عندما تصل أفكار ومشاعر وأعمال الإنسان درجة مستقرة من التوازن الداخلي و الانسجام الفسيولوجي يصل الإنسان إلى أفضل الحالات الحياتية الممكنة ، فتنمحي بذلك من أعماق ذاته الباطنة الأنانية وحب الذات و يصير أكثر إنسانية و انفتاحا و انشراحا و فاعلية
في مجتمعه مما يمكنه من التصالح مع ذاته و مع الآخرين ليصبح بذلك أكثر اجتماعية و موضوعية ، وهذا بالضبط هو ما يحتاجه الفرد الموريتاني كي يصبح أكثر حضرية وانفتاحا ، و تعاليمنا الدينية تدعونا إلى أن يحب أحدنا للآخر ما يحب لنفسنه من خير ، إنها روح الحب التي يشع بها الإسلام .
العدالة الإنسانية هي كل ما يطلبه الجميع ، و العدالة ليست مفارقة كبرى ، ليست حادثة كونية غريبة ، إنها انسياق فطري لنواميس الطبيعة ، العدالة هي مفتاح الرفاهية و الإنعتاق ، و الشعوب طالما كانت مثل الماء في اليد ، دع الأصابع مفتوحة يبقى الماء ، ضم الأصابع ينفذ الماء ، بمعنى آخر الشعوب تعيش حالة ركود و سكون ما دامت تمارس حريتها و تشعر بكرامتها و بالأمان ، في حين تنتقل إلى حالة استنفار و تفلت و ثوران كلما ضربت في الصميم و أذلت .
أين هي العدالة و المساواة ؟
أم أننا في زمن قضت فيه العدالة من الوجود وطرها و خذلتنا ، يقول نزار قباني :
مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق
و موتى دونما كفن .
هذه هي الحقيقة ، الحقيقة أن الوطن أختطف منذ ولادته ، رغم أنه ولد بعملية قيصرية جعلته يخرج إلى الحياة مع وجود بعض التشوهات ، و مع هذه التشوهات الخلقية ( المتمثلة في ضعف إدارته و استشراء الفساد فيها ) فإننا نحبه و نطالب بإعادته .
إنه الحبيب الغالي ....
أحيانا أتساءل أشعب نحن أم كيس رمل تتدرب عليه الحكومات الأوتوقراطية ؟.
و الغريب أنه قبل أن يثور هذا السؤال في ذهني وجدت جوابه ، حين قال لي ذات مرة ، رجل عجوز غير متعلم (مثلنا جميعا ) أن هذا الوطن سيظل مستعصيا على التقدم !
إنها الحقيقة .. فالبسطاء تجري على ألسنتهم النبوءات ما دامت عقولهم لا تصنع الحكمة .
الكذب الرسمي يبث على كل القنوات
و كلام السلطة براق جدا
كثياب الرقاصات
إنما نحسبه غد أفضل دائما ما يكون سراب بقيعة ، حتى إذا حان الغد لم نجده شيئا ، لا أدري كيف يتدحرج الزمن بهذه الطريقة ناقلا إيانا من سيئ إلى أسوء ، و مع هذا يوهموننا :
الشورى بين الناس أساس الملك
الشعب كما نص الدستور أساس الملك
بينما الواقع أن :
القمع أساس الملك
حكم البوليس أساس الملك
لكن من الظلم أن نحمل أصحاب القبعات مسؤولية تخلفنا عن الركب و رجعيتنا ، فطالما كان الجزء الأكبر من هذه المسؤولية يقع على عواتق أصحاب الحقائب ، أولئك السياسيون الديماغوجيون الذين يسرقوا أحلام هذا الشعب إلى ما وراء الحدود ليصنعوا منها رفاهية عيش لهم .
ألا يوجد رجل في هذا البلد يصبو إلى أن يصبح مثل طاغور الشاعر الهندي الحاصل على نوبل 1913 و الذي اتخذه الناس في البنغال إله يعبد .
طاغور ليس إلها إنه مجرد رجل صادق ..
أحيانا أحس و أنا أرتكب جريمة الكتابة بأني رجل عشوائي أختار الكتابة وسيلة تغيير لمجتمع أمي لا يقرأ و لا يكتب ، حسبي أن يضبط عني رسم الكلمات دون تحريف ، في وطن يحرف فيه دوما الكلم عن مواضعه .
حسبكم ظلما هاتوا الوطن المنفي في جيوبكم فحقنا في المطالبة به حق لا يسقط بالتقادم .