آثار العبودية..المسكوت عنه أولى من المنطوق!./ أحمد بن محمد الحافظ

من أكثر "الظواهر" اليوم حضورا في الخطاب السياسي والحقوقي بموريتانيا ظاهرة "الرق" ولئن كان وجودها اليوم محل جدل وخلاف؛ فإن آثارها ومخلفاتها محل اتفاق وإجماع من لدن كل المتطرقين لها؛

إلا أن هذه المخلفات والآثار تُجْمَلُ في متلازمة (الفقر والجهل) ولا خلاف في أن هذه المتلازمة مثلت أثرا ماديا جليا من آثار تلك الظاهرة؛ لكنها لم تكن كل الآثار والمخلفات؛ بل تجاوزت البعد المادي؛ غائصة في العمق المعنوي!
في بدايات هذا القرن رأيت رسما "كاريكاتيريا" في إحدى المنشورات العربية ـ لا أتذكرها ـ كان يصور طفلين أحدهما "فلسطيني" بهيأة رثة، والآخر "إسرائيلي" وفي هيأة جميلة؛ قال الطفل الإسرائيلي مخاطبا الطفل الفلسطيني:
أبي حدثني أنكم مجرمون إرهابيون قتلة..
فرد عليه الطفل الفلسطيني:
أما أبي فلم يقل لي شيئا لأن أباك قتله!
لا أعتقد أنه من الإجحاف ـ في سياق مثل هذا ـ تشبيه واقع الطفل ضحية "الرق" بالطفل ضحية "الاحتلال" ولا الطفل ابن الجلاد "المسترِق" بالطفل ابن الجلاد "المحتل" بصيغة اسم الفاعل..قد لا يتبادر للكثيرين وجه الشبه في هذه المقارنة؛ لأن الطفلين تحاورا حول آثار مادية، لا دخل في ظاهرها للبعد المعنوي؛ لكن الذي يوحي بالعلاقة بين القضيتين؛ هو أن طفلنا (ضحية الرق) بغض النظر عن تاريخ وجوده، لا يعرف ـ في الغالب ـ أباه؛ (بل أكثر من ذلك لا أبا له) قد يبدو الأمر جارحا..وخادشا للحياء..ومع ذلك واقع نعيشه اليوم كأثر ملموس لهذه الظاهرة المقيتة؛ فغالبية المنتمين لهذه الشريحة تنقطع أنسابهم باكرا؛ لسبب بسيط؛ هو أن "الأسياد" كانوا يشيعون فيهم الفاحشة؛ بغية إشباع نهمهم النفسي أولا، وتكاثر ممتلكاتهم ثانيا!
ليتجاوز الأمر ـ دون شك ـ لاحقا لدى الضحية الشعور بالفقر النسبي والتاريخي..إلى الشعور بامتهان الكرامة واستباحة العِرْضِ؛ خصوصا أن هذا "الْعِرْضَ" سيمثل لتلك "الضحية" كل أبعادها "الوجودية" وكل مشروعيتها "الإنسانية"!!
وإذا كانت محاربة الجوانب المادية لتلك المخلفات ـ وحتى بعض الجوانب النفسية ـ واردة؛ خصوصا مع التراكمات؛ فإن محاربة هذا الجانب تبدو صعبة المنال؛ أحرى إذا غذتها ثقافة "مشبعة" بالسخرية المبطنة؛ يتندر الكثيرون بأن ذكر العلاقة من جهة الأمهات، والاعتداد بها سلوك "عَبِيدِيٌّ" بامتياز؛ إنها ـ وفق تعبيرهم ـ ثقافة (وَلْ خَالْتِ) وإن كان ثمة بصيص للحد من تأثيرها النفسي، فأعتقد أن المجتمع يتحمل جزءا كبيرا ومهما منه؛ وذلك من خلال تبنيه ـ في القضايا الاجتماعية ـ لفلسفة المساواة!
صحيح أن أجيال اليوم ليسوا من صنع تلك الفلسفة؛ رغم أن فيهم من مارسها؛ لكن الصحيح ـ أيضا ـ أن هؤلاء الضحايا لا ذنب لهم حتى يظلوا محكومين بالأبعاد النفسية لتلك الفلسفة "الحقيرة" {ولقد كرمنا بني آدم} فمن أجل تجاوز عقدة الشعور بـ"الذنب" علينا القضاء على عقدة الشعور بـ"الدونية"!!

16. أبريل 2014 - 10:50

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا