سيدي الرئيس..مداخلتي ستكون في أقل من دقيقة، أنا شاب موريتاني، لا شبهة في انتمائي للوطن، أبي رحمه الله كان دركيا، التحق بالخدمة طواعية أيام حرب الأشقاء في الصحراء، كان يؤمن بالوطن رغم أنه رحل ولم يأخذ حقه منه،
حين بدأت أعقل شيئا من حياة العائلة أفقت على جريدة الشعب، كان يأتينا بها كل مساء، أظنها كانت توزع عليهم بالمجان، لا أدري هل ما يزال ذلك التقليد موجودا، حفظت من خلالها كثيرا من أسماء البحار والمحيطات والخلجان ومناطق البراكين في العالم وبعض الطُّرَف أيضا، العجيب أن هذا هو ما أقرأه فيها الآن، لعله أهم شيء في تلك الصحيفة التي ولدت قبلي بثلاث سنين.
أمي عجوز تخطو في عقدها الخمسين، ولدتْ بين وهاد أفلَّة في قرية جميلة تسمى "أم مغيريف"، إنها قرية رائعة بالمناسبة..لم تعد مأهولة لأن طريق الأمل تنكَّبها، باختصار أصبحت على طريق "غير معبد" ربما ذلك ـ لا قدر الله ـ قد يعرضها للخطر ذات يوم، رحل القطين ينتجع الرزق على الممر الوحيد للسيارات، أي طريق الأمل، فما ربح غير أوبئة مداخن السيارات، نفد رزق تلك الحافلات منذ انتهى ما كان يسمى بـ"القِسْم"، هو للتذكير مجرد خنشة من الدخن (لحميرَة) وقنينة من الزيت المعروف علَمًا بـ"كندي" وشيء من وصايا الكبار بضرورة التبليغ الفوري لممثلي هياكل تهذيب الجماهير عن أي "نشاط مفزع"، لكنه رغم ذلك كان ـ كما روى لنا الكبار ـ فيه بركة وخير.
سيدي الرئيس بقي أن أقول لك إن تلك القرية التي ولدت بها أمي كانت إحدى القرى الممانعة في الاستحقاقات الأخيرة لذلك واصلت اللعنة استقرارها في المكان، حيث لا مدرسة ولا مستشفى ولا حتى معهد لتدريس الميكانيك، لكن هناك بعض الناس أفاقوا بعد صدمة الحزب الجمهوري، وقرروا أن يغادروا قاعة العرض المسرحي.
سيدي الرئيس
إذا كانت ما تزال لدي بعض الثواني للحديث، أريد أن أسألكم عن أشياء:
1 ـ بصراحة ـ ونحن في حديث ودي ـ، حين انقلبتم على النظام المنتخب في موريتانيا هل كنت تفكر في الوطن أم كنت تفكر في تحقيق مجد شخصي كنت تحلم به، ذلك الحلم الذي حدثت به شلة الأصدقاء وأنتم على متن نهر السنغال سباحين مهرة، أيام كنتم تغافلون الأهل فتنحرفون عن طريق المدرسة التي كانت تمثل بالنسبة لكم سجنا لا يطاق..يبدو من قسمات وجهكم سيدي الرئيس أنكم خرجتم يوم الثالث من أغسطس كي تحققوا مجدا وحلما لا لكي تنقذوا وطنا..لنكن صادقين.
2 ـ كم ربحتم حتى الآن من صفقات "التراضي"وصفقات"التغاضب"، كم مؤسسة تجارية كنتم تملكون قبل الرئاسة وكم مؤسسة تملكون الآن؟ وهل حقا أنكم تملكون ما يقارب ثلث عقارات تفرغ زينة؟ أهنؤكم بالمنازل الفارهة التي تملكون في حي الرياض بالرباط، وفي حي لا أعرف اسمه بباريس، اشكركم باسم تلك الأسرة المشرفة على رعاية تلك المنازل، لقد وفرتم لها أحسن عمل لولا بعض النزق والطيش في التعامل معها، لكنها أسرة متفهمة، تعرف أنكم تعاملون ثلاثة ملايين مواطن بنفس الطريقة النزقة.
3 ـ قل لي سيدي الرئيس، ما مشكلتكم مع الشيخ محمد الحسن بن الددو؟ وما السبب الحقيقي لإغلاق جمعيته ـ لا تظن أني أتعاطف معهم ـ ، فقط لأننا في حديث "خاص" وتجمعني بكم كمشارك "علاقات خاصة" ـ لا تنسحب على كل المشاركين ـ، هل صحيح أنكم سعيتم لاستدراجه لصف مجلس علمائكم فرفض وحاولتم إغراءه بمنصب فعَفَّ؟ وهل صحيح أن جمعيته كانت تعلم الناس أحكام دينهم وتقرر على منتسبيها حفظ حديث"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"و"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، إذا كان الأمر كذلك فهي أحق بأن تغلق وأن يضايق أهلها.
4 ـ لكن سيدي الرئيس..ما ذنب مستشفى النور؟ هل كان يحقن زواره بـ"حمض المعارضة"ويعطيهم أقراصا مضادة لدعاية"الأغلبية"، فيأتونه موالين ويرجعون عنه معارضين؟ مالك لا تتكلم سيدي الرئيس؟ وهل معهد البنات كان له دور في محاولة اغتيالكم في اطويلة؟ لا أظنه هو! لعله اشتبه عليكم بــرَاسِينْغْ اكْلَيْبْ أو بإحدى العُلَب الليلية في الدار البيضاء!
5 ـ سيدي الرئيس هل قررتم فعلا مواجهة التيار الإسلامي، أنا أعرف توجهاتكم الدينية، أو لستم رئيس العمل الإسلامي؟ أم أنكم نسيتم أنكم هم حماة الدين وأنكم لا تكذبون رغم أنكم بلا لحية، للتذكير كان ذلك في خطابكم بنواذيبو، هل تعلم سيادة الرئيس أني ضحكت ذلك اليوم حد الزعيق، لقد كنتم تقومون بأروع دور في فن الفرجة، بصراحة يعجبني دوركم كمسرحي، قبل أن أنسى سيدي الرئيس هل كان خطابكم الذي ظهرتم فيه بلحية كثة كذبا كله!
6 ـ سيدي الرئيس..كما كنت قلت لك في مقال سابق، إنهم يدحرجونك من الخلف لتطأ كومة الجمر، عليك أن ترجع إليهم وتوبخهم فهم أعداؤك في السر ولو كانوا خلصاءك في العلانية، هل تذكر أن سيدك معاوية كان أول أفول نجمه حين بدأ مضايقة الدعوة وسجن حملة رسالة الإسلا.
7 ـ سيدي الرئيس..تقبل مني مزيدا من الفضول فأنا لأول مرة أقابل رئيس دولة، فلا تعجب إذا أصابني إسهال الكلمات!
8 ـ سيدي الرئيس..هل تعلم أن التحاقكم بالجيش هو أكبر خسارة للمسرح الوطني، إن مكانكم الحقيقي هو الخشبة، لو أنكم انخرطتم في المسرح لما سمع الناس عن تشارلي تشابلن، ولكن لا ضير، العالم الآن يستلهم منكم التمثيل المسرحي وأنتم رئيس دولة.
8 ـ سيدي الرئيس هل يعجبكم أن أشبهكم بالراحل معمر القذافي، لا شك يعجبكم ذلك! فهو ملهمكم الذي رحل بعد أن أمِن على استمرار أفكاره في استخفاف الجماهير عن طريق تقليدكم له، أنتم هو بذاته، لا ينقصكم إلا أن تقفوا وسط سيارة راندروفير مكشوفة، لتقولوا للملايين التي تصطلي بنار لجانكم الثورية: أنا هنا..نحن هنا...من أنتم؟
9 ـ سيدي الرئيس..هل تعلم أني لا أثق فيك رئيسا للدولة وأنت في قرارة نفسك لا تثق في ذلك، دعك من الادعاء، ارض ضميرك خذ ما تبقى من وطننا وارحل، لكي نبقى بلا وطن فقط، فبوجودك تتضاعف المعاناة، لا وطن وأنت بيننا..أنت والطاعون، ارحل واترك بيننا وبين الطاعون.,صدقني سنتصالح معه بعدك وسيصبح بلسم دواء لا مصدر ألم...زرنا بعد العافية.
10 ـ سيدي الرئيس أنا لن أحدثك عن مشاكل التعليم وجامعة البؤس، ولا عن الصحة ومدافن الأحياء في غرف مركز الاستطباب الوطني، ولا عن البحر وتهديد المخزون الوطني من السمك بالانقراض ولا عن الحديد ولا عن رحم الأرض الذي تستنزفه شركات أجنبية بلا رقيب ولا عن ولا عن إلخ، ببساطة لأني لا أؤمن بقدرتك الذاتية على استيعاب مثل هذه الأشياء.
11 ـ أخيرا سيدي الرئيس..أرجوك ترجل من القصر وانخرط في أحد أندية المسرح..بالله..كم ستكون نقلة نوعية لمسرحنا الوطني...نحن لا نريدك لمأمورية رئاسية ثانية، نريدك نجما لامعا في أول مسرحية وطنية جادة!
انتهى الوقت.