جاذبية gravity 2014 / سيد محمد ولد أحمد

في أعماق الفضاء الفسيح تمضي الأيام بلا نهار.. الكوكب الأزرق الجميل يبدو معلقا ككرة صغيرة بلا أعمدة.. فريق علمي من رجلين وامرأة يحاول إصلاح محطة فضائية متعطلة في وحشة ذلك المكان المنعدم الجاذبية..

درجة الحرارة تحت الصفر بأكثر من 140 درجة، والأكسجين معدوم، والجاذبية تتربص بكل من تدفعه الأقدار نحو الضياع، والحياة مستحيلة بدون تلك الدروع الواقية..
يبدي قائد الفريق المتحمس إعجابه بمشهد الكوكب الأزرق الذي يطل عليه، يتمسك كعادته بروح الدعابة، وأخذ الأمور ببساطة نحتاج إليها جميعا في مواجهتنا لظلمات الحياة..
يتعرض أحد الأقمار الصناعية للتحطم فيتناثر حطامه في الفضاء قائما بدورة في كل تسع دقائق جارفا كل ما يعترض طريقه من أجسام.. وفي غمرة إصلاح الفريق للمحطة يهجم عليها، تنجرف المرأة بعيدا، ويتصل بها القائد مطمئنا، محددا موقعها من خلال مصباح يدوي تحمله، يندفع نحوها عن طريق نفاثة يحملها على ظهره، ويربطها بحبل إلى بذلته، ويجرها عائدا إلى المركبة، وهو يتغنى بجمال الكوكب في تلك الظروف..
وعندما يصلان يكتشفان أن المحطة قد تحولت إلى ركام، وأن رفيقهما قد قضى وهو يسبح بجوار صورة عائلته الصغيرة المشتتة.. يدركان أنهما فقط الباقيين، ويقرران الذهاب إلى نقطة بيضاء تلمع من بعيد لم تكن سوى محطة فضائية قريبة، لعلهما يجدا وسيلة للعودة إلى الأرض، تلك العودة التي أصبحت أمنية في طرفة عين..
يسبحان في الفضاء الأسود، يلمع ضوء باهر أسفل منهما على حواف الكوكب الأزرق فيندفع القائد مادحا الشروق الجديد، متحدثا عن جمال الحياة على الأرض رغم كل الصعاب، ومن أجل تشجيع المرأة يطلب منها أن تخيل أنها تسير في المدينة التي تحبها، مستمتعة بدفء الشمس، وجاذبية الأرض الحبيبة..
ويسألها فجأة عن أكثر شخص مميز بالنسبة لها قد يكون ينظر إلى السماء في تلك اللحظات مفكرا فيها، تجيبه بأنها ابنتها الصغيرة التي سقطت يوما ليرتطم رأسها بحافة الموت، وتؤكد له أنها من يومها اختارت مواجهة مخاطر الفضاء لتنسى همومها، وهكذا هو الإنسان لا يحس بالنعمة إلا عندما يخرج منها..
عندما يصلا إلى المحطة ينفذ وقود النفاثة التي تجرهما، فيرتطما بعنف المحطة وينقطع الحبل الذي يربطهما، تندفع المرأة ساقطة في هوة الفضاء لكن حبال مظلة المحطة التالفة تتشبث بساقها، يتجاوزها القائد منجرفا نحو الضياع، تمسك الحبل المربوط في بذلته، لكنه يدرك أن حبال المظلة لن يتحمل ثقلهما معا، فيطلب منها أن تتركه يواجه مصيره وتنجو بنفسها، تأبى إلا نجاتهما معا، فيبتسم ويقول وهو يفك الحبل عن بذلته: "تعلمي الوداع"..
وبمنتهى الأسى تأملته وهو يغوص ببطء في الظلام مرددا أنها ستنجو لتعود إلى الأرض بقصة رائعة تحكيها للذين لا يقدرون نعمة الحياة..
تدخل إلى المحطة بعد عناء، وتحاول الإتصال به، لكن بدون جدوى، لم يعد هنالك أمل في نجاته.. تندلع النيران في المحطة فتحاول إطفائها بزجاجة مضادة للحريق، وتكتشف أن الضغط على الزجاجة يولد طاقة دافعة مضادة، ورب ضارة نافعة..
تندفع نحو كبسولة النجاة، وتشغلها محاولة المغادرة، لكن حبال المظلة تمنعها، تضطر إلى الخروج لفكها، ومرة أخرى يعود الحطام من جولته لمهاجمتها، فيقصف المحطة ويعطل الكبسولة، ويطفئ شموع الأمل التي كانت مضيئة قبل قليل..
تحاول الإتصال بالمركز الأرضي فتلتقط بعض الإشارات، تسمع من خلالها صوت نباح كلب، ورضيع يبكي، تتذكر أحب الناس إليها، تسيل دمعتها في ذلك الفراغ، كم هي عظيمة نعمة الحياة على الآرض..
تجلس باستكانة على مقعدها، وتطفئ أنوار الكبسولة، وتغمض عينيها مستسلمة للموت، وفجأة يدق القائد النافذة، ويفتح المدخل، ويندفع إلى الداخل وسط دهشتها، تردد في خفوت وعياء "كيف فعلتها.. كيف عدت"..
يقوم بإشعال الأضواء، ويقول لها: "لقد فقدت ابنتك وهي أغلى ما عندك، فإما أن تتكئي على هذا المقعد وتستسلمي للموت دون فعل أي شيء، وإما أن تبحثي عن وسيلة للنجاة".. يخبرها بأن انطلاق مثل هذه الكبسولات يشبه هبوطها، يولد قوة دافعة، وهي تريد ما يقربها من آخر محطة في الجوار، وهي محطة صينية مهجورة تدعى "تشنزو"، فبوسع الكبسولة أن تقوم بتلك المهمة إن تحلت هي بالقليل من الشجاعة والإصرار..
تفتح عينيها بإرهاق بعد كلماته الأخيرة، تنظر حولها فإذا المقعد الذي كان يجلس عليه فارغا، كانت مجرد هلوسة..
تعتدل جالسة، وتقرر الكفاح حتى آخر رمق، تهتف وهي تفصل الكبسولة عن الثقل المحيط بها، مخاطبة القائد: "ربما ترى ابنتي الصغيرة، اسمها سارة، لها شعر مجعد لا تحب تمشيطه، بلغها تحياتي، وأخبرها بأنني أحبها أكثر من أي شيء آخر في هذه الحياة، وأنني لن استسلم"..
تضغط على زر الهبوط فتندفع المركبة في اتجاه المحطة الصينية، وعندما تحاذيها ترمي بنفسها في الفضاء مستعينة بزجاجة الحريق لعكس لإندفاع حتى يكون في اتجاه المحطة إن تجاوزتها، تفعل كل ذلك وهي تبتسم فلا شيء تخسره بالإبتسام أثناء المحاولة..
تنجح في الدخول إلى المحطة الصينية التي تعرضت لذلك الحطام المتجول، تندفع نحو كبسولة النجاة، وتحكم إغلاقها عليها، وترسل آخر رسالة إلى المركز: "لم يعد أمامي إلا الإندفاع نحو الأرض في هذه الظروف الحارقة، فإما أن أصل، وإما أن أحترق، وفي كلتا الحالتين أنا أقوم برحلة رهيبة وممتعة إلى أقصى الحدود"..
تندفع الشظايا نحو الأرض بسرعة عالية، وتحترق الأجسام المخترقة للغلاف الجوي، وتهبط الكبسولة على إحدى البحيرات، فتندفع خارجة منها وقد بلغ الإرهاق منها مبلغه، تتكئ على ظهرها في الماء لتستريح بعد الجهد الذي بذلته، ثم تسبح نحو الشاطئ، وتلقي بنفسها على أرضيته متحسسة طينها تحسس المشتاق، تمتزج دموعها بضحكاتها، وتقف على قدميها بصعوبة، وتخطو نحو الحياة غير مصدقة أنها حصلت على فرصة لتصحيح أخطائها والعيش كما ينبغي، فلا احد يمر من طريق الحياة مرتين..

كانت تلك قصة الفيلم الجديد (جاذبية 2014)، المرشح للأوسكار هذا العام، ورغم أن طاقم الممثلين فيه  ارتكز على شخصين فقط إلا أن إمكانياته جبارة فهو يجعلك تحس بالسباحة في الفضاء أثناء مشاهدته، ومقطوعاته الموسيقية في منتهى الجمال، ومن أجملها مقطوعة "gravity"..

وفي الفيلم فوائد أراها من هذه الزاوية الخاصة، منها: أن الإنسان لا يحس بالنعمة إلا بعد زوالها، فترى الواحد منا مشاكسا متعبا لكل من يستحق عليه أن يحبه، ويوم يفقده يتمنى أن يعود للحظة واحدة لكي يكفر عن أنانيته تجاهه، مغدقا عليه ما كان يبخل به.. وسبب تلك الخسة هو الشيطان والنفس الأمارة، فلا يريد أي منهما الخير للإنسان..
تأمل في حسرة الممثلين على فراق الأرض بعد بعدهما عنها، وتمنيهما العودة إليها للحياة من جديد، حياة تصغر في عينيهما أمورها التافهة التي يضخم الشيطان، حتى ترى الأخ عاجز عن مسامحة أخيه، والأب ممسكا ماله عن أولاده المحتاجين، ينسى الجميع أن الدنيا لا تساوي شيء، فيخونون ويغشون ويسرقون ويقتلون من أجل هباء منثور..
وأهم نعمة يجب الإحساس بها هي نعمة الحياة، فالميت يتمنى أن يعود إلى الدنيا ولو للحظات لكي يزيد رصيده من الحسنات..
يحكى أن جماعة شيعوا ميتا إلى قبره، وكان فيهم شاب فقام يصلى ركعتين بعد الدفن، ثم نام بجوار القبر، فرأى كأن الميت أتاه، فسأله: هل أحس بهم؟ فأجابه: نعم، وأنه رآه عندما انفرد بنفسه ليصلي ركعتين، فتمنى أن يعود إلى الدنيا ليصلى مثلهما، فهما خير من الدنيا وما فيها.. هذه هي حقيقة الدنيا، لو لم يكن إلا الموت المبدد لفكرة الخلود في الملذات لكان كافيا ليعقل الناس ويفعلوا الصواب..
ونعمة الحياة تستغل في الطاعة، فلا بد من الصرامة في إتباع الأوامر واجتناب النواهي، وذلك معنى اخذ الدين بقوة، لابد من قرار صارم يتم تنفيذه بصبر وإصرار، وذلك معنى التوبة والتقوى..

ومنها أن القائد يجب أن يكون رحيما بفريقه، مضحيا بنفسه في سبيله إن لزم الأمر، فسيد القوم خادمهم.. قال كاريل: "تظهر عظمة الرجل العظيم عن طريق معاملته لمن هم أقل منه"، وقال الدكتور بتلر: "إن الإنسان الذي يفكر في نفسه فحسب إنسان أناني بائس، إنه جاهل حتى لو حصل على أعلى الشهادات"، والمثل يقول: "لن تحصل على شيء بالشجار، ولكن باللين تحصل على أكثر مما كنت تتوقع"..
"تذكر دائما أنه: إذا امتلأ قلب أحد بالكراهية والبغض لك فإنك لن تستطيع أن تكسبه إلى صفك حتى ولو استخدمت كل منطق الدنيا.. وهذا ما يجب أن يعرفه الآباء المتسلطون، ومديرو الأعمال، والأزواج والزوجات.. فلتكن أكثر ودا ودبلوماسية".. قال لنكولن: "إن نقطة عسل واحدة تصيد بها من الذباب أكثر مما يصيد برميل من العلقم، فإذا أردت أن تكسب أحدا إلى صفك فأقنعه أولا بأنك صديقه المخلص، فتلك هي نقطة العسل التي يمكنك أن تصيد بها قلبه"..
قال الفيلسوف لاروتشفوكولد: "إذا أردت أن يكون لك أعداء، فتفوق على أصدقائك، لكن إذا أردت أن يكون لك أصدقاء فدع أصدقائك يتفوقون عليك"، لأن ذلك يشعرهم بأهميتهم، أما تفوقك عليهم فيشعرهم بأنهم أقل منك، ومن هنا ينشأ الحسد والغيرة..
قال الحكيم الصيني لاوتس: "إن الحكيم الذي يرغب في أن يكون أعلى الناس يكون أقل منهم، وإذا أراد أن يتقدم عليهم كان خلفهم، فإن السبب في أن الأنهار والبحار تتلقى عطايا المصارف الجبلية والجداول هو أنها تكون أسفل منها"..
قال جوود: "توقف دقيقة لكي تكتشف عِظَم حجم اهتمامك بشؤونك الخاصة، واهتمامك المتواضع بشؤون الناس، وتأكد أن أي إنسان يفكر ويشعر بنفس الطريقة، ويحس بنفس الإحساس.. فإن النجاح في معاملة الناس يعتمد على التفهم والإدراك لوجهة نظر الشخص الآخر".. قال دكتور جيتس: "إن العالم كله يتلهف إلى التعاطف، فالطفل يتلهف إلى إظهار إصابته أو يحدث جرحا أو كدمة ليكسب المزيد من التعاطف، كذلك البالغين يبالغون في إظهار إصاباتهم وحوادثهم من أجل الغرض نفسه"..
قال: "إذا كان لزاما عليك أن تتعامل مع مخادع، فهناك أسلوب واحد يمكنك أن تحصل منه على أفضل ما فيه، وهو أن تتعامل معه على انه سيد شريف.. وسيتصرف على أساس انك تحترمه وتثق فيه"..
ومن فوائده أخذ أمور الحياة ببساطة مهما كانت، فلا ينال مضخمها إلا وجع الرأس، وقد تكون سببا فيما هو أدهى، فالمكتوب لا مفر منه، ولو خاف الشجاع من الموت لما قدمه أحد، لكن الموت هو الذي يفر ممن لم يحن أجله، والمرح ولو المفتعل (لأن افتعال السعادة هو أحد طرق جلبها) أمر مهم في الحياة، يخفف من حدتها، وينفع صاحبه. قال شكسبير: "لا شيء طيب أو سيء، التفكير هو الذي يجعله كذلك"، وفي المثل الصيني: "إذا لم تستطع أن تبتسم فلا تفتح دكانا"..

ومن فوائد الفيلم: الكفاح وعدم الإستسلام مهما كان، فلن نخسر شيئا بالمقاومة، والمحاولة، والتجربة، والحياة عموما عبارة عن صراع لابد من مواجهته، وأهم صراع فيها هو ذلك الصراع الدائر بيننا وبين أنفسنا وشياطيننا، أما شياطين الإنس (من الناس) فمساكين، يجب الحذر منهم دون أذيتهم، فالمؤذي الحقيقي هو الشيطان الذي يتحكم فيهم ويدفعهم إلى فعل القبيح، ويجندهم أذية لهم وللصالحين، فإذا جاءك أحد وهو يرتعد من الغضب فأنظر إلى الشيطان الذي يدفعه، وقل له: "سلاما"..
وقديما قالوا: "الحاجة تفتح أبواب الحيل، وليس العاقل الذي يحتال للأمور إذا وقع فيها بل الذي يحتال للأمور أن لا يقع فيها"..
أما الكفاح في سبيل السعادة، فقال دافيد فيسكوت: "إن حياتك قد وهبت لك كي تخلق لها معناها . وإن لم تسر حياتك على النحو الذي ترغبه ، فلا تلم إلا نفسك . فلا أحد مدين لك بأي شيء.. إن لديك القدرة على التغلب على كل العوائق ـ تقريبا ـ،ً إن استطعت أن تواجه الحياة بشكل مباشر. وأنت كإنسان يريد أن يحيا حياة هانئة سيتحتم عليك اجتياز الكثير من العوائق طوال الوقت. إن أول شيء يلزمك التغلب عليه هو ذلك الاعتقاد السخيف بأن هنالك من سيدخل حياتك كي يحدث لك كل التغييرات اللازمة"..
وقال: "إذا كنت تعتقد أنه عليك أن تكون أفضل مما أنت عليه الآن لكي تكون سعيداً وتحب نفسك، فأنت بذلك تفرض شروطاً مستحيلة على نفسك . اعرف أخطاءك، لكن لا تسمح لوجودها أن يصبح عذراً تلتمسه لعدم حبك لذاتك كما هي"..
وقال: " إذا كان باعتقادك أن آخر التضحيات التي تقدمها للآخرين ستكون ديناً لك عليهم، فإنك ببساطة تخدع نفسك وتمنح الفرصة للآخرين كي يحبطوك. إن لم تعمل لنفسك ما يجعلها تشعر بالسعادة، فمن غيرك سيفعل؟ إذا لم تكن سعيداً في حياتك، وتنتظر وقوع شيء ما من شأنه أن يغير حياتك للأفضل، فإنك بكل تأكيد ستنتظر طويلاً. إن مهمتك في الحياة هي أن تجعلها سعيدة. هناك شيء ما تريد أ ن تعمله وتستطيع عمله الآن، قم بعلمه حالاً! اطمئن، لن يظن بك الآخرون أنك أناني. فربما لن يلاحظ الآخرون ذلك. حتى لو لاحظوا، فأغلب الظن أنهم سوف يغبطونك على هذا العمل. إلى جانب ذلك، فإنك لست مديناً بشيء لأحد حتى يجادلك في أمر إسعادك نفسك. إذا كان هناك شخص سوف يكرهك – بصرف النظر عما تفعله – فقد يجدر بك حينئذ أن تفعل ما يروق لك".
وقال: " إن رأي الآخرين يخص الآخرين. إن الآخرين مثلك تماماً، لديهم من الحيرة، والشعور بعدم الأمان، والخوف ما لديك. إنهم مثلك، معرضون لارتكاب أخطاء، لان يكونوا حسودين، أو غيورين، لأن يخدعوا أنفسهم، ولذلك فإنهم معرضون لتحريف ما يسمعونه أو يرونه. إن كل ما يعتقده الناس عنك ليس من شأنك أبداً. ولكن إذا كان من الضروري أن تعرف رأي الناس فيك، فيجدر بك أن تعرف أن آراءهم هذه تتصل بشعورهم تجاه أنفسهم أكثر من شعورهم تجاهك.. كلما حاولت إرضاء الآخرين، فإنك بذلك تجعل مشاعرهم أهم من مشاعرك. إذا أجّلت سعادتك وقدّمت عليها سعادة الآخرين – حتى لو كنت تعتقد أنك تفعل هذا بدافع من الحب – سينتهي بك الحال إلى الشعور بخيبة الأمل إزاء ردود أفعالهم تجاهك"..
وقال: "لا تنتظر الحب من أحد.. لو أن هناك من سيحبك، فاعلم أنه يحبك بالفعل، وأنه ليس هناك ما ينبغي عليك عمله لتحظى بحبه لك. إذا أخبرك البعض أن سبب عدم حبهم لك هو أنك لا تفعل شيئاً ما من أجلهم مثل : الانصياع لهم، أو تلبية مطالبهم، فإن الحقيقة المؤلمة التي تنتظرك هي أنهم لن يحبوك حتى وإن نفذت أوامرهم، أو لبيت مطالبهم. إن مثل هذا الحب مشروط. إن من يقدمون لك حباً مشروطاً ليس لهم من غاية سوى السيطرة عليك، ولحظة أن يمنحوك حبهم بدون شروط هي اللحظة التي تتحرر أنت فيها من هذا الحب. وهذا ما لا يريدونه بالطبع. لذا، فإنك عندما تُرضي شخصاً حتى تحظى بحبه، فإنك سوف تكتشف بعد قليل أن ذلك الحب ليس جديراً بك، أو ستجد شروطاً جديدة يتعين عليك تنفيذها قبل أن يمنحك ذلك الشخص حبه. امنح حبك للجميع دون شروط، ولا تنتظر شيئاً في المقابل"..
وقال: "إن الذين يتوددون إليك قد يجعلونك تشعر بالأمان، بل بالقوة في البداية، ولكن جذوة حبهم هذه سوف تخبو إن آجلاً أم عاجلاً وسوف ترفض هذا الحب. إن الذين يوفرون لك شعوراً بالأمان سينتهي بهم الحال إلى أن يتحكموا فيك، وحينئذ ستكره نفسك حين تكتشف كم أنت ضعيفاً، ورخيصاً في أعينهم. إن الذين يتملقونك يتصرفون ولديهم اعتقاد راسخ أنك لا تستطيع التمييز بين الحب والنفاق. إنهم بذلك يستخفون بذكائك ولكنك تصدقهم عندما ينتابك شعور مفرط بعدم الأمان. إن الحب الأعظم يوجد لذاته دون أسباب، أو شروط، أو أعذار. عندما تجد شخصاً يحبك لذاتك، أو لطريقة أدائك للأشياء، أو لروحك الدعابية، أو لشخصيتك، أو لأنه يجد في صحبتك الشيء الذي يشعره بقيمته كن صادقاً مع هذا الشخص"..
وقال: " عندما يتلاعب بك الآخرون، فإن هناك من يحاول التحكم فيك. هناك من لا يريدك أن تكون حراً في إبداء آرائك، أو أن تعبر عن أحاسيسك أو قراراتك.. عندما تشعر بأنك تُستغل، فافعل فقط ما تريد فعله، كن طبيعياً تجاه هذا الوضع ولا تهول الأمر على نفسك. فقط قل لنفسك : إنني أفعل ما أريد. هل هناك خطأ في ذلك؟ افعل ما يحلو لك دون أن تنظر خلفك أو تنتظر تصريحاً. إذا كان هناك من لا يريدك أن تعيش حياتك بالطريقة التي تحلو لك، فلم يجب أن تكلف نفسك عناء الإنصات له.. افعل ما يحلو لك.. سوف يفهِم الذين يحبونك ذلك، ولن يفهمه الذين لا يحبونك. إنك لست في حاجة لإقناع أي شخص بأي شيء. ففي الواقع إنك لا تستطيع أن تقنع أولئك الذي لا غاية لهم سوى السيطرة عليك.. تحمل تبعة اختياراتك في حياتك. إنك بذلك لن تكون مديناً لأي شخص بأي شيء على الإطلاق. لن تكون عرضة للخوف من أن تُخيّب ظن الآخرين. إن آمال وتوقعات الآخرين تكون ملكاً لهم فقط، وليست التزامات عليك الوفاء بها. إنك تستطيع ن تتخذ قراراتك بنفسك : إلى أين تذهب؟ ماذا يجب أن تفعل؟ أين تستطيع أن تستقر؟ ماذا تأكل؟ متى تغادر المكان؟ إلى متى تظل في المنزل؟ إنك تستطيع أن تقول "لا" دون شعور بالذنب، أو تقول "نعم" دون إحساس بالأنانية"..
وقال: "لا تدع الكمال، ففي الحقيقة، لا يوجد شخص مثالي. إن الأطفال فقط هم من يرون الناس كاملين. إنك لن تصل إلى حد الكمال أبداً، ولا أحد ممن كنت تعتقد أنهم كاملون كان كذلك أبدا"..
وقال: " كن صادقا، إن معظم أشكال النفاق تنتج عن محاولة إسعاد الآخرين، خصوصاً عندما يساورك الخوف من ألا تكون مقبولاً من الآخرين إذا ما قلت الحقيقة، أو عبرت عن مشاعرك الحقيقة. لا تتظاهر بأنك تهتم بشيء ما لست مهتماٍ به فعلاً. فذلك من شأنه أن يهيئ الآخر لتوقع أشياء لا تنوي تنفيذها لهم. لا يعني هذا أن تتخلى عن طباعك ولكنه يعني تحري الصدق وعدم التحايل. إن الآخرين يكرهون الشخص الذي يخدعهم ويضللهم أكثر من الشخص الذي يجرح مشاعرهم علانية. وعندما تخدعهم، فإنك تسرب إليهم شعوراً خادعاً بالأمان، لذلك يقللون من دفاعاتهم. إن الضرر الذي توقعه بهم يتعاظم تأثيره لأنه حينئذ يكون ملوثاً بخيانتك. فقل ما تعنيه فعلاً، ربما تخاطر بأن تصبح منبوذاً من قبل الآخرين لو فعلت ذلك، لكن ذلك أفضل من أن تكره نفسك لاستغلالك الآخرين"..
وقال: "إذا كان الشخص الذي جرحك قد تأثر بمعاناتك حتى شعر بالذنب والندم، وسارع بإرضائك تعويضاً لك عما بدر منه تجاهك، فأغلب الظن أن هذا الشخص لم يكن يقصد ابدأً أن يجرحك في المقام الأول. إن الحياة دائماً ما تصبح معقدة عندما تخفي إحساسك بالألم في انتظار قدوم الآخرين كي يعتذروا، إن كبحك ألمك يتحول إلى غضب ويجعلك تشعر وكأنك ضحية. إذا كنت تتوقع من الآخرين إصلاح ما أفسدوه، فإن خيبة الأمل ستلازمك. إنك بحاجة إلى أن تصفح عن الآخرين بالقدر التي تستحق أن يصفحوا به عنك"..
وقال: " تحمل المسئولية، فعندما لا تتولى مسئولياتك، فانك بذلك تسلم زمام أمورك للآخرين، الذين لا يولون اهتمامك أية أهمية لأنهم لا يعرفونك حق المعرفة. وإذا كانوا يعرفونك فعلاً، فلماذا يتحتم عليهم أن يصنعوا لك ما لن تصنعه أنت لنفسك؟ اعرف اهتماماتك وابدأ في التحرك".

ومن فوائد الفيلم أن المصيبة مهما عظمت ففي الناس من هو أعظم مصيبة، ففي اللحظة التي تصارع فيها تلك المرأة من أجل النجاة من الموت المحدق بها في ذلك الفضاء السحيق، يوجد على كوكب الأرض من يفكر في الإنتحار بسبب قلة مال أو صد حبيبة له!!
قال دافيد فيسكوت: "إن الموت ينبغي أن يأتي كصديق في أواخر أيامك عندما يتسرب إليك الملل من حياتك، ويتعذر عليك اجتياز الأزمات، لا أن يأتي لأنك خضت مخاطرات هوجاء كي تختبر حقيقة فنائك. إذا حاولت أن تنكر الموت، فسوف ينتهي بك الحال إلى أن تخسر حياتك. إن الموت ليس اختياراً، إنه مفروض علينا تماماً مثل الحياة.. إن مكانك الذي تقف فيه على طريق الحياة حينما تلاقي الموت ليس مهماً بقدر أن تلقاه وأنت على الطريق الصحيح، تسلك الاتجاه الصحيح نحو الوجهة التي اخترتها".

ومن فوائد الفيلم أن الإنسان على العموم فيه خير، وأن ارتباط البعض بمن يحب، ووفائه له آية من آيات ذلك الإنسان، فالمرأة لم تنس أبنتها المفقودة.. لكن في البشر أيضا من الخبث والسوء الكثير، وإذا علمنا أن من كل 1000 إنسان 999 إلى جهنم، أدركنا أن الثقة قبل التجربة غباء، والإنطلاق من ملائكية الإنسان جنون..
جاء عن ابن عباس: "من أتى عليه أربعون سنة ثم لم يغلب خيره على شره فليتجهز إلى النار"..
قال تبع الفزاري وهو من المعمرين: "رأيت الدنيا ليلة في أثر ليلة، ويوما في أثر يوم، ورأيت الناس بين جامع مال مفرق، ومفرق مال مجموع، وبين قوي يظلم وضعيف يظلم، وصغير يكبر وكبير يهرم، وحي يموت وجنين يولد، وكلهم مسرور بموجود، محزون بمفقود"..
قال حكيم: "لا تصطنعوا ثلاثة: اللئيم فإنه بمنزلة الأرض السبخة، والفاحش فإنه يرى أن الذي صنعت إليه إنما هو مخافة فحشه، والأحمق فإنه لا يعرف قدر ما أسديت إليه"..
وقال الشاعر: إذا رضيت عني كرام عشيرتي *** فلا زال غضبانا علي لئامها
قال الإمام ابن حزم: " محن الإِنْسَان في دهره كثيرة وأعظمها محنته بأهل نوعه من الإنس.. والغالب على الناس النفاق ومن الْعجب أنه لا يجوز مع ذلك عندهم إلا من نافقهم.. ومن جالس الناس لم يعدم هماً يؤلم نفسه، وإثما يُندم عليه في معاده، وغيظاً ينضج كبده، وذلاً ينكس همته، فما الظن بعد بمن خالطهم وداخلهم، والعزة والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم، ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها"..
وقال: "لا يغتر العاقل بصداقة حادثة له أيام دولته فكل أحد صديقه يومئذ".. وقال: "لا تجب عن كلام نقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله، فإن من نقل إليك كذباً رجع من عندك بحق".. وقال: "ثق بالمتدين وإن كان على غير دينك، ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك.. ومن استخف بحرمات الله تعالى فلا تأمنه على شيء مما تشفق عليه"..
وقال: "استعمل سوء الظن حيث تقدر على توفيته حقه في التحفظ والتأهب، واستعمل حسن الظن حيث لا طاقة بك على التحفظ فتربح راحة النفس".. وقال: "من امتحن بأن يخالط الناس فلا يلق بوهمه كله إلى من صحب، ولا يبن منه إلا على أنه عدو مناصب (العداء)، ولا يصبح كل غداة إلا وهو مترقب من غدر إخوانه وسوء معاملتهم مثل ما يترقب من العدو المكاشف، فإن سلم من ذلك فلله الحمد، وإن كانت الأخرى أُلفي متأهباً ولم يمت هماً"..
وقال: "ابذل فضل مالك وجاهك لمن سألك أو لم يسألك، ولكل من احتاج إليك وأمكنك نفعه وإن لم يعتمدك بالرغبة، ولا تشعر نفسك انتظار مقارضة على ذلك من غير ربك عز وجل، ولا تبن إلا على أن من أحسنت إليه أول مضر بك وساع عليك، فإن ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون لشدة الحسد كل من أحسن إليهم إذا رأوه في أعلى من أحوالهم. وعامل كل أحد في الأنس أحسن معاملة، وأضمر السلو عنه إن فات ببعض الآفات التي تأتي مع مرور الأيام والليالي، تعش مسالماً مستريحاً"..
وقال: "الناس في أخلاقهم على سبع مراتب: فطائفة تمدح في الوجه وتذم في المغيب، وهذه صفة أهل النفاق من العيابين، وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم. وطائفة تذم في المشهد والمغيب، وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين. وطائفة تمدح في الوجه والمغيب، وهذه صفة أهل الملق والطمع. وطائفة تذم في المشهد وتمدح في المغيب، وهذه صفة أهل السخف والنواكة (الحمق). وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهدة، ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذم. وأما العيابون البرآء من النفاق والقحة فيمسكون في المشهد ويذمون في المغيب. وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب"..
وقال: "لا تصاهر إلى صديق، ولا تبايعه، فما رأينا هذين العملين إلا سبباً للقطيعة وإن ظن أهل الجهل أن فيهما تأكيداً للصلة، فليس كذلك لأن هذين العقدين داعيان كل واحد إلى طلب حظ نفسه. والمؤثرون على أنفسهم قليل جداً"..
وقال: "أول من يزهد في الغادر من غدر له الغادر، وأول من يمقت شاهد الزور من شهد له به، وأول من تهون الزانية في عينه الذي يزني بها"..
وقال: " وأقصى غايات الصداقة التي لا مزيد عليها: من شاركك بنفسه وبماله لغير علة توجب ذلك، وآثرك على من سواك.. ولا نعني المصادقين لبعض الأطماع، ولا المتنادمين على الخمر، والمجتمعين على المعاصي والقبائح، والمتآلفين على النيل من أعراض الناس، والأخذ في الفضول وما لا فائدة فيه، فليس هؤلاء أصدقاء، ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض، وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم. وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل، إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية، وإما لنفس المحبة المجردة فقط"..
وقال: "إياك والتفاقر فإنك لا تحصل من ذلك إلا على تكذيبك أو احتقار من يسمعك، ولا منفعة لك في ذلك أصلاً إلا كفر نعمة ربك تعالى أو شكواه إلى من لا يرحمك.. وإياك ووصف نفسك باليسار (الغنى) فإنك لا تزيد على إطماع السامع فيما عندك، ولا تزد على شكر الله تعالى وذكر فقرك إليه وغناك عمن دونه فإن هذا يكسبك الجلالة والراحة من الطمع فيما عندك. من سبب للناس الطمع فيما عنده لم يحصل إلا على أن يبذله لهم، ولا غاية لهذا، أو يمنعهم فيلؤم ويعادونه، فإذا أردت أن تعطي أحداً شيئاً فليكن ذلك منك قبل أن يسألك فهو أكرم وأنزه وأوجب للحمد"..
وقال: "والحكيم لا تنفعه حكمته عند الخبيث الطبع بل يظنه خبيثاً مثله، وقد شاهدت أقواماً ذوي طبائع رديئة، وقد تصور في أنفسهم الخبيثة أن الناس كلهم على مثل طبائعهم، لا يصدقون أصلاً بأن أحداً سالم من رذائلهم بوجه من الوجوه، وهذا أسوء ما يكون من فساد الطبع، والبعد عن الفضل والخير. ومن كانت هذه صفته لا ترجى له معافاة أبداً"..
وقال: "حد الحزم معرفة الصديق من العدو، وغاية الخرق والضعف جهل العدو من الصديق.. وليس الحلم تقريب الأعداء، ولكنه مسالمتهم مع التحفظ منهم"..
وقال: "من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة والبر والصدق، وكرم العشيرة والصبر والوفاء والأمانة والحلم وصفاء الضمائر وصحة المودة. ومن طلب الجاه والمال واللذات لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة والثعالب الخلبة، ولم يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو المعتقد خبيث الطبيعة"..

ومن فوائد الفيلم أن الإنسان لا يدري ما يخبئ له القدر، لذا عليه ألا يغتر بمسالمة الليالي، بل يعمل على النجاة من النار، فلو دامت الحياة لغيره لدامت له، فالرفيق الثالث كان يلهو ويمرح جاهلا أن الموت بتربص به بعد لحظات حتى فاجأه وقد يكون على غير الطريق الصحيح الذي يسير فيه بعد موته إلى الجنة..

ومن فوائده أن تلك الجاذبية تشبه الضياع الذي يجذب الناس إليه في هذه الحياة، وتمسك الأبطال بأي شيء يحول بينهم وبين الضياع يشبه تمسكهم بما ينجينهم وتوفيقهم إليه، وكل ما يقرب من الحافة التي تنقذهم من الإنجراف يعتبر أمرا إيجابيا لكنه قليل ونادر، فلابد لنا من كفاح مرير يشبه كفاح ذلك لفريق في ذلك الفضاء ضد قوى أعظم من قوانا مع وجود العناية الإلهية التي ترعانا..
قال كارنيجي: "أكتب هذه الجملة واقرأها في كل صباح: "سوف أمر في هذا الطريق - طريق الحياة - مرة واحدة فقط، لذا فإن أي خير يمكنني القيام به، وأي عطف يمكنني إظهاره لأي إنسان، سأقدمه الآن، لن أؤخره أو أهمله لأنني لن اعبر هذا الطريق مرة أخرى".
 

1. أبريل 2014 - 23:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا