الشباب و اللقاء المرتقب / الولي ولد سيدي هيبه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يعجب ربك من الشباب ليست له صبوة*) ... رواه أحمد
تكثر عبر كل وسائل الإعلام الوطنية الورقية و الاذاعية و المرئية و على البوابات الالكترونية و شبكات التواصل الاجتماعية هذه الأيام ندوات حوارية

 و فكرية  تصب كلها في معالجة ثلاثية الشباب و الإعلام و المقدسات. و إنه ليبدو مما تفوح روائحه به مراجل كل هذه الوسائل من أحبار الأقلام السياسية و ريق المفوهين من خلال العدد المتزايد من مقالات الرأي و التحليلات المتلاحقة ب"كم" و "كيف" معتبرين عن الشباب و مكانته في المطبخ السياسي الذي يغلى في هذه المرحلة من أجل الخوض بطاقاته و أعداده الاستحقاقات الرئاسية المقبلة لكسب الرهان على الحكم و شؤونه، و كأن هذا الشباب بمنطق هذه المعالجات التنجيمية و بكل المقاييس المتبعة في ذلك سلعة بأيدي الأحزاب السياسية توجهها لما تحبه و ترضاه. هذا على الأقل ما يفصح عنه في هذه الأيام سوق عكاظ البلد السياسة الموسمية و ما هي به حبلى من الترانيم و الأهازيج و الابتهالات و إنشاد ود الشباب علاوة، بمنطق الأشياء و بالموازاة مع استمرار العزف على أوتار ما يكون منذ أسابيع من الانزلاق على أرضية المعتقد الزلقة و ما كان أيضا إثر ذلك من تناول الإعلام للموضوع من ناحية، و من المزادات التي تنامت على خلفية ذلك في برص القيم السياسية  المبتدئة في العمق و المتهورة في واقع الأمر من ناحية أخرى.
و لأن المشاركة السياسية هي اصطلاحا تلك المجموعة من الممارسات التي يقوم بها المواطنون، أو بها يضغطون بغية الاشتراك في صنع وتنفيذ ومراقبة تنفيذ وتقييم القرار السياسي اشتراكا خاليا من الضغط الذي قد تمارسه السلطة عليهم ما يعني أن للمواطن حقا ودورا يمارسه في عملية صنع القرارات ومراقبة تنفيذها وتقويمها بعد صدورها، فهي إذا مساهمة الفرد دون تحديد لفئة عمرية أو نوعية في أحد الأنشطة السياسية التي تؤثر في عملية صنع القرار أو اتخاذه أو هما معا، والتي تشمل التعبير عن رأى في قضية عامة، والعضوية الحزبية، والانضمام لمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو التعاون معها، والترشيح في الانتخابات، وتولى أيا من المناصب التنفيذية والتشريعية.
والمشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيسياً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة، المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي وتقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة وطنية حديثة هي بالمحصلة دولة الحق والقانون والمؤسسات .و بهذا فإن المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة تشترك فيها على حد سواء كل شرائح المجتمع.
و لما كانت المشاركة السياسية تعنى بصفة عامة تلك الأنشطة الاختيارية أو التطوعية التى يسهم المواطنون من خلالها فى الحياة العامة، فإن للمشاركة السياسية من منطلق هذا التحديد أربعة مستويات تأتي تباعا على النحو التالي:
- ممارسو النشاط السياسي الذين تتوافر فيهم ثلاث شروط من ضمن ستة مؤكدة: العضوية في تنظيم سياسي، والتبرع لتنظيم أو مرشح، وحضور الاجتماعات السياسية بشكل متكرر، والمشاركة فى الحملات الانتخابية، وتوجيه رسائل بشأن قضايا سياسية للمجلس النيابي، ولذوى المناصب السياسية أو للصحافة، والحديث فى السياسة مع أشخاص خارج نطاق الدائرة الضيقة المحيطة بالفرد.
- المهتمون بالنشاط السياسي الذين يصوتون فى الانتخابات ويتابعون بشكل عام ما يحدث على الساحة السياسية.
ـ الهامشيون في العمل السياسي من الذين لا يهتمون بالأمور السياسية ولا يميلون للاهتمام بالعمل السياسي ولا يخصصون أي وقت أو موارد له، وإن كان بعضهم يضطر للمشاركة بدرجة أو بأخرى فى أوقات الأزمات أو عندما يشعرون بأن مصالحهم المباشرة مهددة أو بأن ظروف حياتهم معرضة للتدهور.
- المتطرفون سياسياً الذين يعملون خارج الأطر الشرعية القائمة، ويلجأون إلى أساليب خلق الفوضى و الارباك و العنف، والفرد الذى يشعر بعداء تجاه المجتمع بصفة عامة أو تجاه النظام السياسي بصفة خاصة و هو الذي إما أن ينسحب من كل أشكال المشاركة وينضم إلى صفوف اللامبالين، وإما أن يتجه إلى استخدام صور من المشاركة تتسم بالحدة والعنف الأمر المرفوض في إطار الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر.
كما أن للمشاركة السياسية مراحل منها الاهتمام السياسي الذي ينطلق من مجرد الاهتمام أو متابعة القضايا العامة وعلى فترات مختلفة قد تطول أو تقصر، بالإضافة إلى متابعة الأحداث السياسية. حيث يميل بعض الأفراد إلى الاشتراك فى المناقشات السياسية التي تزداد وقت الأزمات أو أثناء الحملات الانتخابية. ثم المعرفة السياسية التي تعني المعرفة بالشخصيات ذات الدور السياسي فى المجتمع على المستوى الوطنى أو الاقليمي إن كان لها حقا وجود.
ـ التصويت السياسى : ويتمثل فى المشاركة فى الحملات الانتخابية بالدعم والمساندة المادية من خلال تمويل الحملات ومساعدة المرشحين أو بالمشاركة بالتصويت.
ـ المطالب السياسية : وتتمثل فى الاتصال بالأجهزة الرسمية وتقديم الشكاوى والالتماسات والاشتراك فى الأحزاب والجمعيات التطوعية.
و مما لا شك فيه أن واقع الشباب الموريتاني من منطلق الاعتبارات أعلاه شبه معدوم سياسيا لان هذه الشريحة الهامة من المجتمع ظلت منذ الاستقلال شبه مغيبة عن المشاركة السياسية إما بفعل المنظومة الاجتماعية التي تعتبر الشباب و النساء في عهدة " المسننين" و تحت وصايتهم أو من الشباب أنفسهم لانصرافهم إلى ملذات الحياة و ترفها أو ما يكون في بعض الحالات من تعمد الأجهزة إلى تقويض حركته ومنعه من القيام بواجباته تجاه مجتمعه مع تحسيسه أن مفهوم السياسة ينحصر في إدارة الشأن العام الذي تكون فيه المشاركة غدا مرتبطة فقط بالمحسوبية والمنافع واستغلال النفوذ والناس لمصالح فئوية وشخصية ضيقة. و هي الحالة السائدة التي ساهمت في إبعاد الناس عموما عن السياسة وجعلت السياسيين في واد و المواطنين كلهم والشباب خاصة في واد آخر.
و بهذا الواقع الذي تأصل حقيقة مرة، منذ استقلال البلاد و قد مر أزيد من نصف قرن على ذلك، لم يكن للشباب حاجة للانخراط في العمل السياسي عبر القنوات المؤسساتية لكونها شبه مغلقة أمامه، لا يعبر منها إلا بعض الساعين إلى مكاسب أنانية و علما بمستوى الفساد السياسي والإداري الضارب في غالبية هذه المؤسسات السياسية التي قدر لها أن وجدت و سلمت حتى من شخصنتها و فئويتها. و هي أيضا الوضعية الغير صحية بتاتا التي بررت عزوف الشباب عن السياسة و كرست أسباب ذلك العزوف و متمثلة أساسا في:
-         غياب الديمقراطية داخل الأحزاب متمثلا في غياب حرية التعبير لدى المنخرطين في هذه الأحزاب و هيمنة العلاقات الأسرية و العشائرية و الطبقية والفئوية داخل الأحزاب والجمعيات المشابهة حتى باتت تعرف بالقبائل و الاثنيات و الطبقات.
-          و تمسك "زعماء الأحزاب" بالقيادة بشكل تسلطي بيروقراطي وغير ديمقراطي يكرس الديماغوجية،
-          واقتناع أغلبية الشباب بعدم جدوى الانخراط في العملية السياسية و صرفه عنها مع استخدام أصواته و أعداده عند الاستحقاقات،
-         و ما يراه الشباب واقعاً ملموساً من ممارسات غير مسؤولة، و من انتهازية و استئثار مفضوحين لبعض الزعماء والمناضلين و غياب برامج حزبية واضحة المعالم ومتميزة تختلف من حزب لآخر و عدم منحه شبابا حيا و طاقة هائلة الفرصة داخل الأحزاب السياسية للترشح للانتخابات التشريعية وغيرها.
و هي الفئة التي كان لزاما أن تشارك في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية دون أي تأثيرات، وأن ينتخب في استحقاقات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام، وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السري الذي يضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين، و أن تتاح له على قدم المساواة عموما مع سواه تقلد الوظائف العامة في بلده.
فهل يحمل اللقاء المرتقب بين رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز و الشباب أدوات فهم الأخير دوره كاملا و هل يسعى من بعد اللقاء مهما كانت النتائج إلى الحد من العزوف الكبير، الملفت و المقلق عن السياسة في أوساط الشرائح الشبابية. و إنه ليست هناك ثمة حاجة للاعتماد على إحصاءات ودراسات علمية للتوصل إلى النتيجة التي تؤكد انتشار هذا الإعراض عن السياسة في أوساط الشباب. و  هو الأمر بحد ذاته الملفت بشكل أكبر في بلد يعج بالمعضلات السياسية والاجتماعية والثقافية و تستلزم انخراطاً مضاعفاً لهذه الشريحة في السياسة وتوسيعاً لنطاق الاهتمام معها بالشأن العام حتى تتم مواجهة تلك المعضلات الكأداء و التي ما زال التعامل معها لا شعوريا من وحي تعاطي النعام مع الخطر عندما يحدق به فيدس رأسه في التراب إمعانا ليس إلا في تجاهله و ضعفا عن مجابهته. أم هل أن الوضع السائد منذ قيام الدولة سيظل مقلقا لأنه من دون وجود فاعلية شبابية في الحياة السياسية، في هذه البلاد الحبلى بالمشكلات المعقدة على جميع الأصعدة اجتماعية و سياسية و معيشية، فإن المستقبل المنظور لن يتصف بالإشراق.
----
*الصبوة : بمعنى الهوى والميل عن طريق الحق

19. مارس 2014 - 11:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا