مرة أخرى؛ من الذي مزق المصحف ؟ / محمد عبد الله ولد لحبيب

لا يفضل بعض بني جلدتنا، أو أبناء أمها، طرح هذا السؤال على ما يبدو، ولا يفضلون المضي غالبا إلى أبعد منه.  وأبعد من ذلك  لا يريدون أن يسأل أحد عن المستفيد من تمزيق المصحف؟.

الأمر يستنفر  "كتاب الرأي الكبار" ليقنعوا صغار القراء أن الأمر مجرد دعوة إلى الحرب. يجتزؤون ويُقَوِّلون الناس ما لم يقولوا . تلك ليست حربنا، ومن شب على شيء.

عندما قلت إن المستفيد الفعلي هو من يملك أدوات التوظيف لم أكن أعني غير ما هو واقع اليوم. من يملك أدوات التوظيف هو من يستطيع إقناع منتسبين كثر للعلم الشرعي، أحترمهم جميعا بلا استثناء في شخوصهم،  بالحديث إلى الإعلام رفضا للتظاهر  وسَوْق "الأدلة على إهدار دم المتظاهر" .

وهو من يملك وزارة للإعلام تصدر بياناتها وتعقد مؤتمراتها الصحفية، لتقول لأحفاد المرابطين إن ثقافة الشهادة جديدة على هذه الأرض، وإن  الاحتفاء بمن يموتون من أجل المبادئ ثقافة مستوردة غريبة على المجتمع.

أزيد معالي الوزير  من عندي أن الأكثر جدة علينا اليوم ليس الموت من أجل المبادئ، وإنما الحياة من أجلها.

من يمكنه الاستفادة هو من يملك سلطة للسمعيات البصرية، يمكن أن تصيبها ضغطةُ زر بإسهال بيانات؛  تنبيها وإلزاما وإنذارا. أتمنى أن يقف الأمر عند هذا الحد، لأنه يكفي.

ومن يملك وزارة للداخلية (لا أقول "وزيرا" لعاطفتي التي عرفتم تجاه الاسم العائلي) تحل الجمعيات الدعوية ثم تهين الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وهي توهم العامة أنها تكرمه. مفهومُ بيان الداخلية بشأن حل جمعية المستقبل: نحل الجمعية لأن الشيخ الددو "سطا عليها". لن أتعب نفسي هنا في البحث عمن سطا على مركز النور الصحي، ومعهد تعليم البنات.

من تمكنه الاستفادة من تمزيق المصحف، هو من لديه تعاقد، أصبح شبه معلن، مع حقوقيين مرموقين يتطوعون لتنبيه مناصريهم إلى أن الحكومة الاستعبادية هي من يعرف مصالحهم التحررية وعليهم التزام  تعليماتها. أرجو ألا يكون صديقي قد تردى من شاهق.

من تمكنه الاستفادة من الحادث الأليم هو من يملك قناة  وطنية جدا ومستقلة جدا "تعلن" (أفرق بين الإعلان والإخبار) عن تمزيق مصحف آخر في مسجد نائي المحلة، ثم تعود وتنفي إعلانها، وتدمج مع النفي  فقرات استعراضية إنشائية عن المسجد الذي مزقت فيه المصاحف. نفي ما أشبهه بالتشكيك!!. إنها بلادة في سياق النفي، ثم يتكئ مديرها العائد بعد استقالة صورية، على أريكة وزارة الداخلية، مسوغا قراراتها في مضايقة الحريات.

من مزق المصحف إذا؟ من استفاد من ذلك؟ من كان يمكنه أن يستفيد أصلا؟ لن أجيب هنا، سأتابع إلى محطة تجاوزها كثير منا.

"رواية" للخداع البصري

صبيحة يوم الفاجعة نشر المدقق اللغوي والأديب المعروف محمد سالم ولد جدُّ مقالا سرد فيه قصة تمزيق المصاحف بلغة رصينة وأسلوب سهل لا تكلف فيه.

نشرت مواقعٌ المقال بتصرف مريب في عنوانه أنتج بعض التشويش الذهني لدى قراء كثر.  تنتمي هذه الفعلة إلى فن اسمه: الخداع البصري.

كان العنوان الأصلي لمقال ولد جدُّ: "بصفتي من أهل المنطقة أعتقد  أن هذه حقيقة ما جرى". نُشر المقال بعنوان: "رواية أخرى لعملية تمزيق المصحف في مسجد تيارت".

المقال حذِرٌ  ومصوغ بعناية فائقة وتركيز شديد. لم يترك صاحبه، وهو المبصر لظلال كلماته، على ما يبدو، لذي أرَبٍ مقالا، حين وصف المسجد وصْف العارف، وعرَّف بإمامه، ووضع الحدث في سياقه زمانيا ومكانيا.  ذهب يؤكد رواية التمزيق بفعل فاعل، وبترتيب  متقن.  ذلك ما تقوله هذه الفقرة:

"وحين حان أذان العشاء جاء نائب المؤذن إلى الإمام حاملا مصاحف شريفة قال إن أطفال الكُتَّاب الذي يضمه المسجد وجدوها مرمية عند الميضأة (وليس داخل مرحاض، وليست محرقة) لم تبد بشاعة الأمر على حقيقتها للوهلة الأولى لأن الأوراق الممزقة أعيدت بشبه عناية بين دفتي كل من المصاحف الشريفة، ولم يبد إلا أن متسللا حاول اختلاسها فعاجله دخول المؤذن المساعد فألقاها ونجا بجلده. ولكن حين حانت الصلاة كانت نظرة واحدة على تمزيق أوراق المصاحف الملقاة على المنبر تبعث على اليقين بأن وراء الأكمة ما وراءها".

هذه الفقرة تقول إن العنوان الذي وضعته مواقع، من غير أن تُشعِرَ أن ذلك بإذن الكاتب، قصد إلى تحريف المقال، أو إرباك القراء غير الفطنين. هذه ليست رواية أخرى، كما أريد لنا أن نفهم. إنها نفس الرواية التي تداولها الناس من الوهلة الأولى، يؤكدها، بحصافة، رجل لا يصنف ضمن دارة المغرضين، ببساطة. تأملوا الفقرة أعلاه بعناية:

- المصاحف وجدت قرب  الميضأة. – تبين أن بها أوراقا مزقت وأعيدت بشبه عناية إلى مكانها من المصحف.

سؤالي هنا، هو: من الذي فتش المصاحف بعد أن وضعها المؤذن المساعد على المنبر؟ هذا ما أغفله رجل حصيف مثل ولد جدُّو. وليته لم يفعل.

لقد أسلمنا إلى الاحتمالات؛ هل تكشف حال المصاحف الممزقة أثناء وضعها على المنبر، والذي يفهم أنها وضعت قبل الصلاة؟ كيف لم يعرفوا أنها ممزقة لحظة وضعها إذا كان قد تكشف فعلا؟ ليست لدي إجابة.

سأمر إلى فقرة أخرى من مقال ولد جدُّ، ما دام هو متمَسَّكَنَا المكتوب الوحيد، الذي حرره صاحبه وكان حاضرا. يقول لنا ولد جدُّ  في الفقرة هذه إن أحد الحاضرين اتصل بالرئاسة، وكلم الرئيسُ الإمامَ وطمأنه إلى أن البحث سيجري عن الفاعلين. هنا أترك الأستاذ ولد جدّ ومقاله الرصين، وأعود لأسئلتي:

من هذا الذي كان موجودا ولديه اتصال بالرئاسة، حلقتِها الضيقة، ويُقبَل أن يتحدث الرئيس من هاتفه إلى الإمام؟

تشير معلومات شبه متواترة إلى أن مفتش شرطة يسير إحدى المفوضيات بتيارت، مسؤولة عن المنطقة التي يوجد بها المسجد، ينتمي لأسرة قريبة اجتماعيا من الرئيس  محمد ولد عبد العزيز، هو الذي كان حاضرا  في صلاة العشاء ذلك المساء، وهو من اتصل. هل كان يحضر الصلوات في المسجد؟ وهل يقيم قربه؟ إجابة هذه الأسئلة سلبا أو  إيجابا يمكن أن تساعد في كشف جوانب مهمة من القصة الغامضة.

يسجل الملاحظ هنا أن كل العاصفة التي خلفها تمزيق المصحف انقشعت عن إغلاق جمعية المستقبل، ورفع سيف الإغلاق، أو التأميم، على مركز النور الصحي وهيئات أخرى، يجمع بينها أن شخصيات من التيار الإسلامي تديرها. اعتقال مؤقت لقياديين بحزب التكتل، ومحاولة إلباس أحدهما تهمة التحريض.

وحملة إعلامية شرسة تستهدف التيار الإسلامي وبعض القوى المعارضة الأخرى.

كل هذا، واستأنف مولاي ولد محمد لغظف استقبال قيادات الأحزاب التي شاركت في منتدى المعارضة من النقطة التي توقف عندها، قبل المنتدى. وكأن شيئا لم يقع. لم يعقد منتدى، ولا مزقت مصاحف، ولا مات أحد، ولا حظرت جمعيات، ولا هددت قناة بالإغلاق. كل هذا وأنتم تسمعون، وأنتم ترون، وأنتم تتابعون.  

13. مارس 2014 - 21:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا