هل كان من غريب الصدف أن يسبق "اللام" - بما يعنيه لدينا من رفض وثورة - حرف "الميم" بما يعنيه - لدى الحكومة - من تكميم وتمييع في الترتيب الأبجدي العربي...؟!!
"ميماتهم" الثلاث التي أرادوها عنوانا للتكميم والتضييق والكبت، تواجهها "لاءاتنا" الثلاث، والتي نريدها أقوى من "لاءات الخرطوم" الشهيرة..!!
ظاهر"ميماتهم" فيه رحمة بالناس، ومحاولة لضبط الحرية والتحكم في مسارات التعبير و"فرملة" الفوضى الحاصلة فيه، وباطنها من قبله صورة بالأسود والأبيض ل"المادة 11" المشؤومة التي قبرتها نضالات حراس الحرية والكلمة في هذه البلاد.
لا أحد يرفض تقنين المنشورات والتحكم فيها بما يضمن حماية الهوية والمقدسات والثوابت الحضارية والقيم الوطنية والكرامة الجماعية والفردية لعامة الناس، خاصة بعد الموجة الأخيرة من التجني اللفظي التي طالت الدين الإسلامي بكل مقدساته ورموزه، في بلد لا يفخر بشيء فخره بالإسلام نصا وروحا وتاريخا ومشروعا للوحدة الوطنية.
لا أحد يرفض السيطرة على حبال الغسيل في المواقع المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي والفضاءات الحرة إذاعيا وتلفزيونيا، بما يضمن تقديم مادة إعلامية تحترم نفسها، وتحترم المتلقي، وتقف عند حدودها ولا تتحول إلى خنجر مسموم في خاصرة الدين والوطن والشعب والوحدة وقيم التعايش.
لا أحد يرفض مساءلة شخص تجاوز حدود اللباقة والمهنية، وفضفض جو الحرية ليتجاوزه إلى خطوط حمراء تسيء لدين أو شعب أو وطن، أو رمز أو ثقافة، أو لحمة وطنية.
لا أحد ينكر أننا شبعنا حرية، يبدو أن العيب فينا وليس فيها، لأننا ببساطة لم نحاول فهمها ولم نتأقلم معها، ولم نعرف تحديدا ما الذي تعنيه، فطفقنا نوزع السباب والشتائم ومحارم اللسان بمجرد امتلاك أحدنا لصفحة أو موقع، ونحن الذين أصبحنا بلد المليون موقع درجة تعريف المواقع بالقبائل والمشيخات، والتيارات السياسية، والفئات الاجتماعية، بل وأكثر من ذلك الدول والجهات الأجنبية، فهذه مواقع الإسلاميين، وتلك مواقع الأمن، وهنا مواقع قبيلة من القبائل، وهناك مواقع طائفة من الطوائف أو حركة من الحركات، أو شيخ، أو وجيه من الوجهاء، وهكذا..!!
ضاعت المهنية وضاعت الصحافة، ونقلنا باديتنا إلى الشبكة "العنكبوتية"، فأينما يممت - عبر محركات البحث - تجد مضاربنا وخيامنا وزرائبنا ومحمياتنا، وآبارنا وأمجادنا التي نصنعها في غفلة من التاريخ أحيانا..!!
والأخطر من ذلك أننا ملانا فضاءات الشبكة "العنكبوتية" حرسا شديدا وشهبا، فنشرنا على حبالها غسيلنا وصراعاتنا، وصراخ شرائحنا وفئاتنا، ومكاء وتصدية سياسيينا ونخبتنا، التي عجزت عن قيادة مجتمعنا، فقادها نحو المستنقع الذي صعب عليها الفكاك من أوحاله..!!
نحن لا نريد حرية ليست على مقاساتنا الأصلية، والحرية أيضا لا تريد ولا ينبغي لها أن تفصلنا على مقاساتها، ولذلك نحن نريد حرية ممنهجة منظمة منضبطة، وليست حرية الفوضى والارتباك والشحن والغوغائية، حرية تتوقف عند مقدساتنا الدينية، وعند سيادة حوزتنا الترابية، وعند وحدة شعبنا وانسجامه، وعند قيمنا المشتركة وأخلاقيات مجتمعنا المسلم الملتحم، عند دستورنا ومؤسساته، عند جيشنا وخصوصياته، عند رموزنا كلها، وعند كل ما هو مشترك لدينا، فإن تجاوزت ذلك فإن الكبت يقينا سيكون أحب إلينا..وسترتفع أمامنا اللافتة المدوية (الحرية المطلقة مفسدة مطلقة)..!!
نحن لسنا ضد "الميمات" إذا كانت ستحمينا من الإفراط في الحرية، والتفريط فيها، ولكن "لاءاتنا" جاهزة إذا كان قانون "الميمات" يحاول المس من حريتنا التي نقبلها وفق ضوابط واضحة، نتحمل العقاب إذا تجاوزناها،ونتحمل التضحيات إذا ضاقت على طموحاتنا، ولكن نحن الذين نحدد تلك الضوابط وليس الحكومة، ولا نرفض أن نحددها معا تحت سقف مجمع عليه..
سنقول "لا" إذا كان القانون الجديد محاولة لخنق الحريات، وعزل "المعارضين"، والتحكم في الأفكار والتصنت على الأعناق والأرزاق.
سنقول "لا" إذا كانت "الميمات" كلمة حق أريد بها باطل، وإذا كانت مجرد عودة لعهود الكبت والخنق والتضييق والمصادرة.
سنقول "لا" إذا كان القانون الجديد عصا تهش بها الحكومة على "الصحفيين" و"المدونين" وتتوكأ عليها لتقليص مساحات الحرية، ولها فيها "مآرب أخرى" ..!!
سنقول "لا" إذاكان القانون الجديد تلة مرتفعة يقف عليها "عسس" الحكومة لتفتيش جموع "الصحفيين" و"المدونين" وخلق ( أمن طرق تعبيرية)، والعبث ببضاعتهم، والهش في وجوه قوافلهم الافتراضية..!!
نعم لضبط الحرية، فقد اتسعت لدينا درجة التخمة، فسادت الفوضى وانتهكت الحرمات، واستبيحت المقدسات، وضربت القيم الوطنية وقيم التعايش والوحدة في الصميم، بفعل جيوش من "المدونين" و"الصحفيين" معظمهم لا يرعى في الدين والوطن والشعب إلا ولا ذمة، مع أنه لا شيء يربطهم بمهنة الصحافة وأخلاقياتها وضوابط التدوين أكثر من تعلمهم لطريقة "نسخ" و"لصق" هذا المقال، أو تلك التدوينة، وهذه الصور، او تلك "الروابط"، دون إدراك لخطورة النشر جزافا وما يمثله من لعب بالنار في وطن ولد على قنبلة موقوتة، وفى فمه ملعقة "بارود"، وبلغ أشده وتوقيت انفجار القنبلة يزداد قربا، و شظايها تزداد التهابا وانتشارا حتى قبل "الانفجار"..!!
نعم للحرية، ولكن بضوابط وصمامات أمان، ولا للتكميم والتقييد والكبت تحت أية ذريعة.
من حق الدولة أن تكون موجودة ونافذة وقوية، ولكن ليس من حقها تقطير الحرية لشعبها، ولئن كانت أعطته جرعة زائدة من تلك الحرية دون مراعاة العمر والوزن والسوابق البدوية، فبمقدورها تقنين الجرعة، والحفاظ عليها دون مبالغة في نقصها، أو تهاون في ضبطها وموازنتها والتحكم فيها، بما يخدم الدولة ككيان وطني محكوم عليه بحماية مواطنيه والدفاع عن حرياتهم الفردية والجماعية، وفق رؤية تخدم بقاءه وبقاء لحمته وسيادته، وصيانة رموزه ومقدساته وثوابته الجمعية، وتبقيه أبدا فوق كل اعتبار.