لعلكم لاحظتم أن الجنرال محمد ولد عبد العزيز يعتمد كثيرا على الأرقام التي يعتبرها برهانا على النمو الإقتصادي الموريتاني، لكن ذلك يبقى مجرد كلام أو أنه في بعض الأحيان تشوبه بعض المغالطات الفادحة، فليس ببعيدة عنا أرقامه التي
أعلن عنها في لقاء الشعب المصغر أو ما يعرف بلقاء الشباب (400 شاب) تلك الأرقام التي تناولت مستوى البطالة والتضخم وتحول موريتانيا إلى الدول متوسطة الدخل وبالمناسبة فهي مرتبة لا تفرح كثيرا، وفيما يتعلق بالتضخم فحسب المفهوم العامي له (أي التضخم) هو الإرتفاع المستمر للأسعار، ولعلكم الآن تستطيعون الحكم إن كان معدل التضخم انخفض أو زاد، أما بخصوص نسبة البطالة التي أعلن عنها الجنرال والبالغة 10% فنترك لكم المقارنة بين هذه الأرقام، وبالعودة قليلا إلى الماضي نجد أن نسبة البطالة خلال سنوات التسعينات تتراوح بين 21 و23 % وعرفت بعد ذلك انخفاضا هاما مع بداية الألفية الثالثة حيث وصلت عام 2004 إلى 20% من إجمالي السكان، إلا أن مؤشر البطالة قفز عام 2008 إلى أرقام غير مسبوقة ليصل حسب إحصائيات رسمية إلى 30% ثم تعرف طريقها نحو صعود مستمر، ففي عام 2009 و2010 وصلت النسبة إلى حدود32% و2011 وصلت 33%وفي السنة الماضية (2012) قدرت ب 35%.
وتؤكد عديد المنظمات أن النسبة الحقيقية تصل 36% من مجموع السكان بينهم 15% على الأقل من حاملي الشهادات.
هناك ملاحظة ينبغي لفت الإنتباه اليها وهي أن الأرقام التي يعلنها الجنرال والتي تعتمد على معطيات مؤسستا بريتن وودز (صندوق النقد والبنك الدوليين) يشوبها الكثير من الشك، فهي تعتمد الأرقام نفسها التي يقدمها النظام وتعلنها هي في تقاريرها على اعتبار أننا سنصدقها بحكم أنها مؤسسات عالمية ومعلوماتها سليمة وهو ما لا يجب التسليم به، إذا مصدر هذه الأرقام هي الحكومات الموريتانية والتي تكذب كثيرا بخصوصها من أجل الحصول على قروض جديدة تذهب في الغالب إلى جيوب النافذين وإليكم هذا المثال عن كيفية تزوير الحكومة للأرقام والتي يقول المؤلف أن أحد الوزراء السابقين صرح له بها : ((اعترفت الحكومة الموريتانية 2005 بأن الارقام المتفائلة التي كانت تقدمها للممولين لم تكن صحيحة ، بل كانت عرضة للتلاعب من طرف المسئولين لإخفاء إخفاقاتهم ولإستدرار تمويلات جديدة ، وقد اعترف أحد وزراء تلك المرحلة بأنه كان "عضوا في حكومة تزور حتى التساقطات المطرية"......فعلى سبيل المثال كانت السلطات الرسمية تعمد إلى إخفاء العجز في الميزانية والتوسع الكبير في حجم النقود - التوسع في حجم النقود يعني أن الحكومة تقوم بسك الكثير من النقود وإدخالها السوق دون وجود مواد غذائية مقابلة لها مما ينتج عنه زيادة الأسعار- الذي كان يزيد سنويا بمقدار 15% في الفترة من 94-2004،....وفي الوقت الذي كان الإحتياطي من العملات الصعبة لا يتجاوز 50 مليون دولار كانت الأرقام المعلنة تجعله 400 مليون دولار..)).( كتاب مدخل إلى الإقتصاد الموريتاني ، المسيرة، الملامح، المؤشرات 2013 ، ص، 24-25 .
كل هذه المعلومات الواردة في المثال السابقة تنطبق بشكل أو بآخر على الواقع الحالي بحكم التشابه في الحكومة الحالية والحكومات السابقة، فالأشخاص هم أنفسهم وتحت سلطة حاكم عسكري أيضا.
إذا تلك المعلومات و ما يعلق بها من عدم اليقين هي ما تعلن عنه المؤسسات الدولية الرسمية، وبمقارنة بسيطة مع ما جاء في لقاء الشباب الأخير نستطيع أن نبين تناقض النظام، فحينما أعلن أحد المتدخلين عن معلومات من منظمة الشفافية الدولية اتهمها بتسييس معطياتها، فقط لأن تلك المعطيات لم تكن في صالحه بل ورمى الإتهام على المعارضة.
لو كانت هذه المعلومات والأرقام صحيحة لأنعكس ذلك على الحياة اليومية للمواطنين حيث إن المدة التي قضاها في الحكم (حوالي 5 سنوات) تكفي لتنعكس سياساته الإقتصادية " الرشيدة " علي حياة الفقراء، بدل الإرتفاع المستمر للأسعار ومختلف المواد المستهلكة يوميا وتدني مستوى الخدمات و تهالك البني التحتية الطرقية .