بدأت إجراءات سريعة لرفع ضارب التربية الإسلامية وزيادة ساعات تدريسها بعد لقاء مرتب سلفا بين الرئيس وبعض الخاصة من العلماء ،ويأتي هذا القرار بعد موجة من الإحتجاجات علي سلسلة من الأفعال والأقوال المسيئة لقيم ومقدسات الأمة ،كما أنه يعد إجراء
مناقضا لسلوك الإنكار والتجاهل الذي قابلت به الحكومة تدنيس المصاحف ولجوءها لمحاصرة الدعوة الإسلامية والأعمال الخيرية لبعض الهيئات الوطنية من خلال قرار إغلاق جمعية المستقبل. فماهي أهداف الحكومة من وراء هذا القرار التربوي ؟وهل يجري توظيفه سياسيا ودعائيا في حملة الرئيس؟
يواجه تدريس مادة التربية الإسلامية في نظامنا التربوي الكثير من المعوقات والصعوبات التي سعت الإرادة السياسية الحاكمة علي وضعها – منذ عقود- واستهدفت من خلالها تنفيذ سياسات توجهها نظريات و أطروحات مدعومة من مصادر التمويل الخارجي ومرتبطة بأنظمة حكم جاهلة ومتخلفة .
لقد كانت مادة التربية الإسلامية الدعامة الأساسية في تعليمنا الأصيل وقد احتضنت جوهر العقيدة ومنبع القيم وأساس السلوك لحضارة شنقيط ومحضرتها التاريخية ..لكن المدرسة الإستعمارية عملت علي تقويض أركان المحضرة الموريتاني وطمس هويتنا الثقافية من خلال تهميشها لدور الثقافة الإسلامية في التعليم النظامي المدرسي .
ولئن كان تدريس مادة المحضرة الأساسية(التربية الإسلامية) هامشيا في المؤسسة النظامية منذ قيام الدولة الموريتانية ،فإن الأنظمة السياسية المتعاقبة مع ذلك استمرت في محاصرة تدريسها من خلال التقليل من الساعات المدرسة (ساعة واحة في المرحلة الثانوية وساعتان في الإعدادية ) و نقص الضارب (1 متساوية مع أضعف المواد ضاربا وهي الرياضة البدنية ثم لتتقاسم ذلك الواحد مع مادة منافسة لها سميت بالتربية المدنية ) .
لقد استحال وضع تدريس التربية الإسلامية في السنوات الأخيرة بعد فصل مادة التربية المدنية عنها واستحواذ الأخيرة علي العناية والإهتمام إلي مايشبه محوها من خارطة التدريس ،وقد أصبحت بالفعل في كثير من المؤسسات التعليمية غير مدرسة مطلقا - طيلة السنة- لعدم توفر أساتذة وعدم حرص الإدارة علي توفيرهم لأن تدريس ساعة قد لا يكون أولوية لديها ..ثم إن مبدأ فصل تدريس العقيدة عن السلوك هو في حد ذاته طعنة كبيرة لنجاعة تدريس المادة ..فالسلوك هو الجانب التطبيقي للعقيدة ولايمكن أن نجرد مادة العقيدة أو التربية الإسلامية من محتوي السلوك الذي أصبح من اختصاص مادة موازية سميت بالتربية المدنية من أجل أن نربي جيلا لا يتحلي بالسوك الإسلامي بل "المدني" !..إن الأمر يتعلق بسياسة تهدف إلي محاربة القيم الإسلامية ابتدعتها دولة بورقيب وزين العابدين في تونس وقلدتها حكومة ولد الطايع في موريتانيا وهي ذات السياسة التي لا يزال رجال ولد الطايع في النظام الحالي يعملون علي تنفيذها ..
إن ما يجري الإعداد له من محاولة التستر علي وضع مختل لتدريس مادة هي الأهم في منظومتنا التعليمية - بمقاييس الحضارة والهوية والتاريخ- لا يعدو أن يكون "ذر للرماد في العيون " ولن يقنع أحدا ما لم يقترن بإرادة صادقة وخطة شاملة لإنقاذ المنظومة التربوية كلها وتطبيق جدي لإصلاح شامل ينطلق من نتائج منديات التعليم ويضيف إليها أبعادا إصلاحية جوهرية وعميقة تعالج تبعات عصور من التردي و الإنهيار ..
إن كل ما يطمح إليه القرار الجديد هو زيادة ساعات تدريس مادة التربية لإسلامية من ساعة في الثانوية إلي ساعتين،وضاربها من واحد إلي إثنين. وفي الإعدادية من ساعتين من التدريس إلي أربع ساعات وضارب يصل إلي (3). وأخيرا إضافتها إلي مواد الباكالوريا مع ضارب (2) وهي معطيات لا تغيير الكثير حول مرامي تدريس المادة أو النجاعة لتربوية من تدريسها ..لأن القرار لم يصل إلي المستوي الذي يجعل المادة أساسية وليست ثانوية من حيث الضوارب وعدد ساعات التدريس (كالفلسفة والأدب في شعبة الآداب ) و(العلوم والفيزيا والرياضيات في الشعب العلمية ) ولم يتطرق إلي محتوي التدريس بحيث يعيد للمادة أبعادها السلوكية الضرورية لمعالجة الإختلالات الناجمة عن عدم تربية النشء علي قيم المجتمع االضرورية لإكسابه الشخصية الحضارية للإنسان الموريتاني ...
إننا أمام قرار ارتجالي دعائي يهدف في الأساس إلي التغطية علي فشل الحكومة في مواجهة موجات الإلحاد والتعسف تجاه المحتجين ومعاقبة الأبرياء وإغلاق مؤسسة دعوية تنهض بنشر القيم الإسلامية ، كما يهدف النظام من ورائه إلي كسب أصوات في معركته الإنتخابية الهزلية القادمة .
الحاج ولد المصطفي : [email protected]