إن حيوية أي مجتمع تقاس بمدى انخراط شبابه في الحياة العامة ، فكلما كانت درجة انخراطه عالية ، كان ذلك مؤشرا على درجة كبيرة من الوعي والمشاركة والتطوع والتجدد.ويكتسي الأمر مزيدا من الأهمية ،
عندما يتعلق بقياس مؤشرات وجود حياة ديمقراطية.
فالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي تفشل في استقطاب شريحة الشباب ، تكون معرضة للإصابة بالشيخوخة المبكرة ، كما يكون تأثيرها في محيطها محدودا. لأنه مع الشباب ، تتسع دائرة الفعل ، وترتفع درجات الحماس ، ويتعزز الإيمان بالتغيير ، ويتعاظم الحلم الجماعي ، ويتجدد النسيج السياسي والجمعوي. وفي المقابل ، إذا بقي الشباب مهمشا ، تخشًب الخطاب ، وتواضعت الإنجازات ، وسيطرت البيروقراطية ، والتقليد ، وتقلصت نسبة التنوع والاختلاف ، وانتصر الجمود .
وفي موريتانيا اليوم ، يسعى الرئيس الموريتاني السيد/محمد ولد عبد العزيز بشكل حثيث إلى انتشال الشباب الموريتاني من واقعه المترنح بين بيروقراطية الأحزاب وإكراهات المواسم الانتخابية والولاءات القبلية.
سيتجسد ذلك في لقاء رئيس الجمهورية ، المرتقب ، الفريد من نوعه بالشباب ، في عالمنا العربي والإفريقي ، من أجل سماع صوته وطرح مشاكله وتقديم مشاريعه بحرية ودون قيود ، وفتح الباب أمامه لخوض معارك الالتزام السياسي والاجتماعي والثقافي. خصوصا وأن عزوفه عن الحياة السياسية لم يعد مبررا ، بعد توفر شروط المشاركة ، وارتفاع سقف الحريات ، وكسر احتكار الحياة العامة من قبل الأجيال السابقة.
إن الشباب الموريتاني ، يعاني ، بصفة عامة ، من عزوف عن العمل السياسي بسبب فقدانه الثقة في العمل الحزبي ، رغم مشاركاته الموسمية الفاعلة في العمل السياسي إبان الحملات الانتخابية . وهو ما يثير إشكاليات عديدة حول الأسباب الكامنة وراء هذا العزوف ، ومدى قيام الشباب بالدور المنوط به في سبيل توعية المجتمع والنهوض به وخلق وعي سياسي لديه حتى يساهم في مسيرة بناء الوطن.
يعود عزوف الشباب الموريتاني عن العمل الحزبي ومواكبة الحياة السياسية ، إلى جمود الأحزاب وتراجع دورها في الساحة السياسية وفي المجتمع ، بفعل عدم استيعاب أغلبها للتحولات التي يعيشها المجتمع الموريتاني. ولعل مرد ذلك ما أصبح يعرف بشيخوخة الزعامات الحزبية وعدم تجديد النخب فيها ، وازدواجية البعض من هياكلها وخطاباتها ، وعقم العمل الحزبي، وتهميش الشباب الناتج عن طغيان هاجس الوصاية المفروضة عليهم من طرف القيادات الحزبية. وهو ما جعل مجال استقطاب الشباب عصيا على الأحزاب ، التي أصبح أغلبها لا يكاد يستقطب سوى أعداد قليلة من المنخرطين الجدد. فالأحزاب تتعامل مع الشباب بمنطق الوصاية والإرشاد ، في الوقت الذي يسعى أغلب الشباب إلى فرض آرائهم ، وتفجير طاقاتهم وإبراز مواهبهم وتحقيق الذات.
يعتبر استغلال الطبقة السياسية التقليدية للشباب لاستفادتها من طاقاته، والمتاجرة به عبر شعارات رنانة فترة الانتخابات والتخلي عنه بعد ذلك ، هو ما يبعث روح اليأس والقنوط لدى كثير من الشباب الموريتاني. وقد حوَل ذلك ، في بعض الأحيان ، دافعه الرئيس للمشاركة زمن المواسم السياسية ، إلى دافع مادي ، إن لم يكن بدافع الولاءات القبلية والانتماءات الضيقة ، التي تعزز أحيانا انتماءات بعضهم الحزبية.
والآن هناك جهودا تُبذل من طرف السلطات العليا في البلد، قصد إعادة الثقة بالعمل السياسي لدى المواطنين، وخاصة فئة الشباب. وهو ما شكل أهم محاور البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية السيد / محمد ولد عبد العزيز، الذي يسعى إلى النهوض بالشباب وإشراكه في أهم القرارات السياسية ، حيث ينظر إلى الشباب باعتباره ركيزة أساسية من ركائز المجتمع، وجسرا يمكن من خلاله العبور بالبلد إلى بر الأمان بعيدا عن المسلكيات التي لا تخدم الوطن ، سعيا منه إلى أن يتحمل الشباب مسؤوليته الحقيقة التي يتطلع إليها وينتظرها منه المجتمع.
وانطلاقا من أن السياسات الماضية خلفت انعكاسات سلبية على حجم المشاركة السياسية للشباب في الأحزاب ، بسبب تباطؤ التطور الديمقراطي وتعميق الإحساس بالمواطنة ، فإن الدولة تبذل ، حاليا ، جهودا حثيثة لتحقيق هذين العنصرين الهامين ، في ظل وضعية تظهر الأحزاب السياسية في موقع المساءلة ، لأن العديد من الشباب أصبح يعتقد بعدم جدوى الانخراط في الأحزاب ، طالما أن الديمقراطية الداخلية للأحزاب لم تترسخ بعد، وطالما أن الجو العام السائد داخل الأحزاب لا يوفر أي هامش للعمل السياسي البناء والمثمر المبني على تفجير الطاقات والمواهب التي يزخر بها الشباب .
إن لقاء الشباب مع رئيس الجمهورية سيطرح مسألة الآفاق والمكانة التي يفتحها المجتمع للأجيال الشابة. فعندما يشعر الشاب أنه يعيش في مجتمع ودولة يحسن رئيسها الإنصات إليه ويمنحه الاهتمام المستحق والرعاية اللازمة ، وينفتح أكثر على مشاغله وهمومه وتصوراته، ويستمع إلى مقترحاته ، مهما كانت درجة اختلافها مع التوجهات الرسمية ، فإنه سينخرط بحماس في العمل السياسي وبالتالي تكون موريتانيا قد تصالحت مع شبابها.