اسنيم ...خارج السيطرة / الحاج ولد المصطفي

كانت "ميفرما" دولة داخل الدولة،و ثروة مسلوبة و(مثالا ملموسا لشركة رأسمالية غربية تستغل بروح إمبريالية ثروات دولة من دول العالم الثالث).و لم تبدأ الشركة بتغذية الخزينة الموريتانية بشكل ملحوظ إلا بعد سنة 1963.

جاء إعلان تأميم "قلعة ميفرما الحصينة" 28 نوفمبر 1974بمثابة القرار الثوري الثاني بعد إنشاء الأوقية 1973م علي يد مؤسس الدولة الموريتانية ، وقد استقبل الشعب الموريتاني قرار إنشاء الشركة الموريتانية للحديد والمناجم "أسنيم"، بكثير من  الفرح الممزوج بالأمل .لكن سيطرة الدولة لم تكتمل ، فقد تدخلت قوي بديلة للإستعمار الأجنبي لممارسة نفس الأدوار السابقة علي المنجم الأهم في البلاد.!
فكيف يعيش المواطن الموريتاني الفقر والمعاناة في الوقت الذي تقفز فيه أرقام مبيعات الشركة إلي أعلي مستوياتها؟وماهي الظروف التاريخية التي أنتجت ذلك ؟ وهل يمكن أن نفهم علاقة الشركة بالسلطات في الدولة؟ وبالشعب الموريتاني؟   
كان قرار التأميم صعبا وسريعا وقد تطلب مفاوضات شاقة بين الحكومة الموريتانية ونقابة أصحاب الأسهم في ميفرما القديمة (تعهدت بموجبه موريتانيا أن تعوض 90 مليون دولار لملاك الأسهم من الأجانب) وقد تولي تسيير الشركة أحد الشبان الموريتانيين في ذلك الوقت (اسماعيل ولد أعمر)الذي ينحدر من ولاية لبراكنة ، لم يكن وقتها للأمر أهمية كبيرة سوي أن النفوذ الأجنبي السابق سيبدأ في الإنحسار لصالح نفوذ الدولة . ورغم المعوقات المرتبطة بضعف الدولة  ونقص الخبرة لدي من تولي تسيير المؤسسة المحدودة الإمكانيات  إلا أن الشركة الجديدة  تمكنت بسرعة أن تصبح مرفقا وطنيا حيويا ، استقطب الشباب الموريتاني من كل المناطق والفئات ووفر الكثير من فرص العمل ودعم الإقتصاد الوطني في الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد ،خاصة أثناء حرب الصحراء .
دفعت شركة اسنيم ضريبة باهظة بسبب موقعها المحاذي للحدود الجزائرية . وكان ذلك كله في فترة انخفاض لأسعار الحديد(من 10إلي 12دولار) وضعف في إمكانيات الشركة ... لكن ظروفا جديدة أطلت مع أول انقلاب عسكري شهدته البلاد عام 1978م .
كانت اسنيم لاتزال تعيش مايمكن اعتباره: مرحلة "انتقال النفوذ" وهي مرحلة طبعها التخبط والتذبذب والضعف ..وكانت جميع مكتسبات الشركة لا تزال رهينة للديون المترتبة عليها من جراء ذلك الإنتقال الفجائي وتأثيرات الحرب .
وبدأت بعد ذلك مرحلة "الإستحواذ والتشكل للنفوذ الجديد" والتي بلغت ذروتها خلال حكم معاوية ولد الطايع وعلي يد مؤسس الإمبراطورية الجهوية الوارثة لسلطة ميفرما (ولد هيين).
لقد عادت الشركة المنجمية الأكبر في البلاد إلي تأسيس "إقطاع خاص" رتب بسرية تامة علاقاته الداخلية والخارجية علي أسس استحواذية واستعلائية جعلت منها مؤسسة فوق الدولة ، تمارس سياسات خاصة بها وتحدد أهدافا تنموية انتقائية، وتهيمن عليها مجموعة جهوية من الإداريين المتنفذين والملاك الإقطاعيين .
إن المعطيات المتوفرة حول واقع شركة اسنيم وممارسة من يتولي إدارتها بالفعل يجعلنا نعيد طرح السؤال حول علاقتها بالدولة والشعب؟
- مأساة عمال الجورناليه، الذين تستغلهم اسنيم، متشعبة ومعقدة. فهم يفصلون عن العمل لأتفه الأسباب ودون حقوق، وتستعبدهم شركات التاشرونا وتمتص دماءهم علي مرأى ومسمع من الدولة.
- أحداث العنف (2013م) التي شهدتها مدينة ازويرات، والتي تسببت في حرق عمال الجرنالية لمقر الولاية ،هي تعبير صادم عن تجليات المأساة العمالية أمام شركة كانوا يعتبرون أنها وطنية .
- إعلان الشركة الموريتانية للحديد والمناجم "أسنيم"، تسجيل أعلى رقم مبيعات في تاريخها سنة 2013م وصل إلى 12 مليون طن من خامات الحديد، متجاوزة أكبر كمية باعتها الشركة في تاريخها وهي 8 .11 مليون طن عام 2007م.
- ارتفاع  أسعار طن الحديد لتصل 150 دولار سنة 2013م  بعد أن كانت سنة 1991م لا تتجاوز 16 دولار.
من المؤكد أن السيطرة الأجنبية لملاك الأسهم في ميفرما قد اختفت تدريجيا ، لكن من الواضح أيضا أن الشركة لم تعد لأحضان الشعب والدولة ، وإنما جري استبدال نفوذ خارجي بآخر داخلي وأبقت الجهات المتنفذة في الدولة علي الطابع الإستعلائي للشركة وعدم خضوع إدارتها لسلطة الشعب كله . إن النفوذ الجديد هو نفوذ إقطاعي متخلف منشؤه زبونية جهوية  وتوظيفه سياسي، لخدمة أهداف الإنقلابيين الذين يوفر لهم مرتعا آمنا ،ومصدرا مناسبا للتمويلات الكبيرة خارج سياق الدولة ،وبعيدا عن معاناة المواطنين .

[email protected] 

12. أبريل 2014 - 11:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا