أرقام ومفارقات في لقاء الشباب / محمد محفوظ المختار

كانت الساحة الإعلامية والسياسية في موريتانيا على موعد مع إطلالة لرئيس الدولة محمد  ولد عبد العزيز  وذلك مساء الخميس 20  مارس 2014  عبر مسرحية هزيلة الأداء والإخراج سميت مجازا بـ"لقاء الشباب" قُدمت خلالها مجموعة من الأرقام عن واقع الاقتصاد

من طرف رئيس الدولة . أرقام أسالت الكثير من الحبر وأثارت الكثير من الجدل، وطرحت من التساؤلات  أكثر مما قدمت من الأجوبة. ولعل الرقم الذي جعلني أتكبد عناء الكتابة وأدخل في متاهات النقاش هو ما صرح رئيس الدولة بوجوده في الخزينة يوم الخميس الماضي والذي قال إنه يصل إلى مليار ومائة وسبعة مليون دولار.

شكل الإعلان عن هذا الرقم الكبير مصدرا للفضول بالنسبة لي، واستدعى مني بعض المعالجة، وطرح  عددا من الاحتمالات تسعى كلها إلى إيجاد تفسير منطقي لعدم استغلاله في ما ينفع الناس ويمكث الأرض.
إن  الحديث عن وجود مبلغ بهذا الحجم في ظل المشاكل المتراكمة التي تثقل كاهل الاقتصاد الوطني وتتجاوزه ليعيشها المواطن على كافة الصعد والمستويات. يطرح عدة احتمالات لا بد من الخوض فيها:
أولا: أن هذا المبلغ موجود بالفعل في خزينة الدولة.. لكنها عاجزة عن توظيفه في ما يخدم المواطنين؛ إما بسبب غياب الرؤية الاقتصادية أو انعدام الإرادة السياسية أو كليهما.. خاصة أن هناك أزمة مترسخة وعميقة في أهم القطاعات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة المواطنين مثل الأسعار التي تصَّعد في السماء، وغياب الأمن وتدهور قطاع الصحة والانتكاسة في جانب التعليم ، وانتشار البطالة. والتي رفض الرئيس الحديث عنها ومناقشتها خلال لقاءه بالشباب.
ثانيا: أن هذا المبلغ موجود. لكنه متروك لترهيب الخصوم. وبالتالي فإن استعراضه والإعلان عنه مجرد رسالة إلى الخصوم السياسيين لولد عبد العزيز من  أرباب المال الذين يملكونه ويسخرونه للخوض في معترك السياسة. أمثال رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، ورجل الأعمال والسياسي النافذ في غرب إفريقيا المصطفى ولد الإمام الشافعي مفادها:  "أننا مثلكم نملك سلاح المال وبالتالي فرسالتي للأنصار لا داعي للقلق ... وللمناوئين نحن هنا".
ثالثا: أن يكون هذا المبلغ غير موجود من حيث الأساس وإنما جاء الإعلان عنه بغرض التوظيف السياسي من أجل جذب الانتفاعين من شيوخ القبائل ورؤساء المنظمات والشخصيات التي غالبا ما تأوي إلى حيث ما كان المال الوفير، حتى لو لم يكن لها منه حظ ولا نصيب.
المبلغ الذي أعلن عنه ولد عبد العزيز في لقائه بالشباب شهد زيادة بأكثر من 6 مليار دولار  عن ما أعلن عنه مساء يوم 13/08/2013 خلال لقاء الشعب الذي انعقد بمدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي. من هذا المنطلق فإن الخزينة الوطنية تشهد زيادة مداخيل تزيد على 700 مليون دولار شهريا دون أن ينعكس ذلك على المواطنين وواقعهم البائس.
الغريب هو وجود مبلغ كبير كهذا في ظل عجز الدولة أو امتناعها عن صرف اشتراكها السنوي للأمم المتحدة بحسب بيان صادر في نيويورك يوم الثلاثاء 11 فبراير الماضي. علق بموجبه  حق موريتانيا في التصويت  خلال الدورة الثامنة والستون للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في شهر فبراير المنصرم.
حاول رئيس الدولة أن يصرف الأنظار عن الآفاق المستقبلية لاستثمار المبلغ الذي أعلن عنه، وذلك بهجومه على منظمة الشفافية العالمية واتهامه إياها بالتسيس. الأمر الذي لا يقدم في جانب الانجازات ولا يؤخر في جانب المآسي التي يتعرض لها الشعب الموريتاني اليوم.
قبل أن أنهي هذه المعالجة لا يسعني إلا أن أتطرق لخبر اجتماعي ذا بعد اقتصادي، حيث أن أول فائدة  تبرز من مخرجات لقاء الرئيس بالشباب تجسدت في طلاق سيدة موريتانية بعد أن سحرتها الأرقام الواردة في عرض رئيس الدولة خلال  لقاءه بالشباب. مما جعلها تهمل شؤون بيتها وتخرج منه بعد أن ضيعت أمانتها وضاق زوجها ذرعا بحديثها عن الرئيس وإنجازاته.
ختاما: يشكل إعلان رئيس الدولة عن هذا المبلغ طامة كبرى و صدمة عظمى لأكثر من 600 ألف جائع في موريتانيا أعلن عنهم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من خلال تقرير نشره يوم الاثنين 03/03/2014. وشكل أيضا مصدر تعجب لنا من حجم مبلغ لم نتأكد من وجوده، لسبب بسيط هو أن معطيات الوقائع تقول بعدمه.

 

محمد محفوظ المختار – ناشط سياسي
[email protected]

25. مارس 2014 - 17:22

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا