المعاهدة من أجل التناوب السلمي مكونة من أحزاب التحالف الشعبي التقدمي والوئام والصواب وهي أحزاب متفاوتة من حيث درجة انتمائها للمعارضة وتاريخها النضالي وحجمها الإنتخابي ، وقد شقت - في وقت سابق-
صفوف المعارضة ودخلت في حوار مع النظام وساهمت في الوقوف في وجه الربيع الموريتاني. وكان يفترض أنها ستكسب مقابل ذلك من نصيب المعارضة المقاطعة في الإنتخابات البلدية والبرلمانية . لكن "الرياح جرت بما لا تشتهي السفن" فكانت مشاركة حزب تواصل - المفاجئة - قد حرمت تلك الأحزاب من تصدر النتائج المتحصل عليها . فماذا يمكن أن تسعي إليه تلك الأحزاب كتعويض عن فشلها في الإنتخابات السابقة؟ وكيف ستتعاطي مع طرح أحزاب المنسقية - ومن دار في فلكها- ؟ أم أن النظام سيستفيد من مشاركتها كطرف معارض يمثل الإعتدال؟ ويقابل تطرف المنسقية؟
في ثقافة الأنظمة الإستبدادية، كما في الحياة العسكرية ، لا توجد منطقة وسطي (مابين الحرب والسلام )، فإما أن تكون مؤيدا للنظام ومتعاونا معه وفي المقابل تحصل علي بعض الإمتيازات ( قلت أو كثرت). وإما أن تكون معارضا له وتحرم من كل أنواع الإستفادة .
كانت أحزاب المعاهدة قد فضلت أن تلتقط فرصة محاصرة المعارضين للنظام لتبادر بالدخول معه في حوار هزلي لم يحقق للبلاد شيئا يذكر، مقابل امتيازات بعضها واضح، تمثل في بعض التعيينات هنا وهناك (كتعيين الزعيم مسعود ولد بولخير رئيسا للمجلس الإقتصادي)وبعضها غير معلن ويظهر في شكل تسريبات أو سلوكيات من النظام اتجاه أعضاء المعاهدة وقد سمعنا عن بعض اللقاءات الثنائية و التوافقات المستقبلية .
إن أحزاب المعاهدة في وضع يشبه استفتاء "وي ونون التاريخي" (نعم أو لا) والذي يختبر الوعي الجمعي ويضع المصالح الفردية في مقابل مصالحة الوطن كله ...
إن سعي النظام لجعل المعارضة منقسمة علي نفسها أمر مفهوم ، ويجعل النظام يتمنع أمام كل طرف معارض ويعول علي خلافه مع الطرف الآخر ..وفي كل مرة يخرج فيها النظام منتصرا علي أحد فرقاء المعارضة ، لا يجد الطرف المعارض المتحالف مع النظام سوي التهميش والتراجع في شعبيته .. أما موقف أحزاب المعاهدة فلابد أن يكون منحازا لخيارات قوي التغيير وأن يبرهن علي جديته في مبادئه السياسية وطموحاته وأهدافه وأن تفهم أحزاب المعاهدة أن أي انحياز للنظام سيكلف البلاد تراجعا كبيرا وسيدفعها في اتجاه الإقصاء ومحاصرة الوعي المدني والسياسي وتهيئة الظروف للإستبداد والفساد ....
إن علي أحزاب المعاهدة أن تغتنم الفرصة وتتوحد خلف إرادة الشعب الموريتاني في إحداث التغيير الحقيقي وإنقاذ البلاد من دكتاتورية العسكر وثقافة التملق للأنظمة ..وأن تخطو في اتجاه توحيد الصف المعارض بعد أن وجد الجميع نفسه علي طاولة واحدة وأمام خيارين لاثالث لهما :
إما أن يتوحد المعارضون في المنتدي والمعاهدة ويجبرون النظام علي قبول مطالب الشعب وخيارات التغيير الجاد .
وإما أن تنضم المعاهدة للنظام وأجندته السياسية ، وسيكون ذلك بمثابة خروج نهائي من صف المعارضة ونهاية مأساوية لتاريخ نضالي طويل بالنسبة لأكبر أحزاب المعاهدة ..
إننا لا نتوقع أن تتجه المعاهدة مجتمعة نحو مسايرة منتدي الديمقراطية والوحدة في الطرح الخاص بأجندته السياسية ، ومع ذلك نعتقد أن المعارض الحقيقي لايمكن أن يخالف دعوات سياسية كان هو نفسه أول من دعي لها النظام وأصر علي النضال من أجلها لعقود طويلة ....
إن الموقف الذي ستتخذه أحزاب المعاهدة سيكون حاسما في مدي استجابة النظام وسيعكس موقف تلك الأحزاب مكانتها السياسية ومستقبلها في المعارضة الوطنية ..وليس من الوارد التكهن بما ستختاره المعاهدة داخل أروقة الحوار من تحالفات وتوجهات لكننا ، نستطيع القول إن المراقب يترصد مواقفها وينتظر مما تطرحه أكثر مما يراقب وينتظر ما سيطرحه النظام أو المعارضين له في المنتدي .