كثيرا ما سمعنا باستقالة وزير أو مدير أو أي موظف حكومي سامي بعد حادثة أو شبهة جريمة في قطاعه، بسبب استشعاره للحرج و حضور البعد الأخلاقي لديه.. لكن تلك الأخبار لا تردنا إلا من خارج نطاقنا الترابي، خاصة من لدن الدول التي تحترم القانون وتراعي اهتمام مواطنيها.
حيث يلتزم المسؤول الحكومي بنطاق وظيفته ويحاول أن ينأى بنفسه عن كل ما يمكن أن يلوث شرف المهنة أو يعكر صفو العاملين بها. مانحا مكانته الوظيفة نوعا من القداسة توفر له الاحترام. ومسبغا عليها نوعا من ما يمكن تسميته بالأخلاقية الوظيفية التي تحصن الشخص وحيزه الوظيفي.
ولعل استحضار الأمثلة في جانب الوظيفة السياسية أكثر من أن تعد أو تحصى لكن أشهرها استقالة وزير الهجرة البريطاني مارك هاربر بعد أن علم أنه يستأجر موظفة لا تتوفر على أوراق إقامة في بلده.
هذا البعد الأخلاقي لا يختص بالمنصب السياسي بل تجاوزه إلى الرياضي (استقالة ساندرو روسيل رئيس نادي برشلونه بعد اتهامه بالتحايل الضريبي) والاقتصادي (استقالة دومنيك ستراوسكان مدير صندوق النقد الدولي بعد اتهامه بالتحرش) وهو ما يعني شمولية الوعي باستحضار هذا الجانب وتخطيه للحيز السياسي الذي تفرض عليه رقابة شعبية لها سلاح انتخابي فتاك يمكن استعماله عند الضرورة.
عندنا اتهم رئيس الدولة بعدد من التهم منها الأخلاقي (رصاصة 13 اكتوبر) ومنها الاقتصادي (صفقة الصيد) ومنها ذا الصبغة الإجرامية (المتاجرة بالمخدرات وغسيل الأموال) ومنها التجاري (بيع عبد الله السنوسي) ومنها الغامض (صناديق آكرا).
إن واحدة من مجرد الشبهة المرادفة لأي من هذه التهم كفيلة بإزاحة أقوى المسئولين في أي بلد يسيره القانون ويولي أهله قيمة للبعد الأخلاقي في الجانب الوظيفي.
ورغم أن أي من هذه التهم لم تثبت بشكل قاطع إلا أن الشارع الموريتاني لم يجد ما يثبت عكسها وبالتالي تبقى مثار جدل ومقام همز ولمز وإن من طرف خفي.
عائلة الرئيس لم تكن بعيدة عن بؤرة الأحداث ولعل الجريمة التي ارتكبها نجله بدر بن محمد بن عبد العزيز بحق رجاء بنت الطالب ولد أسيادي فجر يوم 26/01/2012 بتفرغ زينة أكبر دليل على ذلك. تلك الجريمة التي سرعان ما تم التغلب على آثارها الجنائية دون حكم محكمة مختصة أو حتى تحقيقي حكومي يراعي الحق العام في الجريمة ويتتبع خيوطها. مما يعني غياب البعد الأخلاقي والمسؤولية المتعلقة به لدى قوات الأمن ولدى عائلة الرئيس على حد السواء.
شخصيا أعتبر أن غياب الوازع الأخلاقي لدى أعلى شخصية في البلاد كان ولا يزال هو المنبع الأساسي لكل المشاكل التي يعاني منها الوطن على كل الأصعدة وفي كافة المجالات. حيث أن قيادة البلد هي بمثابة القلب من الجسم فبصلاحها يصلح الحال والعكس صحيح .
وصفوة القول إنه لا يمكن أن نتوقع أن يصلح بلد لا قيمة أخلاقية مصانة فيه ولا سلطة رقابية تملك من القوة ما يمكن أن يشكل حصانة للدولة وفرضا لهيبتها. خاصة بعد أن تم تحييد الجانب الديني أو قصره على ما يمكن اعتباره تبريرا للجرائم التي يرتكبها المجرمون والمرجفون بحق وطننا المنكوب.