
و لقد أخطأت سيدي الرئيس عندما قابلت الفساد بالترقية و التكريم , حين عينت الوزير الخطأ مرة أخرى في المكان الخطأ و أوكلت إليه إدارة قطاع حساس يحتاج لإعادة الإعتبار , و التطهير من المتسلقين و المستلقين على أقفيتهم و هم يعبثون بهذا القطاع المنهك بالإغتصاب و الإكراه و الغش و السرقة و المحاصصة , و لا شك أن تمكين المفسدين من قطاع بهذا الحجم من المسؤولية و بهذا المستوى من الإنهيار لا يوحي بجدية الدولة بالإهتمام بمرتكز النهوض , و كأن هذا القطاع تلاحقه لعنات غالبية الفقراء المكدسين فيه بعشوائية منقطعة النظير.
سيدي الرئيس قطاع التعليم ليس قاعة إنتظار , و لا يجوز ان يكون بورصة , و لا مكتب توثيق لتحرير وثائق الصفقات , و لا حقل تجارب لكل من هب و دب , و لا منفى للمغضوب عليهم الغاضبين على كل القيم , المتنكرين للهوية الوطنية , بل يجب أن يكون حاضنة أمينة حكرا على شرفاء المهنة ممن خبروا الميدان و قدموا من العطاء ما يبرهن على جدارتهم و عفتهم و بياض أيديهم من الذين لا يزالون مؤمنين بشرف الرسالة المنوطة بهم و يحسون بحاجة وطنهم لأجيال تستحق التضحية و العمل الدؤوب بعيدا عن الممارسين للبيع و الشراء.
سيدي الرئيس : عليك أن تعلم أنه لا يوجد في بلادنا اليوم تعليم , و لا وزارة للتعليم و لا إدارة للتعليم , بل أوكار تمارس فيها الرذيلة المهنية التي لا تبقي و لا تذر و تعبث بمصائر الأجبال بسبب التسيب و قطرسة القائمين عليه , و تشبثهم بمناصبهم التي لا يعتقدون المحافظه عليها إلا بالتزلف و التزلف المضاد و التملق المطلق على حساب المواطن و الوطن.
الأستاذ : حمزه ولد محفوظ المبارك