إذا كان الوطن غاضبا .. أفلا يستحق منا الاعتذار ؟ / محمد فاضل عبد الرحمن

رغم الثغر الباسم، و القلب الصافي، و النفس المطمئنة و ملامح الوجه الوضاء، إلا أنها ساعة غضب للحق و الدين و الوطن. أريدك أيها التاريخ أن تكتب أن الوطن قد غضِبَ منهم لا عليهم، فلتبدأ من الآن بكتابة التاريخ و لتسطر بسطور لا تمحى أن الوطن غاضب لأنهم تعجلوا، و تحدثوا في غير اختصاص و حتى تنكروا لاختصاصاتهم.

لقد أردت أن تكون مقدمة هذا المقال الخطابي و الجوابي في آن واحد مقدمة تدل على مدى خطورة ما وقع فيه بعض كتابنا المفكرين الأجلاء و المحترمين جدا جدا، في تعقيبهم على حدث عرفه الوطن مؤخرا، فكان بالنسبة لهم لا شيء، مجرد فكرة جميلة تم استغلالها للحديث إلى شريحة لم تذق يوما طعم الإحترام و التقدير على يد من ساسوا هذا البلد على مر خمسين عاما مضت.
ففي الحقيقة أخافني جدا ما قرأته من كتابات هؤلاء الإخوة الكرام، و خصوصا ما قدموه من ملاحظات حول الحدث و ما سولت لهم به أنفسهم من تمييع له و استهتار بقيمته و قيمة النتائج التي تمخضت عنه، و خاصة أن الحدث لم يكن مجرد حدث مميز بل كان حلما لطالما راود اجيال كثيرة، و لم يكن لهم من نصيب فيه سوى أن يروه في منامهم لعله يعينهم في أن يصبروا حتى تنتهي الفترة الزهرية من أعمارهم و ينسيهم الدهر ذلك الحلم الرائع و المتمثل في أن يكون لهم صوت يصدحون به و رأي يُسمعونه و وقت يغتنمون فرصته لتقديم أفكارهم  المنيرة لدرب بلد قد غرست في أرواحهم و قلوبهم محبته.
و قبل أن أغوص في أعماق ما غاب عن أذهان كتابنا الكرام أو بالأحرى ما غيبوه، لا بد لي من ذكر أسمائهم و عناوين المقالات المفزعة التي قدموها على تفاوت في الفزع و الطرح و الأمانة و أخلاقيات الكتابة في الشأن العام المخاطب بها رأي عام ذا بصيرة، كان من الضروري لمن يخاطبه الحرص كل الحرص على الصدق كل الصدق و حمل الرسالة الوطنية بقدر كبير من المسؤولية بعيدا عن التسييس و المحاباة و حب إظهار الفشل في غير محله و العمل على تحطيم آمال و طموحات أجيال الحاضر و المستقبل.

و المعنيون بهذا الخطاب هم على التوالي :

محمد الأمين الفاضل بمقاله ملاحظات سريعة عن لقاء الشباب
بون ولد باهي  بمقاله أنتم الامل إذ نحن ..!
دداه محمد الامين الهادي بمقاله الرئيس والشباب بمجهر التحليل !

أما الملاحظات فتتلخص فيما يللي
من حيث الشكل :
إن المقالات المذكورة أعلاه تمحورت في مجملها حول ملاحظات قدمها الفضلاء من الكتاب و النبلاء من المجتمع على أنها تصور نقدي محايد هدفه الأسمى أن يظهر الحقيقة كما يجب أن تظهر لمن لا قدرة له على تحليل الأحداث كما هي، ففي الحقيقة كان لبعض المقالات السالفة الذكر مداخل جميلة إلى الموضوع بيد أن بعضها كان يفتقر إلى الإنسيابية و الإسهاب و السهولة التي يحتاجها كل مقال شامل يخاطب به الرأي العام حول حدث له أبعاد إجتماعية و يركز على قضايا شمولية و أحداث وطنية بامتياز.
إن المقالات في شكلها جميلة على العموم اذا غض الطرف عما ذكر في الفقرة السابقة، إلا أن الشكل كان يدل في مجمله على أن كتاب المقالات يريدون فقط أن يكتبوا لا غير، لا إلهاما و لا تبيانا و لا تفصيلا.
من حيث التوجه :
كانت المقالات كلها مصوبة إلى فكرة واحدة مفادها أن الهدف من وراء الحدث مجرد غنيمة موسمية، و أن الغاية المتبعة في ذلك إنما هي اظهار الإهتمام الزائد بشريحة واسعة من المجتمع و خديعتها من أجل إقناعها بضرورة التشبث بما تمليه صورة الحدث الظاهرية من حب للوطن و اعتقاد في قيمة الحدث و من وراء الحدث.
من حيث الدلالة :
أكد جل الكتاب الكرام المعنيين بأن للحدث دلالة واحدة مفادها رغبة أصحاب المسرحية - كما سماها بعض الكتاب – في الإمعان في تهميش  تلك الشريحة و تخديرها و إقناعها بقيمة الحدث و أهميته و جدوائيته و عفوية المشاركة فيه و هو ما تجسد – دائما حسب بعض الكتاب المعنيين – من خلال ملامح التقدير (الزائف) المراد به الفوز بالغنيمة الموسمية آنفة الذكر.
من حيث الهدف :
خلص الكتاب الكرام إلى أن الهدف من اللقاء تمرير رسائل للطرف الآخر و التحضير لإمتحان بات على الأبواب يحتاج من وجهة نظر الكتاب إلى لقاءات تحضيرية تتيح الفرصة للطالب المعني (الرئيس) بأن يتمرن أكثر فأكثر حتى لا يقع في أخطاء أثناء فترة الإمتحان مما قد يصعب مهمة النجاح المنشود.

الأخطاء المرتكبة من قبل الكتاب :
وقع الكتاب في أخطاء عدة سأحاول سردها للرأي العام كما يللي :
سأقسمها إلى قسمين : أخطاء عامة و أخطاء خاصة
الأخطاء العامة :
أولا : أن جل المقالات كتبت لتعطي صورة أولية عن اللقاء، حيث وقع كتابنا الأجلاء في خطأ إصدار الحكم قبل انتهاء المرافعة، و هو خطأ لا يقع فيه قاض متدرب أحرى أن يقع فيه خبير قضاة متمرس ألزم نفسه أن يحكم بالعدل بادئا بسجن نفسه الأمارة بالسوء و زجر قلبه العطوف المائل و تحكيم عقله دونا عما سواه.
الأخطاء الخاصة :
مقال محمد الأمين الفاضل بعنوان ملاحظات سريعة عن لقاء الشباب
مما أدهشني في مقال الكاتب المخضرم و المختص في التنمية البشرية، على قرب في مجال التدخل بيننا، هو سرعة ولوجه للملاحظات و سرعة خروجه من المقدمة، حيث لم يتعب حتى نفسه في إكمال المدخل بشكل يليق بالحدث بغض النظر عن توجه المقال ما بين الذم و المدح.
بدأ الكاتب بعد الإنتهاء من المقدمة مباشرة بإصدار الأحكام التي كان لها وقع الصاعقة على مسمع كل متتبع للحدث متزن في الطرح و مراع للموضوعية و الحياد، حين نفى نفيا قاطعا حديث اللقاء عن البطالة ليحيلني للتساؤل التالي :
تصوروا إخوتي القراء الكرام أن 400 شاب من كل الإختصاصات و من شتى الميادين يجتمعون في مكان واحد و لا يتحدثون عن البطالة، حتى و لو افترضنا أن ليس من بينهم عاطل عن العمل :
فهل يقبل هذا عقل أو منطق ؟
ثم جاء كاتبنا المحترم من زاوية الأرقام ليعطينا دليلا آخر على أنه كان متسرعا في الكتابة و لم يقم حتى بالبحث عن الأسباب وراء ذكر الرئيس لإنخفاض البطالة إلى نسبة 10 في المائة.
أحيل حضرة الكاتب المحترم إلى هذا الخبر الذي نشره موقع وطني حول انخفاض نسبة البطالة في موريتانيا لتصل إلى 10 في المائة، رغم أنه أظهر عدم تمكن من الموضوع حين طرح عدة احتمالات.
رابط الخبر   :     http://www.cridem.org/C_Info.php?article=644586
أما حديث كاتبنا الكريم عن اللغات التي يجهل أو يتجاهل أنها مجرد وسيلة للتواصل، حظر الحديث بها تزمت و اساءة للآخر و ربما حرمان للمتلقي من الفكرة و حرمان لصاحب الفكرة من توصيل جيد لها.
أما عن الأرقام الفلكية فذلك قد يكون معذور فيه كاتبنا الكبير حيث أن الأرقام الفلكية لا يفهمها إلا الفلكيون أو بالأحرى الأرقام المالية لا يعي قيمتها سوى المختصون في مجال المحاسبة ( الحساب بلغة مبسطة)  و الموازنات المالية و التدقيق المالي ( اهل لقتصاد بحسانية واضحة).
ثم جاءت الكهرباء لتضيف خطأ جوهريا آخر إلى ما سبقها من أخطاء لتتحول أسلاك المقال من موصل للأفكار إلى تماس فكري سببه انحراف صاحب التنمية البشرية عن المسار المستقيم ليفقد السيطرة عند منعطف متوجه لأكثر التخصصات تشعبا و استعصاء على الفهم من قبل من لم يدرسوه حين حاول كاتبنا الكبير إقناع المتلقي بضرورة توفير الكهرباء للمواطن قبل بيعها للخارج - رغم أنه لا يختلف اثنان على ان الأمر ذا قيمة كبيرة و هو هدف نبيل بحد ذاته - إلا أن صديقنا يتناسى حاجة الدولة في العملة الصعبة التي يوفرها التصدير و كذلك ما يضيفه التصدير من قوة للعملة المحلية مصدر الفائدة على الاقتصاد و ذات الأثر الإيجابي على حياة المواطنين.
أما عن مداخلة صاحب ورشة العدالة و تكراره لسيدي الرئيس، و اللغة الفرنسية، و ما إلى ذلك من أمور مشابهة، فذلك من أخطر ما يمكن أن يحجب عن خبير في التنمية البشرية تلك الصفة لأن من يتحسس من اللغات لا يمكنه أبدا أن ينمي بشرا أحرى أن يهيأ مصدرا بشريا.
أما أن يدخل كاتب كبير و محلل مرموق في معمعة عدم الاعتقاد و الحكم المسبق على أمر لم يلم بكواليسه و لا خلفياته، فذلك ما يجعلني أتساءل عن جدوائية أن نقرأ مقالات كتابنا الكرام إذا كانت بحد ذاتها ناقمة لا تنويرية و لا معينة على الوصول إلى مقاصد المقال و الكتابة عموما؟
و لكي يظهر الجرم المرتكب في حق الوطن و ابناء الوطن وقع الكاتب في فخ مصادرة الرأي و حرية التعبير حين انعرج الكاتب إلى نظرة رجعية لمفهوم التصفيق باليدين، تلك النظرة التي كانت راسخة في الأجيال المندثرة، حين اتهم المصفقين (لغة) على أنهم مصفقين (إصطلاحا)، ما أثبت من خلاله الكاتب الكبير أن التسييس يطغى على مقاله هذا أكثر مما يطغى على المشاركين في اللقاء، فما لبث أن ثبتت عليه تهمة التسييس بشكل مؤكد حين استخدم تكتيك السياسيين في إخفاء الحقيقة الظاهرة للعيان و عدم الإعتراف بوجودها، تلك الحقيقة المتمثلة في طلب رئيس الجمهورية نفسه من مقدم اللقاء أن يطلب من الحضور ابعاد اللقاء عن السياسة، ما زاد من حرارة التصفيق (لغة) - مرة أخرى للتأكيد – عند أهل المنطق و العقل، و (اصطلاح)  عند أهل (سياسة أتبلتيك) التي اراد كاتبنا المحترم ان يصنف في خانتا.
و لكي ينهي مقاله في ممارسة للسياسة المعلنة، يهاجم كاتبنا الكبير ذا الأربعة عشر ربيعا في انتهاك صارخ لأخلاقيات الإختصاص إختصاص التنمية البشرية، حتى أنه استخدم إشارات واضحة ليجعل من الطفل سنا و الرجل عقلا و تصورا و فكرا، مجرد دمية يحركها من يكره كاتب المقال بأن يعترف بنجاحهم، و تفوقهم على أصدقائه في حقله السياسي المتهالك نظرا لتهالك أعمدته.
بون ولد باهي  بمقاله أنتم الامل إذ نحن ..!
لقد صنف كاتبنا الكبير مقاله و اعترف في مقدمته بمستوى المقال مما جعلني أقرأه ثلاث مرات ( و الله فعلت) لعلي أجد فيه ما ينفي ما تقدم به كاتبنا الشاب، الذي نسي على ما يبدوا أن يقرأ مقاله مرتين كما جرت العادة للتمحيص و التنقيح و النقيط. و لأجل ما تقدم و رغم أني لست متعبا، إلا أنني في العادة لا أعطي للناس قدرا أكثر مما اعطوا لأنفسهم و لا أزيدهم طموحا أكثر مما طمحوا لأنفسهم لأن المرء خبير بنفسه.

دداه محمد الامين الهادي بمقاله الرئيس والشباب بمجهر التحليل !
أما شاعرنا الكبير و كاتبنا الفذ و ابن ضاحيتنا و ابن شيء آخر ليس المقام مقام ذكره، فقد تجاهل ذات القواعد التي تجاهلها كاتبنا الكبير ولد الفاضل، ليدخل مباشرة في الملاحظات و من أهمها ملاحظة الرياضة التي من وجهة نظري تبعد بمستوى معين عن الشعر و الأدب إذا اعتبرنا أن الأولى دواء للجسد و الأخيرة دواء للروح، و كم داوت أشعار شاعرنا من أرواح كلما عاودها المرض هرولت إلى دواوين دداهي لتعيد الشفاء للروح (قول حق لا مجاملة).
إن المكتتبين في الرياضة تم دمج مشكلهم في إطار التوصيات التي قدمها المتحدث باسم اللجنة، و هذا هو المطلوب.
لقد خلط شاعرنا الكبير ما بين الزج بالدين في المعارك السياسية كوسيلة لزعزعة الأمن من أجل اثبات فشل طرف سياسي معين (دون أن يكون ذلك الفشل واردا) ركوبا للموج من اجل اغتنام تلك الفرصة و الوصول للهدف المنشود (الكرسي)  الذي لم تشأ الأقدار أن يلجوا اليه من خلال الطرق الطبيعية،
فلا الرئيس تحدث كما تحدث السادات و لا العلمانية تطبع حياة الرئيس نفسه، و أنتم يا شاعرنا خير العارفين.
أما الهجوم على الشباب و مشاريعه فذلك ما لا يُتوقعُ أبدا من شاعر في مقام دداهي متى كان الشباب بلا مشاريع مهما كانت مستوياتهم، فكل شاب يحمل على الأقل فكرة واحدة، إن لم يكن يحمل أكثر، و لا احسبكم شاعرنا الكبير لم تتابعوا مقتطفات التوصيات، التي قدمها الشباب في الليلة الثانية، ما يجعلني أحسب شاعرنا يفكر حتى اللحظة في مصداقية ما كتبه في مقاله هذا المستعجَلْ.
أما بقية المقال فستبقى للأبد بلا تعليق، لأنها تدخل في إطار الظنون و التهم، و إن كانت من شاعر يتذكر الله و لو في عجل.

و أختم هنا فأقول أنه بين أصحاب المقالات آنفة الذكر قواسم مشتركة :
سرعة الحكم على حدث قبل انتهاءه،
التأويل المتسرع في مواضيع خارج الاختصاص .. فقد حسبوا أن لقاء الرئيس بالشباب معناه حفل الإفتتاح، و بعض المتدخلين العشوائيين.
البحث عن زلة، لم يعصم منها إلا الأنبياء .. و كأنهم يريدون أن يكون لموريتانيا "رئيس نبي" إذا جاز القول،  لكي يرضوا، و هذا طبعا مستحيل إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه و سلم.
أنهم من النخبة المثقفة و الداعية إلى التواصل و الحوار و قبول الآخر، رغم نقد بعضهم على الحديث بلغة الأجانب في حفل وطني فيه نسبة معتبرة من غير الناطقين بلغتنا، و نسبة أخرى بحكم الدراسة تتقن مجال تخصصها في اللغة الأجنبية و لا تعرف مصطحاته الا بتلك اللغة.
و القاسم الأخير :
أنهم أغضبوا الوطن حين أهانوا شبابا من خيرة شباب موريتانيا إذ أن نسبة كبرى من الأكاديميين شاركت في للقاء، ثم أغضبوه أكثر حين أساؤوا لشابة من باسكنو و مراهق يحلم بغد أفضل، دلت عفوية خطابه على أنه لم يمر على مقص رقيب، و أغضبوه أكثر حين تحدثوا في غير اختصاصاتهم، و ذلك عادة ما تجر له السياسة.
و في الأخير، لا يسعني إلا أن أتقدم إلى إخوتي الكتاب بتحية ثغر باسم، و قلب صافي، و نفس مطمئنة و ملامح وجه وضاء، لأختم ساعة غضب للحق و الدين و الوطن. فقد أردت للتاريخ أن يكتب أن الوطن قد غضِبَ منهم لا عليهم، لتبدأ من الآن كتابة التاريخ و تسطر بسطور لا تمحى أن الوطن غاضب و يستحق الإعتذار.

السلام عليكم


محمد فاضل عبد الرحمن
مشارك في لقاء الرئيس و الشباب

23. مارس 2014 - 11:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا