الرئيس... وإشكالية الحس المدني / أحمد بن محمد الحافظ

يتواتر أن المرحوم "المختار ولد داداه" في إحدى زياراته للولايات المتحدة - لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة - أيام رئاسته لمنظمة الوحدة الإفريقية ، دعاه الرئيس الأمريكي "جون كندي" على ما أظن لحفل عشاء في البيت الأبيض ؛ فرفض الدعوة محتجا برفض الأخير لقاء أحد رؤساء إفريقيا كان قد طلب لقاءه

 ؛ رأى الكثيرون أن الموقف أشبه إلى النكتة أو السخرية..! فما الذي سيمثله رفض تلبية "دعوة عشاء" من لدن رئيس دولة باهتة؛ تعيش في أطراف أدغال إفريقيا ؛حيث شح التاريخ والجغرافيا...ولا تزال تتسول الاعتراف
ما الذي سيمثله الأمر من ضغط ونحن كنا حينها فعلا - إذا كنا لم نعد -صغارا صغارا...!؟
لكن الذي يعنيني في القصة هنا دلالاتها وإيحاءاتها.. إذ كانت تعبر عن حس حضاري مرهف حمله الأب المرحوم "المختار ولد داداه" بذلك  التعبير الهادئ البسيط عن رفضه المدني للنظرة الدونية من أبناء العم "سام" لساكني ما وراء البحار
كان الموقف - حسبما استنتجت لاحقا - ثقافة الرجل الوديعة الرزينة .. دون أن يكون استعراضا أو تكتيكا؛ إذ يقول في مذكراته محدثا عن سجانيه - وبمنتهى الإنصاف واللطف ودون تحامل - "الذين التقيتهم في السجن عاملوني بمنتهى الاحترام والتقدير؛ كل انطلاقا من حسه المدني" وكان "معجزة" فلسطين المجاهد الشهيد ياسر عرفات روعة في الأخلاق والتحضر وهو يوزع حرارة قبلاته على ألد أعدائه
تذكرت ذلك وأنا أرى الرئيس محمد ولد عبد العزيز - رئيس الاتحاد الإفريقي - وهو يجلس مصافحا الأمين العام للأمم المتحدة المنحني؛ فما الذي يضير الرئيس لو وقف "ثانية" ليبلغ عنا رسالة "أخرى" - حتى وإن كانت كاذبة ومخادعة - بأننا أمة مدنية رغم الغيوم، أم أن الحس المدني الذي تكلم عنه "المرحوم" كان إيحاء ضمنيا بأنه لم يكن يتوقع من سجانيه "العسكريين" محدودي الحس المدني معاملة أحسن من التي لقي منهم
المدنية - تماما - مثل الديمقراطية، فإذا كانت الديمقراطية ليست لجنة وصندوقا وترشحا..فحسب؛ بل هي أكثر من ذلك وقبله ثقافة وسلوك ومنهج.. فإن المدنية أيضا ليست بشرة نضرة وربطة عنق أنيقة وساعة فاخرة وصيحة أخيرة من الآي باد وخيلاء على سجاد أحمر
بل هي روح وأخلاق ومواقف
فهل يتجاوز "الرئيس" بروحه العسكرية الخشنة حدود البلد ؟
لا أعتقد أنه يليق برئيس يتشدق دوما بالرقي والالتحاق بركب الأمم المتحضرة أن يعامل - وباسم قارة - أكبر شخصية دولية بذلك الازدرء واللامبالاة..وأعتقد أيضا أن أمة تقرأ الاستخفاف بالآخرين عظمة ونصرا أمة غير سوية
فإلى متى نظل نتهجى الحروف مقلوبة 

5. أبريل 2014 - 16:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا