تازيازت: إمبراطورية المحاباة / محمد محمود ولد بكار

تعد موريتانيا دولة معدنية مهمة لدرجة أن البعض يقارن تنوع المعادن فيها بتنوع الأسماك، فهي  تمنح  رخص البحث عن جميع أنواع المعادن  مثل الذهب والنحاس واليورانيوم وغيرها، وتعمل بها  اليوم 86 شركة في مجال المعادن عبر 212 رخصة بحث و11 رخصة إستغلال،

  هذا دون احتساب قطاع النفط بالطبع.  ومع كل هذا لا تحرك المعادن 1% من اليد العاملة في البلاد، كما لا تملك موريتانيا مسحا شاملا أو معلومات  وافية عن  أرضها، ثم إن شركات التنقيب تحتفظ بالمعلومات لنفسها أو علي الأقل الأساسي منها، وربما يكون ذلك أحد أسباب ضعف  شروط  الإستثمار.
لقد خلص صندوق النقد الدولي إلي نتيجة مخيبة للآمال عقب جولات له  في ردهات ودهاليز وزارة النفط والمعادن حيث أكد أن موريتانيا أقل البلدان استفادة من مواردها الطبيعية. وهذه النتيجة التي توصل إليها الصندوق هي الأغرب في مجال الليبرالية؛ فمن مزايا الإستثمار في  هذه الدولة الفقيرة تنازلها للشركات عن ضريبة القيمة المضافة (14%) التي هي أساس ميزانيات الدول الكبري (فرنسا:  18%). ومع ذلك ظلت موريتانيا ـ في  تناقض صارخ ـ تضاعف  الضرائب علي المواد الإستهلاكية.
الشركات التي استفادت من طفرة أسعار المعادن حصلت علي رخصة إستغلال  تشبه الهبة؛ أي بأقل من 10 مليون أوقية علي خلفية قانون 1999، بواسطة  إتاوة الإستخراج التي  تحدد ضريبة بقيمة 8000 أوقيىة للكلمتر المربع للإستخراج. وهكذا حصلت ريدباك، وبمبلغ يراوح 70 ألف دولار، مقابل 310 كيلومتر مربع أعلنت عنها تازيازت كمنطقة للحفر، مع ضرائب أخرى  علي رخصة الاستغلال . وعلي قلة ذلك فقد ظل إلي شهر 10 من 2013 مدير التنقيب"، حسب عمال المنجم ، يدمج أعمال الحفر التي تقع  خارج المنطقة المعلن  عنها ضمن  منطقة "الغيش" المعفية من الضرائب، تهربا من تلك الإتاوة. وهنا يجب التنبيه أن هذا المبلغ المتواضع (70 ألف دولار) تمخضت عنه شركة تزن أكثر من 10 مليار دولار.
قانون 1999 يعطي لموريتانيا حصة هزيلة من مواردها: 3% فقط هي نسبتها من رأس المال التلقائية، و250 أوقية عن الكيلومتر المربع بالنسبة لرخصة التنقيب  سنويا، وإعفاء من الضرائب 3 سنوات،  كما لم يكن يفرض أي إستفادة من نقل الملكية، حتى تعديلات 2009 التي تعتبر قفزة نوعية  (2400 أوقية بدل 250 و50000 بدل 8000 أوقية و10% بدل3%). لم تتناول استفادة موريتانيا من نقل الملكية كما لم تفرض احترام الموريتانيين ولم تحدد لهم مزايا  أو وظائف بعينها، فكل المشرفين  والمسييرين أجانب، وكذلك الشركات التي تقوم بأعمال الصيانة والكهرباء والماء والمطعم والدواء كلها أجنبية (كاناري لوك إسبانية، دوريسي تركية، سو إس سيس فرنسية)، وتشغل وظائف ومهنا بإمكان الموريتانيين القيام بها، حتي أن سائقي الشاحنات أجانب. مع ما يلاقيه  الموريتانيون  من تفتيش عبر أدق التفاصيل بواسطة أجانب "غانيين  أو عاجيين"، مثلا عند دخول غرفة الذهب, وعلي نحو مهين، كما لا يتم احترام الكفاءات في هذه الشركة. إن إحساس العمال  بالتمييز من طرف أجانب مضاعف  في بلدهم وعلي نحو قابل للتأجيج.
الغش الفاضح
جهاز الرقابة والمتابعة الذي أنشأته السلطات سنة 2009  ضعيف إلي حد التواطؤ، كما أن مسلسل المرتنة الذي تبنته الدولة في نفس السنة لم يعرف أي تطور، إن لم نقل بأنه توقف. وفي حالة كهذه تنمو الشركة وتزدهر في جو من المغالطات، يحرم الشعب، الذي تصل فيه نسبة الإملاق 32% ونسبة  الفقر  55%، من مزايا الإتفاق الذي يخلقه قانونهم الضعيف أصلا. فحينما أرادت موريتانيا التدقيق في تكاليف إستخراج الأونصة (الأوقية الذهبية  تساوي 28،394523125 إغرام والأونصة  كوحدة قياس معدنية تساوي31،1034768 إغرام) من أجل  حساب نصيبهم الجديد بفضل دخول الشركة مرحلة دفع الضريبة علي الربح 25% BICبعد 3 سنوات من الإعفاء من الضرائب ، وجدت أن الشركة تغالط في تحديد سقف التكاليف بزيادة 200 دولار للأونصة الواحدة . حسب مكتب خبرة من دولة مالي انتدب لتلك الدراسة التي أعلنت مناقصتها  الدولية وزارة النفط والمعادن  ولم يستجب لها  إلا هو وحده  بسبب العجلة التي اكتنفت السقف الزمني المحدد لها (3 أشهر) ـ ولا يدري أحد أسباب هذه  العجلة ـ  أعطي هذه المعلومات، 950 دولار ككلفة الإستخراج بدل 1150 دولار تعلنها كينرووس ، نفس الشيء بالنسبة ل (MCM)توصل لغش يصل  1400 دولار  5900  دولار للطن  بدل 8300 لطن النحاس. ويجب حساب ذلك علي مدي 10 سنوات.. هذه المعلومات وحدها تفيد في تأكيد وجود التلاعب لكنها لاتكشف حجمه الحقيقي. وبالعودة إلي دراسة الجدوائية التي  قدمتها الشركة للحصول علي رخصة الاستغلال كان الإحتياطي مقدرا ب 1مليون أونصة وتكاليف إستخراج الأونصة بين 256 إلي 300 دولار وكان السعر العالمي للذهب 700 دولار للأونصة حينها. وقد باعت  نورماندي لاسورس الفرنسية الرخصة إلى ريو ناريسا الإسبانية التي باعتها لريدباك الإسترالية  ب628 مليون دولار مع الإحتفاظ ب  1% من رأس المال. ولا يمكن أن يتم كل هذا التحول المتسارع في الإستخراج ونقل الملكية  لشركة غير مربحة، بما يؤكد  أن تكلفة الإستخراج أقل من ثمن البيع.
وفي اقل من سنتين بعد ذلك شهد سعر المعادن طفرة كبيرة  وصل علي إثرها سعر الأونصة إلى  1800 دولار، وعلي إثر ذلك باعت ريد باك ، شركة تازيازت ب  7مليار دولار . وتم التعهد من طرف المالك الجديد كينرووس بتوسعة المنجم  وضخ 3،8  مليار دولار أخري ، وإكتتاب 1500 عامل خلال 2011خدمة لذلك . كما وصل عدد العمال غير الدائمين إلي 1035 بواسطة 81 شركة وساطة. إن كل هذا يدل أيضا علي أن هامش الربح ظل واسعا جدا وأن تكاليف الإستخراج لا تعرقل من تطور الشركة  بل تدعمه وتحفزه وإن كان لا يقوم أي دليل علي أن إرتفاع  التكاليف مرتبط  بالضرورة بزيادة السعر  أو علي الأقل ليس بحجم هذه القفزة الجنونية أي من  256 إلي 1150 دولار .
ينضاف إلى تلك العناصر أن كينروس غيرت طريقة الإستخراج  إلي الأحسن بواسطة جمع المعدن Dan ficheعكس طريقة المعالجة في المصنع  المكلفة التي اتبعتها  ريد باك،  كما أن نسبة الذهب مرتفعة في المعدن: 40% عند التجميع و 70% في المعالجة في المصنع، ثم أن المعدن يقع علي عمق 75 إلي 100 متر في مشروع إحويوات WEST BRANCHE .إن كل هذه المعطيات تقلل من إحتمال زيادة تكاليف الإستخراج. ومع ذلك لم تتوقف كينروس عن المغالطات  للإستحواذ علي خيرات هذا البلد.

 
الشعب الموريتاني والممولون يدفعون ثمن الهدر وسوء التسيير الذي تقوم به إدارة الشركة في لاس بالماس
لم تنفذ كينروس أيا من إلتزامتها، فبعد الكشف عن إحتياطي يفوق 20مليون أونصة والإعلان عن إستثمار قرابة 4مليارات دولار لبناء أكبر منجم  ذهب في المنطقة  بقدرة إنتاجية تصل إلي 30 مليون طن، وإكتتاب 1500 عامل لمسايرة هذا التطور، تغيرت الأمور فجأة، وسرحت الشركة  طاقم إدارتها بدءا بالمدير العام سنة 2011، وتوقف الحديث عن التوسعة وبدأ عكسا لذلك الحديث عن التقشف وتسريح العمال، دون معرفة سبب وجيه أكثر من سوء التسيير والفساد، وبدون أي ردة فعل من الحكومة لقاء هذا التلاعب؟؟!!


حملت كينرووس فعليا لافتة سياسة التقشف بعدما وصل سعر الذهب إلي 1243 دولار معلنة أن هامش الربح قد تقلص،  غير أن الغريب في الأمر هو أن كل إجراءات التقشف طالت الجانب الموريتاني وحده حيث تم  تسريح 293 عاملا دون سابق إنذار، من أصل 1558 والإستعداد  لتسريح 80 أخرين وتقليص عدد رحلات نقل العمال عبر الباصات بدل رحلة  كل  يوم،  إلي 4 مرات في الأسبوع: نواكشوط ـ تازيازت ـ نواكشوط. في حين ظلت الشركة تدار بواسطة فريق يعيش في لاس بالماس مع كل الإمتيازات المرتبطة بذلك: السكن والنقل والعطل ودراسة الأبناء ورواتب عالية بين 3 إلي 12 مرة  رواتب الموريتانيين، إضافة إلي حصة من الربح كل 3 أشهر.


الشركة التي تدعي مشاكل مالية بسبب تراجع هامش الربح  تنفق خلال كل شهر 1،2 مليون دولار تقريبا على نقل قرابة 200 أجنبي إلي لاس بالماس ب 3000 دولار عن الشخص:  تازيازت ـ نواكشوط  500 دولار، نواكشوط ـ لاس بالماس 2500 دولار  ذهاب وعودة، بعد كل 10 أيام من العمل ليمضوا عطلة 4 أيام في لاس بالماس . بينما كان مدير رييد باك يمضي 6 أسابيع في موريتانيا وشهرا في الخارج .


العمال الممتعضون من الفصل التعسفي يتهمون  الشركة التي  تبني مطارا ليليا  بتكلفة 25 مليون دولار ، فقط من أجل نقل الأجانب، وورشة بتكلفة 16 مليون دولار، ومحطة كهربائية إضافية، وكسارة،  بالمغالطة، بل وبالفساد بإغراق الشركة بالمعدات  والمشتريات الزائدة عن الحاجة عندما تشتري عجلات وقطع غيار علي مقاسات وتركيب غير موجود بالشركة، وتجعل مخزنها يعج  ب24000 قطعة أو نوعية وبأعداد هائلة فائضة عن الغرض. وقد طال الفساد مخزن انواكشوط الذي احترق وهو أيضا متخم بالمواد الإستهلاكية الزائدة عن حاجة الشركة ، والطلبات التي تسدد دون أن تشتري، والعقود مع الشركات الأجنبية التي تضاعف قيمة التكاليف علي نحو يشي بزبونية فاضحة .كل ذلك فقط من أجل عمولات للمسيرين الأجانب ، إذ لا يملك أي  موريتاني صلاحيات تسيير دانق واحد  في هذه الشركة .ويعتبر العمال أن  الشركة التي أنفقت 150 مليون دولار في إطار ترقية  الإنتاج، صرفتها  بدل ذلك في ترقية الإنفاق ، علي  هذا النحو الذي وسع وعاء تكاليف  الإستخراج وضغط بالتالي علي هامش الربح علي حساب نصيب الممولين، وعلي نسبة الموريتانيين من الضرائب .


تسريح الموريتانيين وتوظيف الأجانب
لقد تزامن توسيع الشركة لإستثمارتها مع تراجع سعر الذهب الأمر الذي وضعها أمام مشاكل مالية فرضت عليها هذه الخطوة حسب مدير الشركة القاطن في لاس بالماس مع أمتيازات خمس نجوم الدائمة، المبجل السبد باتريك. لقد جاء هذا الإمبراطور لتسويق خطوة التقشف  للموريتانيين بعد سلسلة الإضرابات والإحتجاجات. السيد الذي يعرف الطريق سهلة إلي القصر الرئاسي، إجتمع بمجموعة من الأطر في الشركة  الأسبوع قبل الماضي لكي يفسر لهم أسباب هذه الخطوة بعدما رفضوا مساعدة الشركة في شرح هذه الخطوة للعمال معتبرين أن الوضع المالي للشركة ممتاز جدا  ولا مبرر للتسريح أو التقشف الذي يستهدف الموريتانيين فقط ، فسعر الذهب في الصعود حيث وصل إلى 1341 دولار والإنتاج  وصل 7078 كلغ لسنة 2013بدل 5765 كلغ لسنة 2012مسجلا زيادة 2طن ،وإن كان العمال يصرون علي زيادة  3،5 طن أي أن هناك شيء ما غير معلن؟  كما أن الشركة حصلت علي رخصتين للإستغلال (أيمكبدن  واتميمشات ) طالبتها الدولة بإعادة تعميق الدراسة  للحصول علي بيانات  أكثر دقة وقد تعهدت الشركة  بإستثمار 10 مليون دولار لذلك الغرض ، مما يتطلب عمالة جديدة . إضافة إلي أن العمال في الشركة الأم يعملون حاليا 12  ساعة أي 5ساعات من العمل الإضافي خلال اليوم ، فكيف لشركة تتوسع وتحتاج للساعات الإضافية أن تسرح عمالها. والأسوأ من كل هذا أن الشركة في الوقت الذي تسرح فيه الموريتانيين تستدعي عمالا أجانب  لشغل تلك الوظائف، فقد تم تعيين  مدير أشخاص لا يعرف  القوانين المحلية، ومدير للسكن ومدير للمعلوماتية  ومدير للمصادر البشرية، وتم تسريح 10 موريتانيين في قطاع المحاسبة وحل محلهم حتي الآن 8 أجانب وتم تسريح 10 من إدارة اللوازم وحل محلهم 7 من الأجانب، والمعروف أن أعباءهم علي الشركة غير متساوية  البتة، فكيف لشركة تدعي التقشف أن تزيد الأعباء؟ وأكثر ما يثير الغرابة في الأمر هو أن ذلك يتم والدولة معصبة العينين، حتي أن الكثير من هؤلاء العمال الأجانب يعملون بدون رخص ،إضافة إلي أن مجموعة منهم يعملون  برخص منتهية الصلاحية  حسب العمال .

تغيير السياسات خدمة للأمان وللإزدهار
ليس هناك أدنى شك في سوء سمعة هذه الشركة في الشارع الموريتاني رغم كل جهودها للتعتيم علي مسلكياتها ورغم اعتمادها أسلوب شراء الذمم المقنع  من خلال ربط الصحافة بعقود صغيرة هدفها تكميم أقلام الصحفيين، والإحتجاج بها لديهم عند تناول الشركة. كما أوقفت الشركة  مسار المرتنة الذي ظل يجري له الترويج  ضمن شعارات ولد عبد العزيز . وليس هناك من سبب آخر لهذا التوقيف سوى محاولة إبعاد ما أمكن من الموريتانيين حتى لا يكونوا شهودا علي النهب و الفساد بشكل أعمق ،  وإلا فلا معني أن تكون إسنيم التي  لا يوجد بها أجنبي واحد وتملك 10 مرات ضعف معدات  تازيازت تعمل بأقصي طاقتها بمهارات الموريتانيين، ويعجز الموريتانيون عن  المشاركة في إدارة  تازيازت. إننا نلاحظ عدم مسؤولية مبالغ فيها حتى لا نقول تواطأ غير مفهوم من طرف الدولة.


لقد أضحى الفساد واضح المعالم في هذه الشركة، ومن المؤكد أن الدولة أيضا تعرف ذلك سواء علي مستوي قطاعات الرقابة والمتابعة والضرائب وغيرها أو علي مستوي القرار الوطني، لكن هل هناك من يمكنه أن يكشف مدى وحدود ضلوع الدولة علي كل هذه المستويات في هذا الفساد المستشري؟ وهل هو فعلا السبب في إستهتار هذه الشركة بالموريتانيين ، تارة تعدهم بالتوسعة والإستثمارات الضخمة وتارة تطردهم إلي الخارج  غير مأسوف عليهم ومن دون سابق إنذار؟. إن هذه الشركة لم تعرف معنى ولا مدلول الخسارة يوما واحدا وليست مهددة بذلك أبدا ولا تدعيه، لكن الدولة هي التي جعلت الموريتانيين هينين علي كل من هب ودب.

إن المناخ الحالي الذي تعمل فيه الشركة تنعدم فيه الثقة مع العمال ويضيف  بصفة عامة أيضا إلي التأجيج والغليان الداخلي بسبب الظلم والحرمان، وبقدرما يزيد من غلواء البطالة وضيق الأفق أمام اليد العاملة الوطنية  يعرض مصالح الشركة وسمعتها في المستقبل  للخطر ويجعلها الهدف الأول لأي إضطراب أو إضراب أو غيره. إن علي الدولة والممولين أن ينزعوا مصالحهم المتبادلة من تحت يد مجموعة لاس بالماس التي تهدر المال وتجعلهم يدفعون كلهم ثمنا باهظا للأنوصة علي حساب هامش الربح وعلي حساب إستقرار وتطور الشركة، وعلي الشعب أن يطالب بتحقيق في تسيير هذه الشركة من أجل إسترداد أمواله الضائعة  في ثنايا التلفيق والتواطؤ وإلزام الدولة برقابة ومتابعة أكثر صرامة ووعيا.

18. مارس 2014 - 12:39

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا