للإصلاح كلمة تتعلق بالعمق / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة ليست مثل كلمات الإصلاح الأخرى لأني أريدها أن تكون كلمة إصلاح في العمق .
فنحن هنا ولله الحمد في جمهورية إسلامية وكلمة الإسلام لا تساوي كلمة الديمقراطية الحديثة

 ، فأهل الديمقراطية لا يخافون من مخالفة أقوالهم لأفعالهم بل ربما يكون ذلك سمة الديمقراطية وخاصيتها .
فالمنهج العام يطلق عليه الديمقراطية ، أما الواقع فيطلق عليه أينما تكون مصلحتـنا فتلك حقيقة ديمقراطيتـنا ، وهذا هو منطق الدول الغربية الراعية للديمقراطية بهذا الأسلوب .
أما الإسلام فهناك أيضا فرق بين من يؤمن بحقيقته ويعـتـقد أن كل ما جاء في القرآن ، ما غاب منه مثـل المشاهد منه صورة طبق الأصل .
فكما أن كل نفس ذائقـة الموت شوهد منها ما تـتـيقن به كل نفس حاضرا أو مستـقبلا  أنها واردة ذلك الحوض لا محالة ، كما تـتـيقن أنها بعد ذلك بما كسبت رهينة .
أما من يعتـنق الإسلام دون النظر في مدلولات قرآنه ويحكم في حياته سيرة حياة الإنسان أيا كان في هذه الدنيا فهذا مسلم ينظر إلى ظاهر الحياة الدنيا وغافـل عن الآخرة .
وهذا الإنسان سواء كان رئيسا أو مرؤوسا في حزب أو مستـقل  موال أو معارض  ينطبق عليه هذا الوصف ، ومعنى غـفلته عن الآخرة اختياره لإتباع أهل الدنيا في تسيـير حياتهم بدل إتباعه لما جاء في آيات الله البـينات  التي لم تـترك للمرء أي نشاط من قول أو فعل أو فكر إلا وأوضحت له الطريق المستـقيم المطلوب منه سلوكها وأمرته أن يطلب من الله كل يوم وليلة عدة مرات الهداية إليها .
وتوضيح ذلك أن الرئيس لا ينظر إلا  إلى سلوك الرؤساء من اعتدادهم بما يملكون من قوة تحت أوامرهم وذلك معناه أن لا قوة لهم ذاتية يدافعون بها عن أنفسهم ويحتجبون عن الرعية ويتصرفون في أموال الدولة كأنهم ملكوها بنجاحهم في صناديق الاقتراع .
ونفس التصرف ينطبق على المرؤوسين من أحزاب موالين ومعارضين ومستـقلين فالموالاة تسير في حياتها طبقا لتسيـير حياة الغافل عن الآخرة لا يدرك بأن الساكت على الباطل شيطان أخرس وأن الله أمر المسلم بأن يشهد بالحق ولو على نفسه أو أقرب المقربـين  إليه فالموالاة في الديمقراطية لا تنسخ النصوص الشرعية الموضحة للإنسان كيف يسير حياته .
وهذه الحقيقة تنطبق تماما على المعارضة فكلمة الديمقراطية التي جاءت المعارضة في قاموسيها بهذا الاسم وهو المعارضة لم تستخرجه من النصوص الشرعية  فهو أقرب في الإسلام إلى محارم اللسان من إباحة الاتصاف به .
فكون المعارض خارج السلطة لا يخرجه ذلك عن أوامر الإسلام في علاقة غيره معه من المسلمين كلهم بوصفه في المجتمع إذا كان رئيسا عندهم الأوامر بطاعته وإذا كان عالما عندهم كذلك الأوامر بطاعته ، والاستفادة منه وعنده هو الأوامر بتبـيـين الأحكام وعدم كتمانها .
وهذا الترابط  الإسلامي بين الإنسان أيا كان وعدم القدرة على النفوذ في أي اتجاه لا يلقى فيه الإنسان مصيره المحدد له يجعل الإنسان المسلم لا يركن إلى هذه المسميات الدنيوية الموالاة والمعارضة و الاستـقلال ويوجب على المسلم  الخضوع لأوامر الآيات البيـنات وليس لألفاظ الديمقراطية  .
فالديمقراطية لا معنى لمسمياتها إلا ما وافق منها الإسلام والإسلام ديمقراطيته أوسع وأشمل وأعدل من الديمقراطية بنت الغرب الذي لا يرجوا لقاء الله"فالصيد في جوف الفرا"
هذا الموضوع اخترت أن يكون هو موضوع كلمة الإصلاح هذه المرة لسرعة التأثير الذي وقع في الأسابيع الماضية من انتشار إشاعة تمزيق المصحف الشريف والذي وجد منه الشيطان ضالته وهو النزغ بين المسلمين وقد ظهر أن الموالاة والمعارضة لم يمتـثـلا فيه أوامر الله في قوله تعالى (( وقـل لعبادي يقول التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبـينا ))  .
فقامت المعارضة وحملت الحكومة مسؤولية الوقوف وراء هذه الفعـلة الشنعاء التي لا يفعلها مسلم ، وردت الحكومة  بتحميلها للمعارضة أو جزء منها مسؤولية الاندفاعات العفوية  لهذا الشعب المسلم نحو القصر  وقد عود القصرــ إلا في هذه الليلة ـ الشعب على التـلقي للجماهير كلما خرجت عند حدوث بعض المنكرات غير المعروفة لدى شعوب المسلمين ، وإسماعهم ما يثبت به فؤادهم في الموضوع ولكن الرئيس في تلك الليلة أظن أنه دخل على خط سلوكه خط طارئ على الساحة طرو مولود جديد يظن دائما أن النظارات السوداء هي التي يفضل الرئيس النظر بها خارج الحكومة فعمدوا إلى الفقراء والمساكين   والمرضى والجهال والمسرفين على أنفسهم فجعلوهم الضحية بحجة أن هذه الخيريات تابعة للعلامة محمد الحسن ولد الددوو وأن هذا الرجل هو الأب الروحي لحزب تواصل وأن هذا الأخير من المعارضة ، وأن الشباب المندفع ليلة تمزيق المصحف تابع له  .
وأنا أريد أن أنبه القارئ الكريم أن هذه الجمل الأخيرة هي بيت القصيد وإن شئت قـلت مربض الفرس من كلمة الإصلاح هذه وذلك للأسباب التالية :
أولا : إننا نعتـقد  كما هو الواقع أن هذه السلطة سلطة إسلامية عملت أمام المجتمع على ترقية كثير من المرافق الخاصة بالإسلام فكيف تـتجه إلى إلحاق الضرر القاتـل  بمن أوصى الإسلام في آياته البـينات برعايتهم حق الرعاية وأن عدم الإ نفاق عليهم هو العقبة دون دخول الجنة  ، وباختصار فإن الخير في الإسلام كل الخير هو الانفاق على الفقراء والمساكين ودواء المرضى وتعليم الجاهل ووعظ الغافـل فأي محفظة للسياسة يمكن أن يدخل فيها منع هذا الخير ولا تـتـفجر وأي سياسة تبـيح لأي مسلم منع هذا الخير لكل من وفـقه الله لإعطائه من جيـبه أيا كان ومن وفـقه لإيصاله لأهله  أيا كان أيضا .
ثانيا : إن العجب كل العجب أن تـقول سلطة ـ المفروض أن تكون عندها كثير من الأخبار الصحيحة عن كل فرد  انـتـسب شخصيا لحزب هو تابع لشخصية العلامة محمد الحسن ولد الددو وهو ليس عضوا في أي هيئـة من أقسامه فهل في عرف السياسة الحزبية ألا يرضى أحد عن سلوك حزب أو قيادته إلا وكان منتمي إليه.
فالانتماء إلى الأحزاب معروف أدواته ، وهل في قانون السياسة أنه ممنوع على أي شخص يعمل في أي هيئـة خيرية أو دعوية أو إعلامية أن ينــتسب لأي حزب .
وما هو أعجب من ذلك كله أن يقوم مثـقف إسلامي فيقول إن هناك شخصا يسمى الأب الروحي لجماعة فهذا فكر وعبارات نصرانية أو يهودية محض لا تمت إلى الإسلام بصلة ، فكلمة الأب الروحي لا تعني إلا البابا أو الكرادل أو القسيسين فأي مسلم يعـتـقد أنه يوجد شخص في الدنيا غير الأنبـياء لا ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم :   فاعتـقاده فاسد فاسد فاسد .
فعندما سمعت صحفيا مثـقـفا يسأل رئيس حزب تواصل  قائلا : هل يعتبر محمد الحسن بن الددو هو الأب الروحي لحزب تواصل شعرت بالغثـيان من ضعف مستوى هذا السؤال بالنسبة للمسلم .
فالمعروف عند الجميع أن محمد الحسن بن الددو رجل أعطاه الله علما واسعا مدعما بحفظ جيد وعزيمة نادرة على إبلاغ هذا العلم من ذلك الحفظ قدر المستطاع إلى كل شخص موال أو معارض أو مستـقل مستـعدا لتلقي ذلك العلم إلى جانب كثير من مواهب الله التي يعطيها لمن أخلص له العبادة ووفقه إلى صحة النية مع القلب السليم ولكن هذا لا يرفعه عن أن يكون إنسانا لا سلطة له على الروح ولا على أبوتها ولا أمومتها بل لا سلطة له على إصلاح روح نفسه إلا بتوفيق من الله ولا إصلاح لأي روح أفسدها الله ، إن الولاية والصلاح الخاصين وصفان لا يمكنهما أن يتحولا إلى مسمى معينا إلا من طرف المولى عز وجل في قوله بعد ذكر الأنبياء (( وكلا جعلنا صالحين)) أو من أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بصلاحه أو بأنه من المتـقين ليكون بذلك وليا كما قال تعالى (( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون )) .
أما الصلاح والولاية العامة فهما من الله لجميع المؤمنين  كما قال تعالى ((الله ولي الذين آمنوا ، إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)) .
فالإسلام ليس مسؤولا عن مسميات الناس واعتـقاداتها وطقوسها التابعة لبيئاتها ومورثاتها ولكنه مسؤول عن ما يتضمن قوله تعالى (( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى)) .
وأنا أتيقن أن 90% ممن يحمل مسؤولية في حزب تواصل لم يلتـق بهذا الرجل فضلا عن عامة المنتسبـين الآخرين  ولكن أظن أن هذا الرجل ارتضى سلوك بعض  قيادة الحزب  في الإسلام وارتضاه  كذلك السلوك الإسلامي  الوسطي لهذا الحزب  وأرى أن هذا السلوك يتماشى مع السياسة الإسلامية المأخوذة من الإسلام فأحبهم لذلك لا غير   .
ومن هنا أعود لخطاب السياسيين الموريتانيين موالاة ومعارضة لأوضح للجميع أن الكل يدعى أن الغاية القصوى التمسك بالديمقراطية بأبهى صورها .
والديمقراطية الغربية التي يتشرف كل سياسي العالم أن تكون هي قدوتهم الأسمى تعني أن هناك حزب حاكم هو الذي يدير دفة البلاد ويتمتع بالسلطة التـنـفيذية وهناك معارضة خارج الحكم تراقب عمل تـلك الحكومة وتلاحظ عليها علنية في البرلمان وفي الصحف ولكن  ليس معنى هذا عند الغربيـين ــ كما هو واقع عندهم ـ أن تـكون هناك موالاة تكره المعارضة حتى لا تقول اتجاهها إلا ما لونه أسود ، وكذلك ليس معنى المعارضة أن تتصور أن الحكومة غاصبة للحكم وجميع انجازاتها هو زرع ألغام قاتلة للمجتمع .
فعلى الحكومة الموريتانية أن تعترف أن المعارضة لم تقم في نشاطاتها بأي تصرف غير مؤذون فيه وعندما لم تأذن السلطة التنفيذية في النشاط تـتوقف المعارضة .
كما أن على المعارضة أن تعترف أننا نعرف موريتانيا من استقلالها حتى الآن ولم يأتبها رئيس أنجز لها من المشاريع وخلق فيها من الإصلاح على جميع الأصعدة ما لم يخلقه لها رئيس آخر .
فأول رئيس لموريتانيا ـ رحمه الله ـ  كانت ميزته هي الوطنية المخلصة والبعد من الدكتاتورية والشجاعة على خلق موريتانيا من وضع قبلي عقيم لا يظن فيه الانجاب .
أما المنشآت الحضرية فعندما أول خطواتها قدر الله أن جاءتها حرب الصحراء وأوقفتها بقوة العجز عن المواصلة ، وبعد ذلك جاء العسكر .
وحقيقة أن أكبر نـتيجة حققها وستبقى خالدة هو تقنين الشريعة الإسلامية وجعلها هي القوانين الوحيدة الإسلامية الموجودة في البلاد .
أما عدم الحكم بها فيرجع للقضاة وعدم تـنفيذها يرجع إلى الرؤساء ويحيط بذلك جميعا قوله تعالى (( إن ربك لبالمرصاد ))
وبعد حكم هيدالة المقـنن لشريعة الإسلامية جاء حكم معاوية الذب أفسدته في آخره الأحداث التي استدعى لأجلها الديمقراطية القبـلية فأجهزت هذه الديمقراطية على الدولة الموريتانية ولولا أن الله أنقذها بالانقلاب لكانت الآن أثر بعد عين .
ثم جاء حكم اعل بن محمد فال وسيدي بن الشيخ عبد الله فلا يؤاخذ أي منهما على عدم رؤية ما قام به لقلة مدتهما .
ثم جاء الرئيس الحالي محمد بن عبد العزيز وبما أن الله يطلب منا قول الحق في جميع الظروف فإنما أنجزه هذا الرئيس لموريتانيا لا يمكن أن يتصور أي أحد أن آخر سينجز أكثر منه وإن كان جاء للحكم أولا بصفة مزعجة للديمقراطية الحديثة إلا أنه استطاع أن يشرع رئاسته بتـنازل الرئيس الأول المنتخب علنا ونجاحه في انتخاب اعترف له به بعض المنافسين له .
وهذا الانجاز يمكن تلخيصه فيما يلي :
أولا : ضبط مداخل البلاد سواء كانت ثروة طبيعية أو مداخل ضرائب حكومية .
ثانيا : وضع حدا لجشع الموظفين الكبار ورجال الأعمال الذين كانوا لا يتركون لقمة تسقط فوق هذا الوطن إلا التقموها قبل أن تستـقر .
ثالثا : خطط في ذهنه أنواع الاستـثمار في البلد من إنشاء بنى تحتية وثقافة عامة إسلامية دينية ونـفذ كل هذا بعزيمة لا تـقبل التراجع  ، وأحسن من هذا كله أنه شق طريقه وسط أنواع من المعارضة الملتهبة المختـلفة بجميع أنواعها القبلية والعنصرية حتى وصل إلى الهدوء الحالي بدون أي عنـف .
وإذا ما نظرنا إلى أهم ما تلاحظ عليه المعارضة وتؤكد وجوده هو ما يعرف من كثرة أمواله وأنها من أموال الدولة فإذا كانت هذه الأموال من التجارة والاستـثمار ولو كان رئيسا فذلك حق أعطاه الله له والدستور أباح لكل مواطن حق التملك ، وإذا كان من كثرة احتوائه على أموال الدولة بشتى الطرق  فهذا لا يعرفه إلا المتكلمين به فعلى المعرضة وهذا حقها أيضا أن تبـين ذلك بالدلائل بل تجره به إلى القضاء وليس أكل أموال الدولة هذا ظاهرا للشعب كما نعرف فيمن كان قبله من الموظفين ورجال الأعمال .
فالظاهر للشعب هو كثرة الانجازات للشعب الموريتاني على أرضه وعلى جميع أصعدة .
وأنا لم أرى شيئا من مناحي الحياة الحضرية إلا واستـثـمر فيه كثيرا من الأموال الخارجة من ثروات الشعب إلا شيئين هما صعود الأسعار وانـتـشار اللصوص .
وفي الأخير فأنا أرى أن على كل من الحكومة والمعارضة أن يحمد الله  على أن الآخر هو خصمه الوديع .وتـلك هي طبيعة شعبنا فـلسنا ولله الحمد مثـل شعوب أخرى ولو كانت مسلمة ففيها الكافرون والظالمون والفاسقون .
فعلى الحكومة أن تكون حكومة إعمار وتـثـقيف ونشر الإخوة والحرية والتعاون وعلى الرئيس بالذات في هذه الآونة أن يلتفت على وزرائه ويقول لهم إن منكم منفرين فمن تـكلم فلا يقول إلا خيرا ويلتـفت عليهم أيضا قائلا هل منكم من اسمه معاذ فإن أجابه فيقول له أفـتان أنت يا معاذ . أتريد أن تنفض الناس من حولي أم عندك خلفيات لا تظهر للعيان؟
وعلى المعارضة أن تكون معارضة معاونة بالملاحظة البناءة الصادقة ، والجميع يترك صناديق الاقتـراع في كل مناسبة تكـون هي الفيصل في من يتولى تسيـير البلد بهدوء وسكينة ووقار.
وعلى الجميع أن يدرك كذلك أن أي شخص مهما كانت وضعيته رئيسا أو مرؤوسا مواليا أو معارضا لا يمكنه إلا أن يكون تحت طائلة قوله تعالى (( يوم يـبـعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد )) .
وقوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا  هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ))
      

    

5. أبريل 2014 - 16:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا