يبدو ان حراك حوار انواكشوط الذي تصاعد ثم خفت بين المعارضة والنظام كان بدوافع مختلفة، فالنظام اعتبر الحراك "مقبلات" و"بهارات" ديمقراطية لصورة نمطية مواكبة لظهور الرئيس في بروكسل بين أقرانه الأفارقة والأروبيين،
ونجح إلي حد ما في ذلك على مدار اسبوع، والمعارضات ابتلعت الطعم لأنها في وضعية تجعلها تتلقف كل شيء دون أن تحصل على أي شيء.
فأهل المنتدى اعتبروها سانحة لا تضيع ليباشر المنتدى دوره التلفيقي الجامع وينقل الأمور إلي مربع ما بعد ثنائية المواجهة العتيدة بين المنسقية والنظام.
والمعاهدة المهلهلة اعتبر قسم منها الموضوع تتويجا لجهود أحد أقطابها البارزين الرئيس مسعود... وبعض المعارضات فسرت لباقة الوزير الأول خلال لقاءاته الانفرادية على أنها رغبة جادة في الحوار... لكن كل ذلك تبخر وتحول الموضوع إلي سجال بيانات وتصريحات وتصريحات مضادة... وأضافت المعارضة مطلبا آخر إلي المطالب المؤجلة وهو أنها لا تريد أن تتحاور إلا مع الحكومة..!! وكأن الحوار مع الحكومة يفضي لأي شيء..!! وكأنها لم تكن هي الحكومة بعد اتفاق دكار ولم تصل لأي شيء..!! واستمرت عقارب الساعة الانتخابية في الدوران، وتستمر الأوضاع في التفاقم، والقوم يتحدثون عن حوار لا يأتي أبدا.
والمفارقة أن موريتانيا مقبلة على استحقاقات رئاسية لا يستطيع الرئيس أن يخوضها بمصداقية دون اشراك أنماط معينة من المعارضة تعذر عليه إشراكها حتى الآن ولا تستطيع المعارضة التخلف عنها رغم قناعتها بعدم جدية الطرف الآخر.. والمحزن أنه لا أحد من الفريقين يتحلى بالإرادة والشجاعة لتسويق حقيقة موقفه، واجراء المراجعات ومكاشفة الرأي العام بحقيقة الأمر.
وفي وضعية كهذه لن يكون المخرج إلا بإسناد فئة ثالثة داخلية أو خارجية لا تتعب نفسها في دفع أحد الطرفين لاحضان الأخر بقدر ما تحاول دفعهما معا إلي رحاب أو سع من تخندقاتهما المشخصنة التي لا تقدم ولا تؤخر.
في جميع الأحوال جنوح النظام للحوار موسمي ومزمن ويأتي على دفعات ووفق استحقاقات خارجية ضاعت أولاها المتزامنة مع القمة الافريقية الأروبية وما تزال أخرى قادمة مع القمة الافريقية الأمريكية.. لكن المشكل هل يأتي ذلك قبل الرئاسيات أو بعدها؟ وماذا يبقي للحوار إذا حرقت كل الاستحقاقات؟ على ما ذا سيحاور محمد ولد عبد العزيز إن هو قفز قفزة إقصائية نحو ولايته الثانية التي يقول الدستور بأنها الأخيرة؟
لا أخال التحاور معه حينها واردا إلا لمن هيكل سقف طموحه للإقتصار على رئاسة هيئات مهمشة كديوان المظالم أو المجلس الاسلامي الأعلى أو المجلس الدستوري أو الطامحين لرئاسة مجالس إدارة لمقاولات قد ترى النور في العهدة الثانية مرتبطة بمقاولات الطاقات المتجددة تجدد المأموريات الرئاسية في بلاد لا تخضع حكاماتها ولا حكامها لأي منطق.