تابعت لقاء الرئيس بالشباب، 400 رأس في مقابل الرأس الكبيرة! وربما 400 فكرة على الأقل، لن يرى منها النور إلا ما لاقى قبولا لدى الرئيس، هذا إن فاز بفترة رئاسية جديدة! وكأني أسمعك تردد بثقة: "سيفوز"، فما أدراك، أليس لله شؤون في خلقه؟ على كل حال لست ضد فوز أي مؤمن صادق يقيم الليل في القصر الرئاسي!
بدا التلفزيون الوطني – ولن أقول المنافق هذه المرة - متزينا بأجمل ملاحف مديرته، "لوغو" جديد، وبرامج عناوين متطورة، وكاميرات متعددة، وقاعة مصبوغة نظيفة، لكن المهم هو استمرار الزينة إلى ما بعد اللقاء.
كانت قاعة اللقاء أشبه بأتوبيس مكتظ بالأفكار، زعم المحتشدون فيه أن حب الوطن هو الذي جمعهم (وصدقوا، وأكثرهم كاذبون).. علا صياح في جانب منها، فإذا بساخط على رواتب الأساتذة المخزية يهدر مطالبا بإعلائها، كان من الفصيلة الساذجة من المجتمعين، الفصيلة التي لا تحسب كلامها.. وتحدثت فتاة عن مقاطعتها باسكنو.. وتحدث فتى بلغة المؤشرات التي انتقد الرئيس مصدرها، وقد تخرج علينا المنظمات الدولية قبل الإنتخابات بمؤشرات مماثلة تنفخ فيها إنجازاته!..
وقال البعض أن اللقاء مجرد حملة انتخابية قبل الأوان، فبعد الفقراء جاء دور الشباب، ولم يبق للمعارضة إلا النساء، وردد آخرون: بل هو حملة إصلاحية جديدة، على غرار الحملات الإصلاحية الكثيرة التي حولت البلد إلى نمر إفريقي (ميت)، فالرئيس سيفوز رغم أنف المعارضة، والحساد، ولا يحتاج لأي حملات انتخابية خصوصا في ظل تخلف شعبه العزيز..
ونعق آخرون: نحن اليوم نمر بالمرحلة الوسطى للدكتاتورية، فللدكتاتورية ثلاث مراحل، أولى انقضت – والحمد لله-، لم تكن تجامل أحدا أو تأخذ في الإعتبار وجهة نظر المتضررين من بطشها وسوء تسييرها (الشعب)، أما اليوم (الثانية) فالإنفتاح – بلا فائدة- هو السمة الأساسية، والأعمال المشبوهة السابقة يتم تزيينها بالمسرحيات والأكاذيب، فالرئيس بدل أن يجلس في برجه العالي ويدير أرباحه من غرفة نومه دون الحاجة إلى مخاطبة أي كان، يجلس اليوم إلى الشعب، وإلى الشباب، وإلى الفقراء!
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة تلاشي الدكتاتورية تماما، وحلول الديمقراطية – أو شيء آخر أنفع منها-، لأن ورقة الدكتاتورية الأخيرة، وهي التلبيس والتزييف والأقنعة الخادعة التي تلعب بها اليوم، ستتداعي، وهي بشارة على ضعفها وعدم قابلتها للنمو مستقبلا..
ورد آخرون: كفاكم حسدا أيها الماكرون، ألم تدركوا بعد مدى التطور والديمقراطية المعسكرة التي نتمتع بها في ظل هذا الرئيس المبارك "شيخ الزاوية القصرية الرمادية حيث ضريح الديمقراطية الصالحة الزاهدة المباركة التي تعلم الغيب وتشفي المرضى حتى بعد موتها"..
وكالعادة لابد للقاءات الرئيس من نكتة ظريفة تضحك الرئيس وتبكينا، حتى أصبح أبناء البلد مبدعين في مجالها، وهي فقط لجلب الإنتباه، وتسليط المزيد من الأضواء على الولي الصالح، وربما الحصول على بركته وبعض فضله، فبعد البيت الهندي الشهير "تريهي مريهي" للشاعر المتعزز، وقطع الطفل – الطّلاب- الطريق على الرئيس للتوسط لأبيه أو جدته، رأينا طفلا في الرابعة عشر من عمره يلفت انتباه الرئيس بنيته الرقص على أنغامه، ويدخل ضمن اللقاء رغم صغر سنه، وانعدام رأيه، فهل هي خفة دم أم هو الغباء، وكج المرفوضين؟، وهل يشجع الرئيس على النفاق؟ ألسنا مأمورين بأن نحثو التراب في وجوه المداحين، الذين يعتبرون ما يحصلون عليه غنيمة غير مشكورة..
ويبدو أن أحدهم - يلبس دراعة زرقاء - جلس بجانب الرئيس أو قبل يده أو عانقه عناق المودع، لا أدري، فصاحب الكاميرا – الغير محترف- لم يوجهها إلى الحدث الذي جرى في المنصة، فعجبا له من نفاق، وممن يأتي في هذه الأيام؟ من الشباب! من الأمل في القضاء عليه، فماذا ترك هؤلاء للشيوخ المساكين؟..
وقال أحدهم أنه جاء من فرنسا فقط لكي يشجع الرئيس – يا له من حج مبرور-، وأنه كتب فيه مقالات كثيرة بعضها ضده، حقا من يرى هذه الجرأة يهون عليه التحول إلى شيطان مريد في سبيل الحصول على المزيد من لقم العيش المحرمة.. لكن السحر انقلب على الساحر، وكالعادة كان الرئيس أكثر عقلانية وبساطة وصراحة من الأغمار، فأتخذه مجالا للسخرية، وتحول إلى مضحكة لمن في القاعة..
اسمع البعض حولي يهمس: كم يحب الرئيس السهر، ففي كل لقاءاته لا يفرق بيه وبين أحبابه إلا الديك، لكن أي ديك، ديك من الحرس الرئاسي..
ثم أشار شاب إلى ضرورة فرض "الوسطية الشنقيطية الدينية" على الشعب؟! وعندما أسمع كلمة "وسطية" أشمئز لأني اعرف أن اغلب المبتدعة يتسترون خلفها، فلا توجد وسطية في الدين، يوجد دين واحد، وأمة وسط، وهذا الدين الواحد يفرض نفسه بالقوة والمنطق، ولا يحتاج لفرضه، وكل بدعة ضلالة يجب تصحيحها بدل حمايتها، والعاقل لا يتبع الهوى والآباء، بل يتبع الحق وحده، والحوار مطلوب، والحظر غير مرغوب، وليس في الدين ما هو خارجي مجلوب أو داخلي محبوب، يوجد الحق والباطل، وفقط. فتحاوروا، وانفتحوا على بعضكم البعض إذا كان هدفكم هو الإهتداء، وإعلاء كلمة الحق (الدين)، أما إذا كان هدفكم هو التشبث بما كان عليه الآباء من باطل - مثلا-، أو ما استحسنته أنفسكم الضعيفة فأعلموا أن فرض الباطل على الحق أمر مستحيل، والحق لا يخشى الباطل بل الباطل هو الذي يخشاه، ويستنجد بحماية الشيطان وزمرته..
وكالعادة كان الرئيس أكثر تخصصا من الشباب المحيطين به، وذلك ما يدل على أن للقاء فائدة مسرحية أكثر منها حقيقية، وهو أمر أشرت إليه سابقا، فلا احد أعلم من زمرة السوء التي تتحكم في منافذ ووزارات الدولة، ولا تنقصها الأفكار ولكن ينقصها الإخلاص.
المهم أن الرئيس قال أنه سيعمل على إدخال التعليم الديني في المناهج ورفع ضارب بعض المواد الدينية الذي كان – ولا يزال- ضعيفا مقارنة بمواد الدنيا من رياضيات وعلوم طبيعية وغيرها (بسبب الإستعمار وعملائه)..
وأخيرا تحدث الصحفي المعارض الذي طالما انتقد اللقاء، وتبين أن مشارك فيه، بكلام يقطر تلميحا وتلويحا، وكان كلامه معقولا، وله الحق في المشاركة، ولكني أدعوه إلى عدم اعتبار مهنة الصحافة بندقية يرفعها في وجه كل من يرغب في تهديده..
وتحدث في بداية اللقاء متدخلون في مجال التعليم، لم يضيفوا في رأيي أي شيء ملموس، واقترح بالمناسبة أفكارا متواضعة على وزارة التعذيب (التهذيب) في سبيل إصلاح التعليم، تركز على تخريج طلبة فاهمين لدينهم، متقنين للغات الأساسية، محسنين للتصرف في مجتمعهم، منها:
1- التركيز في الابتدائية على الأساسيات التي ستصبح فيما بعد القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها التلميذ، وهي: اللغات (العربية والفرنسية والإنجليزية) إضافة إلى الرياضيات (الحساب البسيط الغير معقد) والتربية الإسلامية (التي تعلم الطفل القرآن وأساسيات دينه كالصلاة خصوصا). ومادة عن الحياة، تتعاون مع الدين في تعلمه أساسيات الحياة الإجتماعية (معالي الأخلاق وكل ما يحسن سلوكه الإجتماعي، ولا بأس من أن ترافقه هذه المادة في كل مراحل دراسته، ومن فوائدها تحصينه ضد التسيب، والعنصرية، ورفض الوقوف في طوابير، وزيادة معلوماته حول الناس والحياة... إلخ)..
ويجب وضع مناهج ميسرة تراعي تسهيل المواد على التلميذ وتحبيبها إليه، وتجنب المواد التثقيفية التي تثقل كاهله، وتشتت انتباهه ومداركه، وتحوله إلى آلة تحفظ من أجل النجاح وحده كما كنا نفعل (فالعالم أصبح قرية واحدة، وبإمكان الطالب تثقيف نفسه دون عناء بواسطة التكنولوجيا الجديدة في كل ما يرغب فيه)..
2- التركيز عند وضع المناهج على الناحية العملية (مثلا عند وضع مناهج التربية الإسلامية يجب أن نراعي إفادتها للتلميذ في معرفة أساسيات دينه، ولو اضطرنا ذلك إلى تلخيص المادة في صفحتين أو ثلاث، وذلك أفضل من التطويل الذي لا فائدة له)..
3- تكوين الأساتذة والمعلمين على المواد التي يدرسونها، فنحد بذلك من حرية المدرس في تقديم ما يشاء وقتما يشاء.. مثلا يمكن قصر المدرس على مادة واحدة (سنة أولى أو ثانية أو ثالثة ...) يَدرسها في فترة تكوينه بالطريقة التي يطلب منه إلقائها بها.. مثلا: يقدم له ملخصا جامعا لفصول المادة، ومراعيا لفعاليتها، ويتم تدريبه على إلقائه بالصورة المطلوبة من أجل تفادى الخلل في التوصيل فيما بعد، ولا بأس من إبداعه بعد ذلك، لكن بشرط ألا يخل بالقواعد الأساسية للمادة (وهي التي تم توضيحها له في فترة تكوينه)، فنتفادى بذلك التقصير أو التطويل المخلين، والخروج عن المنهج..
وهذه الطريقة ضرورية في الوقت الحالي كحل لمشكل تأرجح مستويات الأساتذة بين السيئ والحسن، وضمان جودة ما يتلقاه الأبناء..
ومن الضروري أيضا فرض نفس المناهج على أساتذة التعليم الخصوصي من أجل ضمان وحدة المنهج، وجودة ما يتلقى الطالب، وسلامته من الدس، فلا يعقل أن تفتح لدينا مدارس أجنبية يدرس فيها أبنائنا ما لا صلة له بمجتمعهم ودينهم! فلا بد من توحيد المنهج أو قصر تلك المدارس على أبناء تلك الجاليات وخنازيرها..
وفي هذا الإطار يجب تشجيع المدرس وجعل التدريس قبلة للراغبين فيه، واكتتاب حملة الشهادات المطلوبة دون التطويل في تأهيلهم بمسابقات سخيفة لا تحدد الصالح من الطالح من بينهم (فالشهادة وحدها هي خير دليل على أن الأستاذ قد تجاوز كل المسابقات المطلوبة، ومن الغباء حساب سنتين أو أربع جامعية باختبار ساعتين قد يصادف فيه الممتحن سوء طالعه، وشهادته دليل على أنه تجاوز ما هو أصعب من ذلك الإمتحان)، فمثلا شاركت في امتحان لأساتذة الرياضيات بالفرنسية – وهم قلة-، وكان المطلوب 80 مقعدا، والمتقدم 36 مترشحا، وتم اكتتاب 5 أشخاص فقط، وذلك بحجة عدم النجاح في المسابقة! وكان الباقون كلهم حاصلون على الشهادة المطلوبة!!! والوزارة في أمس الحاجة إلى ضِعف عددهم! والمطلوب أساتذة للإعدادية لا يتطلب تدريسهم الجواب الكامل على أسئلة تلك المسابقة الخاصة بالتعليم العالي!
وحتى قريبا كنت أتردد بدون فائدة على الإدارات الجهوية أبحث عن التعاقد دون جدوى، فالمهم عند القائمين عليها هو أن يأتيهم أحد من طرف مدير أو وزير يمكنهم أن يطلبوا منه خدمة في المقابل!، أما أن يأتيهم عاطل عن العمل محتاج للعمل، ودولته محتاجة إليه، وهو كفؤ حاصل على المؤهل العلمي المطلوب، فيتعاملون معه بالرفض والبرود بسبب بعده عن قاعدة التبتيب المشئومة..
4- ويجب مراعاة أن التعليم الابتدائي لابد له من مؤهلات خاصة لأنه الأساسي فلا يجب تهميش العاملين فيه وإثقالهم بالعمل طيلة اليوم دون مقابل مشجع يميزهم عن غيرهم ممن لا يعملون سوى بضع ساعات في الأسبوع، وهم الذين يضعون اللبنة الأساس..
فيجب إكرام المعلم والأستاذ لكي يتمكنا من أداء رسالتهم على أكمل وجه..
وفي الأخير، لابد أن أنوه ببساطة الرئيس في هذا اللقاء – كعادته-، وعقلانيته، وهدوئه، وردوده الجيدة على بعض الأفكار الساذجة المطروحة، لكن لا زلنا نلاحظ عليه بعض سوء الظن تجاه نصف ديمقراطيته الثاني (المعارضة)، وتحميل بعض الأيادي الحاسدة جريرة كل خراب وتقصير، وضعف الملموس من إنجازاته في البلد إلى حد عدم الإحساس به.
وأقول له في الأخير: أشكرك على هذا اللقاء، وعلى كل اللقاءات السابقة، ولا أسيء الظن بك، ولا أستطيع لإنعدام أي دليل، لكني أذكرك بأن هذه الدنيا مجرد أيام محسوبة، والملك الحقيقي هو ملك الآخرة، فاغتنم الفرصة العظيمة التي أنت فيها، وتقرب إلى ربك برسم البسمة على وجه شعبك الحزين، ذلك خير لك من كل اللقاءات والإنتخابات، والشباب والشابات..
سيد محمد ولد أحمد
[email protected]