الطيور على أشكالها تقع/ محمد لمين أشفاغ

"وقد تباحث الطرفان المواضيع ذات الاهتمام المشترك وأتفقا على تنسيق المواقف فيها"
كانت هذه العبارات القليلة أهم ما رشح –على ندرته- عن الزيارة الخاطفة التي أداها الرئيس محمد ولد عبد العزيز قبل أيام إلى جمهورية غينيا الاستوائية والتي وصفتها بعض وسائل 

الإعلام بالزيارة "غير واضحة المعالم والأهداف"، لم أفتأ أطرح على نفسي التساؤل عن  ماهية القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الطرفين وما يجمع بينهما من مسائل تستدعي من ول عبد العزيز أن يستجدي نصح العجوز الغيني الذي جاوز السبعين خريفا ؟
الرئيس الغيني اتيودور انغيما لم يحظ في صغره بالكثير من التعليم لدرجة أنه كاد يضيع مستقبله بسبب ممارسته للسطو والبلطجة، كان ذلك ما دفع ابن عمه الضابط العسكري فرانشيسكو انغيما إلى تعهده وادخاله مدرسة أبناء حرس الحدود في المستعمرة الإسبانية عام 1963 ليتم تأهيله فيها خلال سنة مكنته من اللحاق بالأكاديمية العسكرية في سراقسطة حيث تخرج منها جنديا سائقا وميكانيكيا للسيارات.
غداة استقلال البلاد أضحى ابن عمه ومتعهده رئيسا للبلاد وهو ما مكن صاحبنا من الترقي في السلم الوظيفي بسرعة كبيرة، عين مديرا للعتاد في وزارة الدفاع ثم قائدا لقوات النخبة المتواجدة في العاصمة قبل أن يتوج مسيرته العسكرية بتعيينه قائدا للجيش ونائبا لوزير الدفاع،  وفي صبيحة الثالث من أغشت 1979 أعلن المجلس الأعلى بقيادة تيودور انغيما أن النظام البائد تم وضع حد لسلطاته.
منذ ذلك الحين واتيودور هو الزعيم الأوحد للبلاد التي صنفتها منظمة "انترناسيونال ناركوتيكس باورد" كأحد أكبر البلدان المصدرة للمخدرات في افريقيا، فضلا عن أنه تم اعتقال عديد الأشخاص المقربين من النظام لضلوعهم في تهريب المخدرات.
قبل سنوات أصبحت غينيا الاستوائية ثالث أكبر مصدر للنفط في افريقيا بعائدات سنوية تفوق 3 مليارات من الدولار، ومع كل ذلك يعيش غالبية السكان البالغ عددهم نصف مليون نسمة بأقل من دولار واحد في اليوم حسب منظمة الأمم المتحدة مع أنه من الناحية النظرية يجب أن يبلغ متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي أزيد من 26 ألف دولار سنويا.
في مقابلة له مع فرانس 24 صرح الرئيس الغيني الاستوائي أنه لا يتقاضى أي راتب من الخزينة العمومية لأنه يعف عن المال العام ويتنزه عنه، سأله الصحفي ولكن كيف تعيش؟ فكان جوابه: الحمد لله انا مدير للعديد من الشركات ومستثمر ومقاول كبير وأعيش من عائداتها !
تصنف مجلة فوربس الرئيس اتيودور كأحد أغنى الرؤساء في العالم بثروة تقدر بحوالي 600 مليون دولار، فهو المقاول الأول في بلاده كما أنه المستثمر الأول في شركات المعادن والنفط والمحروقات والخدمات والنقل و ....، لا ينافسه في ذلك غير نجله اتيودور الصغير الذي تلاحقه المنظمات الدولية في فرنسا وجنوب افريقيا والولايات المتحدة بسبب ثرائه الفاحش والمشبوه.
لا نحتاج اذا الى كبير جهد لفك طلاسم القضايا المشتركة بين الرئيسين عزيز واتيودور، فسيرتهما تكاد تتطابق، فهذا ول عبد العزيز لم يتحصل على أي شهادة مدرسية وعاش طفولة عرفت نوعا من التسيب قبل أن يلتقطه ابن عمه ويتعهده في المؤسسة العسكرية التي كونته في ميكانيكا وسياقة السيارات وعمل لاحقا مديرا للعتاد في القوات المسلحة ثم قائدا لقوات النخبة في العاصمة فقائدا للأركان الخاصة دون أن ننسى قلبه لظهر المجن على ولي نعمته وابن عمه، ولعله من الطرافة أن عزيز واتيودور وصلا للسلطة عبر انقلاب في الثالث من أغشت وترأس كل منهما المجلس الأعلى للدولة.
لم يكن عزيز أيضا بمنأى عن تهم الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال ولعله اعترف ببعضها في لقاء الشعب بمدينة النعمة لكنه اعتبر ذلك قبل توليه الرئاسة، أما بعد توليه الرئاسة فقد أصبح ول عبد العزيز مقاولا ومستثمرا في عدة مجالات وخاصة المحروقات والمعادن والطرق والعقار وغيرها من المجالات المدرة للثراء وبأي ثمن، يرتبط اسم أحد أبناء عزيز بصفقات مشبوهة كبيرة ولعل آخرها صفقة بناء محطة انواكشوط الكهربائية التي اعتذر البنك الاسلامي للتنمية عن تمويلها بسبب فساد شابها قبل أن يتدارك الأمر ويعلن أنه قرر دراسة جديدة لتمويل المشروع ربما ستأخذ بعين الاعتبار الموقف من التيار الإسلامي ومضايقة بعض رموزه، وجه الاختلاف الوحيد بين الزعيمين لعله يتلخص في تورع رئيس غينيا عن راتبه ومستحقاته وهو ما لم يقتنع به نظيره الموريتاني.
تلك هي باختصار المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين فخامة القائدين الذين يتربعان على ثروات طائلة ويعيش أبناء شعبهم في فقر مدقع، ولكم إخوتي الأعزاء أن تتوجسوا خيفة من التنسيق الذي سيتم في الفترة القادمة بينهما، وقديما قيل أن الطيور على أشكالها تقع.

24. مارس 2014 - 15:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا