لاشك أن فكرة لقاء الرئيس بالشباب هي فكرة جديدة ومبتكرة،تزيل الحاجزبين القمة والقاعدة ؛وتقصرجسرالتواصل بينهما،وبالتالي فإنه إذا تم الإعداد الجيد لهذا للقاء واستغلاله استغلالاً صحيحاً فستكون له الكثيرمن الإيجابيات ،أما إذا لم يحدث ذالك كأن يكون توقيته والهدف منه غيرمناسب فإن مخرجاته ستكون هزيلة وغيرباقية.
أما تقييمي الخاص للقاء الذي تم،فسيتناول أطرافه الثلاثة اللجنة المشرفة ؛المشاركين؛مؤسسة الرئاسة كل على حدة .
ـ فبالنسبة للجنة المشرفة لم يتم اختيارأعضائها وفق معاييرشفافة؛معلنة للعموم،فقد تم قبولهم لأنهم كانو أول من سجل للقاء؛وتحمس للفكرة ودافع عنها إعلامياً،بل الأغرب من ذالك أن من ضمنهم من كان بالأمس القريب يُلقي سيلاً مُتدفقاً من النقد الجارح والشتائم اللامتناهية والسخرية اللاذعة من شخص ونظام ومشاريع محمد ولد عبد العزيز،فسبحان مُقلب القلوب ومُغيرالأحوال.
ـ بالنسبة للمشاركين ؛فمن بين مايقارب 6000 شاب متقدم للمشاركة في اللقاء تم تحديد 400 مشارك فقط ،ورغم أن هذا لعدد قليل جداً ؛لكن ماهو أهم من هذا العدد أنه بالنظرإلى من تم قبولهم للمشاركة يتبين أن بعض الإختيارات لم تكن شفافة ولانزيهة،حيث لم يكن أصحابها من الشباب ولامن العاطلين عن العمل ولامن أصحاب الأفكارالمبتكرة القابلة للتحول إلى مشاريع منتجة وقابلة للتطوير،بل الأغرب من ذالك حضور بعض تلاميذ الثانوية العسكرية بزيهم العسكري وبعض تلاميذ ثانوية الإمتياز وجلوسهم بجنب الرئيس،رغم أن هاتين المجموعتين لم يتم اختيارهم من طرف اللجنة المشرفة .
كذالك تم اختيارثلاثة متحدثين من كل ورشة؛وسُمح لكل متحدث أمام الرئيس بالحديث لمدة قصيرة جداً ـ دقيقتين ونصف ،لكن الرئيس سمح لبعض المتحدثين بالحديث أكثرمن تلك المدة المحددة سلفاً ـ
وكانت الأفكاروالإقتراحات المطروحة بسيطة،ومأخوذة من الإنترنت أومن مشاهدات المشارك أثناء زيارته أومُقامه في دولة أجنبية أوأنه تلقاها أثناء تعليمه الجامعي .
كما لوحظ أن بعض المشاركين لم يلتزم بالنظام،لافي طلبه للحديث ولاعندما أراد الرئيس التقاط صورة تذكارية مع أصحاب كل ورشة؛فما إن تُلتقط الصورة حتى يتدافعوا ـ كالفراش ـ إلى الرئيس لتسليهم طلباتهم الخاصة وسيرهم الذاتية.
ـ بالنسبة لمؤسسة الرئاسة؛فهي من دعت إلى اللقاء ومولته ورعته وتعهدت بتحقيق مُخرجاته على أرض الواقع،ورأته فرصة ثمينة وطُعماً سيسحب الشباب بصورة تدريجية من الأحزاب المعارضة.
أثناء اللقاء بدا الرئيس واثقاً من نفسه،وماحققه من انجازات،وكان يضحك إذا سمع مايُضحك؛وتتهلل أساريره إذا تم الثناء على انجازاته لكنه سرعان مايغضب إذا تم انتقاد تلك الإنجازات أوالتقليل من شأنها.
ـ دافع عن انجازاته الإقتصادية ،مشيراً إلى أنه أنقذ الدولة من الإفلاس ونقل ميزانيتها من 170 مليون دولارإلى مليارو107مليون دولارأي أنها تضاعفت 6.5 مرة في غضون 6 سنوات،وذالك بسبب توفرموارد جديدة ومحاربة التهرب الضريبي ونهب المال العام؛كما تم كبح التضخم وخفض نسبة البطالة.لكنه تجاهل الفصل التعسفي لبعض عمال الشركات المعدنية وبعض عمال وزارة المالية ومظاهرات المعطلين؛وازدياد المديونية الخارجية؛وضعف العملة الوطنية وفساد بعض الصفقات العمومية.وقدَّم تبريرات ضعيفة حول ارتفاع الأسعاروضعف القدرة الشرائية للمواطنيين؛وجهله التام للنواقص في قطاعي الصحة والتعليم رغم زياراته المتكررة لمؤسسات تتبع لهذين القطاعين.
ـ وفي الجانب الديني تعهد ببناء جامع انواكشوط بعد أن كان قد أطلق قناة المحظرة وإذاعة القرآن الكريم وطبع المصحف الشريف وخصص رواتب للأئمة ،كما تعهد برفع ضارب مادة التربية الإسلامية في المدارس ودعم الفكرالوسطي لمواجهة التطرف والغلو والإلحاد.
لكنه تجاهل التساهل أوالإمتناع عن إنزال العقوبة بالمُسيئين إلى المقدسات ؛فصاحب محرقة كتب الفقه المالكي مُنح حرية مؤقتة؛وصاحب الإساءة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربما تُؤجل محاكمته إلى مابعد الإنتخابات الرئاسية؛وجريمة تمزيق المصحف صُنفت ضد مجهول.
ـ وفي جانب الحقوق وحرية التعبيروالإعلام تعهد بصونها؛وأن لاعودة لممارسات الماضي،لكنه تجاهل قمع المتظاهرين السلميين داخل العاصمة وخارجها بشكل أدى إلى سقوط بعضهم قتلى؛وطرد ولد الماموني من الوكالة الموريتانية للأنباء ؛وطرد الطلبة الجامعيين من الجامعة ؛وطرد مؤقت لشيخة من مبنى مجلس الشيوخ ؛والإخفاء القسري لبعض السجناء السلفيين؛وانتزاع أراضي زراعية من مواطنيين ومنحها لمستثمرأجنبي؛واالتدخل في الشأن القضائي؛والضغط على ومحاولة حرمان رجال الأعمال ورجال الدِّين والحقوقيين والنقابيين من حقوقهم المدنية في ممارسة السياسة ومعارضة نظام لايرضون عن إدارته للشأن العام لبلدهم.
ـ هاجم منظمة الشفافية الدولية واتهمها بالتسيس وأخذ معطياتها ـ المتعلقة بالبلد ـ من أطراف معارضة لنظامه ،كما هاجم السياسيين وانتقد استغلالهم للدّين وللمنظمات الحقوقية والنقابية،لكن معاضيه يتهمونه بإستغلال الدّين والتوظيف والخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها كوسائل ابتزازسياسي ضمن مايُعرف بالممارسة غيرالنظيفة للسياسة ،ويقولون أنه لولا الصوت المعارض ونضاله على مدى عقدين من الزمن ضد الفساد والديكتاتورية والإستبداد لما تحقق شيء مما تحقق الآن،وأن الرجل لم يعد لديه ما يُقدمه للشعب الموريتاني وبالتالي فعليه أن يترك المنصب لمن سيقدم ماهوأفضل.
ـ تعهد بإنشاء معهد أعلى للشباب ؛كهيئة استشارية مستقلة وغيرسياسية،وأن الأفكارالتي قدمها الشباب
سيخصص لها ـ على دفعتين ـ مبلغ 100 مليون دولارـ أي مايُعادل 30 مليارأوقية ـ ليتم تحقيقها،لكنه لم يتحدث عن الكيفية التي سيتم بها الربط بين مؤسسة الرئاسة وهؤلاء الشباب ولاعن المشكلة الرئيسية التي يعاني منها معظم المشاركين ؛ألاوهي البطالة والفقر