يدور حديث هذه الأيام حول توصل الأطراف السياسية في موريتانيا إلى صيغة تفاهم قد تفضي إلى حوار سياسي بين أطراف المشهد الوطني، غير أن التسريبات حول موضوع الحوار المنتظر انحسرت حول نقطة الانتخابات الرئاسية والمسارات التي قد تسهل الوصول إلى رؤية موحدة
من أجل صيغة توافقية تضمن مشاركة الجميع فيها.
ولا شك أننا كمتابعين نلحظ أن الأيام الماضية أسفرت عن وضع اللمسات الأخيرة على منتدى وطني للديمقراطية والوحدة جمع المعارضة السياسية بشخصيات مستقلة وازنة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية. هذا المنتدى ونتائجه يجب أن يضع مزيدا من العبء على منسقية المعارضة ويجعلها مطالبة - أكثر من أي وقت مضى – بوضع إستراتيجية أشمل تنظر إلى مشاكل البلد المتفاقمة والكثيرة بصورة تكاملية؛ هذه المشاكل هي التي استعدت توحيد كل هذه الجهود و جمعت كل هذه الأطراف على طاولة واحدة، ومن المؤكد أنها لن تجد حلولا مرضية إلا من خلال حوار سياسي واسع وشامل، لا يهتم بالجانب السياسي على حساب الجانب الاجتماعي والاقتصادي، بل يمنح كل هذه الجوانب ما يستحق من اهتمام. في ظل مشهد معقد ومتشابك كما عندنا.
أعتقد أن مشاركة منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة جاءت للفت انتباه الطبقة السياسية إلى المخاطر الكبرى المحدقة بالبلد، ومحاولة أن تكون نصب أعين الساسة وهم يفتشون دفاتر يومياتهم لعلهم يجدون فيها من الحلول ما لم يجده رؤساء تلك المنظمات والنقابات في أوراقهم وملفاتهم. وعسى أن تتدرج تلك المشاكل في أولويات الساسة من صيغة الملحوظ إلى وضعية الملفوظ. وأن تتجاوز أبرز الاهتمامات إلى جوهر الخطابات.
من غير المقبول أن تنصب إرادة النخبة السياسية ويدور تفكيرها حول الانتخابات، ومن غير المستساغ أن يأخذ الجانب الاجتماعي والاقتصادي حيزا ضيقا لديها. خاصة تلك الموجودة في صف المعارضة التي لا ترجو وصالا و لا تريد نوالا.
يجب على المعارضة أن تضع أزمات البلد في مرمى سهامها. وأن تجعل البحث عن حلول لها على رأس أولويات مطالبها. وأن تترك السير في فلك الانتخابات ولو مؤقتا، لأن الانتخابات في ظرف هش كالذي نعيشه قد لا تكون أبرز اهتمامات المواطن الموريتاني الذي هو الغاية والوسيلة.
المعارضة اليوم أمام تحد حقيقي يتجسد في: أن تبرز انحيازها للشعب ورعايتها لمصالحه وبحثها عن أي حل ممكن أو متاح للمشاكل التي يعانيها. يجب على المعارضة أن تبتعد عن سياسة النعامة وقت الجزع، وأن تعمل على أن لا تمنح المواطن أملا زائفا في النظام، ولا تحرمه من بارقة أمل له فيها. هي مجرد ما بقي يعيش عليه. إن انقطاع خيط الأمل الذي يربط الشعب بالمعارضة سيبقيهما (المعارضة والشعب ) في ركن قصي من أركان النسيان في ذاكرة الحاضر والمستقبل السياسي الموريتاني وبذلك تزول المواقف وتندثر التضحيات ويضيع الوطن.
رغم حضور بعض المطالب الاجتماعية في البيان الصحفي الذي تم توزيعه في أعقاب المؤتمر الصحفي الذي نظمه المنتدى يوم الثلاثاء 25/03/2014 في فندق الخاطر إلا أن تناول تلك المطالب وتبعاتها ظل باهتا، و تم طرح بعض أهم تلك النقاط مثل الوحدة الوطنية والوضع الاقتصادي ولكن باستحياء شديد.
الحوار حول صيغة توافقية من أجل إجراء الانتخابات مسألة غير مستعجلة ولا هي بالضرورة الملحة التي تدعو إليها الظروف، في ظل شبح المجاعة الذي يخيم على أكثر من نصف مليون مواطن (بشهادة برنامج الغذاء العالمي)، وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة وفي ظل انتشار وتنامي الخطاب الفئوي لدى البعض، وبروز النزعة الانفصالية لدى الآخر.
الحوار يجب أن يركز حول البحث عن حل جذري ومرضي لهذه المشاكل قبل أن تعصف بكينونة الدولة. فلا فائدة من انتخابات تجري في بلد على شفى الانهيار. ولا بقاء لدولة في ظل هذه الأزمات التي لم تجد حتى اللحظة من ينظر إليها بعين المتأمل أو المتبصر.
[email protected]