تغنى الشعراء، بأيام الشباب، حنينا لأيام اللهو والصبا، التي جمعتهم في مرابع الأهل والأحبة تحت الظلال الوارفة لخيمة الوطن الفسيحة، يقول أحدهم:
وحبب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالك
إذا ذكرت أوطانهم ذكرتهمو
عهود الصبا فيها فحنوا لذلك..
تذكرت هذا الحنين لذلك الزمن الغابر وأنا أتابع أخبار لقاء رئيس الجمهورية بالشباب، الذي لن أكون من بين المشاركين فيه، لأن بياض العوارض واشتعال الرأس شيبا تكفلا بإقصائي من الموضوع.
وهنا أود التذكير بجملة من الأسباب التي أدت إلى هذا اللقاء ومنها على سبيل المثال:
ـ قناعة الرئيس بوجود اختلالات ونواقص تستلزم الاستماع لهذه الشريحة بعد فشل الأغلبية وتوابعها في توصيل الرسالة كما هي بدون رتوش.
- دنو الانتخابات الرئاسية مع فشل الحزب الحاكم في سحق القوى المنافسة في دوائر ذات وزن معتبر (نواكشوط، نواذيبو، روصو، كيفة، النعمة، الطينطان، كرو)، وهذا ما حتم إعادة النظر في الاستيراتيجية الرسمية لمخاطبة الشباب باللغة التي يفهم.
ومن الملاحظات التي لابد من المرور بها أن اللقاء يعتبر بادرة طيبة وإن جاء متأخرا جدا- أسابيع قليلة قبل الانتخابات- وهو ما يعطيه صبغة دعائية تفرغه من أي مضمون، كما أن اقتصار اللقاء على "الشباب" يؤكد فرضية الاستغلال السياسي للحدث، فالشباب عادة لايحملون أفكارا لبناء الدول والشعوب، بسبب انعدام الخبرة، وكان على الجهات المشرفة أن تحصر سن المشاركين ما بين 25 إلى 45 للاستفادة من أصحاب الخبرة، وصهر التجارب بروح الاندفاع لدى الشباب.
ذالك أن البلد يعيش أزمة سياسية بنيوية معقدة جدا، لحلها يجب وضع استيراتيجية واضحة ومحددة ومبنية على أسس سليمة، تضع في الحسبان مشاكل الوحدة الوطنية، وتعدد الثقافات، وتنازع التيارات الايديولوجية، والإرث الإنساني، وكلها مشاكل حقيقية لايسهم التغاضي عنها إلا في تأجيج النار تحت الرماد، ولن تكون الحلول التلفيقية التي وضعتها الأنظمة السابقة ولا الحالية إلا لتزيد الشرخ اتساعا بين مكونات الشعب الواحد.
فالانسداد الذي تصل إليه البلاد في كل محطة من مسارها المتعثر هو الذي يولد الانفجار في النهاية، والعودة بالتالي إلى نفس المربع من جديد.
وهنا نسجل أن تعاطي النظام مع "حادثة المصحف" كان متسرعا في إطلاق الأحكام التي آلت إلى نفي الحادثة وإغلاق جمعية المستقبل رغم ما لها من جوانب إيجابية خاصة في مجال التدخل الاجتماعي، كما أن التباطؤ في محاكمة ولد امخطير هو ما فتح الباب أمام تبعات المقال المسيئ التي كان آخرها "حادثة المصحف".
وقبل أن ننهي هذه العجالة لابد من التأكيد على أن الشباب المستهدفين من اللقاء يجب أن يبتعدوا عن الخلافات والمصالح الضيقة، وأن يشكلوا لجانا شبابية لمتابعة التوصيات الناتجة عن اللقاء، حتى لايكون تظاهرة انتخابية سابقة لأوانها فقط.
سيدي المختار ولد أحمد الكاري